يتميز تاريخ القضاء العراقي منذ نشوئه بالرفعة والإاستقامة، وبصفحات ناصعة حافلة بالنزاهة والحيادية في تطبيق القوانين وإصدارالإحكام القضائية العادلة في القضايا والمنازعات المعروضة عليه. القضاء في كل دول العالم، هو رمزللاستقرار والمرجع الاول والاخيرفي حماية حقوق المواطنين بغض النظرعن إختلاف ألوانهم ولغاتهم أومعتقداتهم. فالدولة التي بلا قضاء موثوق، هي دولة لا تسودها الازدهار ولالأمان والتقدم. الدولة التي تستهدف فيها القضاء ورجاله هي دولة لا تنبض بالحياة والإستقرار، وكما يعلم رجال القانون والقضاء والفلسفة إن عماد كل دولة قانونية ثابتة الاركان هو في وجود قضاءها المستقل، وفي إحترامها لبنود دستورها المدون.فالدولة تقوم أساساعلى سيادة ذلك الدستورومن خلالها تستطيع ممارسة سيادتها وقوتها وحصانة حقوق مواطنيها وانبثاق السلطات الثلاث والتزامهم التام بمباديء ذلك الدستور.وكذلك الحال في كل دساتير الدول المتحضرة والمتمدينة.
ذكر الباحث القانوني هاتف الاعرجي في مقال له حول تاريخ القضاء في العراق – في عام 1929 تم اقرار أول قانون عراقي ينظم الجهاز القضائي، تلك التي تتعلق بتعيين القضاة وترقيتهم ونقلهم كما ونص ولأول مرة في تاريخ الجهازالقضائي على انشاء لجنة بشؤون القضاة، وجرى إعادة تنظيم هذه اللجنة في عام 1945 و1956 و1963 حيث تمت تسميتها بـ المجلس القضائي. بعد هذه المقدمة الموجزة نعود الى صلب الموضوع المتعلق بشموخ القضاء العراقيوإستقلاليته عن هيمنة نفوذ السلطتين التنفيذية والتشريعية في قراراته الصادرة وفق القانون والدستور.فاستقلال القضاء في البلد الذي يحترم فيه قضائه هواحترام لآدمية المواطن وحماية لحقوقه في المجتمع ،ولا يمكن لوجود هذا الاستقلال في ظل الفوضى والإرباك لمهام المحاكم والتدخل في أمورها ولا تتحقق مفاهيم العدالة في أروقتها. فالقاضي والقضاء وجهان لعملة واحدة في مقاومة صدأ التدخل أوالرضوخ لأوامر الغير. اشارالاستاذ الكاتب فيصل الصوفي الى أهم أسس دولة القانون بان واحدة- من أهم أسس دولة القانون هي إستقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعة والسلطة التنفيذية وما يتفرع عنها من هيئات، وأن تكون محصنة ضد تدخل أي فرد أو جماعة في شؤونها، وأن يخضع الجميع لأحكام وقررات القضاء-.وقد نص الدستور العراقي السابق والحالي على هذه الاستقلالية للقضاء وعلى حماية القضاة وعلى الميزانية المستقلة للقضاء حيث ذكر الباحث القانوني حسن العقيلي هذا الأمر في بحثه عن إستقلال القضاء .
أن (تأسيس ميزانية مستقلة للقضاء تشكل إحدى الضمانات المهمة في مبدأ إستقلال القضاء فكلما كان هناك إستقلال مالي وميزانية خاصة بالقضاء كلما قلت الضغوط والتأثيرات في عمل السلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية وبهذا الصدد نجد أن دستورجمهورية العراق جعل للقضاء موازنة سنوية مستقلة يقوم باقتراحها مجلس القضاء الأعلى ويعرضها على مجلس النواب وذلك في م/91 الفقرة 3).
وبناء على نص المادة السالفة الذكر يتبين وبشكل جلي مفهوم إستقلالية القضاء في العراق وفي ظل الدستور العراقي النافذ،وحسب مواد الدستور،لا يمكن لأي من كان حتى لو كانت تلك الجهة جهات حكومية التدخل في سير القضاء وفي إجراءات التقاضي أو التأثيرعلى إستقلال القاضي أثناء تأديته لوظيفته القضائية، أوعرقلة عمله في المحاكم سواء بالتدخل المباشرأو غيرالمباشر للحد من حريته المرسومة له وفق القانون. أو التلميح له بالتهديد والمضايقة. القاضي ووفق قانون التنظيم القضائي مستقل ولا يتبع في قراره حتى لتأثيرات زميله القاضي وفي نفس المحاكم. مهما كانت درجته وصنفه القضائي وبهذا الشكل تعلمنا أثناء دراستنا لمواد القانون في كلية الحقوق والمعهد القضائي ومن محاضرات وتوجيهات أساتذتنا الأجّلاء في مجال القانون مفهوم إستقلال القضاء والقاضي أثناء تأدية وظيفته القضائية. وإلاّ لامعنى للقضاء المستقل إذا تعرّض القاضي أثناء عمله للتهديد أو التدخل في عمله حتى لوكان ذلك التدخل بصورة ضمنية. إن ما تعرض له القاضي محمد نديم قاضي محكمة قضاء دبس الى التهديد المباشر والتطاول عليه أثناء تأديته لعمله القضائي وتحت قبة المحكمة والى هجمات قاتلة من قبل بعض الخارجين على القانون والنظام العام،وبأسم حرية التظاهروالإحتجاج على قراراته القضائية الصادرة وفق القانون، وحرق بناية المحكمة والانتقام منه ومن عائلته، ومن ثم اقتحام مسكنه وإحراقه بعد نهب جميع محتوياته والعبث بأشيائه الشخصية أمام أنظارالأجهزة الإدارية والأمنية. انه لعمل شنيع وإهانة مباشرة له ولعائلته ولكرامة ومقام القضاء والقاضي في المدينة من قبل أولئك الخارجين على القانون. لذا نطلب ومن خلال هذا المقال من الحكومة ومن مجلس القضاء الأعلى التدخل السريع في معالجة موضوع القاضي محمد نديم المتطاول عليه بسبب وظيفته القضائية وأثناء اداء عمله الوظيفي، وكما علمنا من خلال المقالات والكتابات المنشورة في المواقع والصحف ،بأن السيد القاضي كان يباشر مهامه في القضاء ومنذ ثمان سنوات بكل إخلاص وحيادية مهنية. مع رفضه الكامل اي تدخل ما سواء عن طريق التهديد أو استمالته بالاغراءات المالية . وشهد على نزاهته وإستقامته وعلى قراراته الصائبة القضائية عموم أهالي دبس الكرام . وعلى سبيل الافتراض لنفترض إن السيد القاضي قد أصدر قراره في القضية المعروضة أمامه وشعرأحد المتخاصمين بأن إجحافاً أو غبناً ما لحق به أو بحقوقه فكان بامكانه فبموجب القانون وبنود الدستور العراقي حق الطعن تمييزاً على قراره الصادر، وليس بموجب قانون الغاب وخرق الدستور، وحرق بناية المحكمة وإحراق منزل القاضي وإهانة مقامه السامي،والتشهير به عن طريق تلفيق مختلف التهم والافتراءات له والإدلاء بالتصريحات الكاذبة ضده من قبل بعض المتنفذين والمتسترين على تلك الاهانة المشينة وعبر قنوات إعلامهم المسخرة للتسترعلى جرائم المتطاولين والخارجين على القانون في دبس. نطلب من مجلس القضاء الاعلى الموقر، ومن جميع السادة القضاة ومن فقهاء القانون في جميع مدن العراق، بمن فيهم القضاة ورجال القانون في إقليم كوردستان العراق والمشهود لهم بالنزاهة والموضوعية والثبات في قول الحق الوقوف ضد كل من يتجاوز ويتطاول أويخرق الحصانة القضائية للقضاة مهما علت نفوذهم ومناصبهم. ومن حقنا أن نؤكد ومعنا كل القضاة ورجال القانون والنظام عن مدى تمتع القاضي بالحصانة القضائية في نطاق أداء وظيفته،وعدم خضوعه لأحد إّلا لسلطان القانون، وقد أوضح باحثنا القانوني حسن العكيلي وبشكل جلي وجوب تمتع القاضي بالحصانة القضائية والتي تعني حسب وصفه عدم مقاضاته حتى- بدعوى مدنية لكلمات قيلت أو أعمال مارسها خلال ممارسته لعمله القضائي، كما يجب أن يكون بعيداًعن الإعتقال العشوائي بغير حالات الجرم المشهود إلا بموافقة مجلس القضاء.وقد عرف النظام الانكليزي إستقلال القاضي من خلال منعه بالعمل في السياسة وأن لاينخرط غيرمجالات السياسة وعدم السماح لمشاعره السياسية أن تؤثر في حكمه كما أنه ممنوع من الترشيح لعضوية البرلمان فضلاًعن أن رواتب القضاة تدفع من صندوق خاص مما يجعل القاضي مستقلاً مالياً عن الحكومة. فهنا لا ندري ماذا نقول للسيد محافظ كركوك الأستاذ نجم الدين كريم الذي يشغل الآن أعلى سلطة تنفيذية في المحافظة ومعه أيضاً مجلس المحافظة، وهم يمثلون السلطة التنفيذية والمسؤولين المباشرين في حفط الأمن والنظام ومراقبة تطبيق القانون بإعتبارهم الجهة الإدارية المتنفذة وتخضع لأوامرهم جميع القوات الامنية في المحافظة والمدن التابعة لهم، ومنها طبعاً قضاء دبس بجميع دوائره الادارية والأمنية، فأين كانوا عندما أستنجد بهم القاضي ومن معه في المحكمة والدوائر الاخرى للتدخل في منع الخارجين على القانون والنظام أثناء هجومهم الغادرعلى الدوائرالحكومية وحرقها ومنها طبعا بناية محكمة دبس، ودار المواطنين ومنها دارالسيد محمد نديم قاضي المحكمة. أما كان يجب على السيد المحافظ ومعه رئيس مجلس المحافظة، وتحديدا رئيس اللجنة الامنية في مجلس المحافظة، واللواء القانوني مديرالشرطة العام للمحافظة يكونوا في طليعة المدافعين عن القانون والقضاء والقاضي والتابعين له ضمن مسؤولياته، أليسوا ضمن مسؤولياتهم الأمنية المباشرة في منع الإضطراب والتطاول والحرق والنهب في قضاء دبس أم أكتفوا بإجراء بعض التنقلات الداخلية لذر الرماد في عيون الحقيقة. لذا ندعوهم الآن الاضطلاع بدورهم الكبير في معالجة ومحو آثارجرائم الخارجين على القانون، والتفضل بإصدار الأمرالتنفيذي وعن طريق الجهات القضائية في القاء القبض عليهم وايداع جميع المتسببين الرئيسيين في خرق القانون والنظام في دبس السجن، لحين احالتهم الى القضاء. وعدم غض الطرف عنهم، والعمل بكل صدق وجدية في مساعدة الألاجهزة القضائية لاستكمال التحقيق القضائي في ملابسات القضية، وأخذ مجراها القانوني بعيداً عن التأثيرات الحزبية أوالتدخل في شؤون القضاء، مع التأكيد المستمر على محاسبة جميع الخارجين على القانون ليكونوا درساً قاسياً وثمناً باهضاً لكل من يتسول له نفسه المريضة يعبث بالنظام، ويهين شموخ القضاء ويزعزع مكانة القضاة وثقة الناس بسلطة القانون والمحاكم في المدن العراقية ، مع تغليظ العقوبات بحقهم، ردعاً لهم وحفاظاً على هيبة القضاء العراقي ومقام السادة القضاة وأعضاء الادعاء العام، مع التأكيد على طلب رد الاعتبارالمادي والمعنوي الكامل وعبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية لجميع المتضررين ، وبمن فيهم القاضي القديرمحمد نديم الذي ذهب ضحية القانون والعدالة، ومن أجل حماية حقوق المواطنين في قضاء دبس. نطلب مرة أخرى ومن أعلى هيئة تنفيذية وقضائية وتشريعية في العراق وضمن صلاحياتهم القانونية الواسعة التدخل في حل قضية القاضي محمد نديم ومن معه، والتي كادت أن تُهّمش وتُنسى بتأثير بعض الأطراف المتنفذة مع محاولتهم المستمرة في طمس الحقيقة ،وإعطاء الناس صورة مغايرة لواقع القضية. فعلى جميع السادة الأفاضل من الكتاب والإعلاميين ومن مراصد الإعلام الحر، ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ، والسادة الكرام من رجال الفكروالقانون والقضاء إعلان موقفهم الصريح والوقوف الى جانب السيد القاضي محمد نديم في قضيته ومحنته التي أصبحت ، قضية رأي عام لمساسه كرامة جميع القضاة وأعضاء الإدعاء العام ، لأن التطاول الذي مّس اليوم زميلهم القاضي سيمسّهم غداً. والتحري في الموضوع بشكل حيادي ، وليس كما أعلن من خلال وسائل الإعلام الحزبية وبإملاءات الأطراف المتنفذة. وإلاّ سنبقى فقط نكتب على الأوراق وفي الكتب القانونية إنّ القضاة مستقلين لا سلطان عليهم إلاّ القانون. ونتحسربعد ذلك على ضياع الحقوق وسط عبث العابثين والمتطاولين على القضاء العراقي الشامخ. وصدق أستاذنا القديرفيصل الصوفي في كتابته حول إهانة القضاء- بأن القاضي لا يستطيع تحقيق العدالة إذا كان ينظرقضية تحت التهديد والضغط، ولا يستطيع أن يقول للرئيس أو لمجلس النواب أو لرئيس الحكومة أو لوزير قرارك غير دستوري أو غير قانوني، إذا كان هذا القاضي خاضعا لمصادر نفوذ تؤثر في قراراته وأحكامه، وما قيمة الحكم أو القرار مهما كانت صحته- إذا سمح لطرف ما مقاومته أو رفضه هيبة القضاء في إستقلاله الذي يمنحه القدرة على تطبيق القانون وإنفاذ أحكامه فنحن هنا لا نخاطب من خلال إعلام بلا ضمير، ولاشعباً بلا وعي، وإنما نخاطب شعباً راقياً يعي مسؤوليته ويقدّرعلمائه ورجاله العظماء في مجال العلوم الانسانية والسياسية و القانونية. ونعلم والجميع بأن لا دولة راقية ، بلا قضاء راسخ.