تناقلت وسائل الإعلام والصحافة العراقية والعربية ووسائل التواصل الأجتماعي حديث السيد علي السيستاني مع الممثل الجديد للأمم المتحدة في العراق وكان حديث السيد يشير إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه الشعب العراقي على أكثر من صعيد, وقد أكد انه ينبغي على العراقيين ولا سيما النخب الواعية أن يأخذوا العبر من التجارب التي مروا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز اخفاقاتها ويعملوا بجد في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار, واكد كذلك أنه لا يتسنى ذلك من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسلم مواقع المسؤولية ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها وتحكيم سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد على جميع المستويات, واشار ايضا أن امام العراقيين مسار طويل الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك, وقد عبر أيضا عن عميق تألّمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزة وبالغ أسفه على عجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول ناجعة لإيقافها او في الحدّ الأدنى تحييد المدنيين من مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي.
ما تحدث به السيستاني هو معضلات بنيوية يعاني منها النظام العراقي منذ تأسيسه بعد عام 2003 على خلفية سقوط النظام الدكتاتوري وهي معضلات غير قابلة للحل بسبب طبيعة النظام السياسي الطائفي والأثني الذي يتصرف مع الدولة وثرواتها وسلاحها كغنائم، ومن اسباب ذلك هو زج الدين في السياسة في ظل مجتمع متنوع البنية الطائفية والمذهبية والعرقية مع العلم ان دستور عام 2005 لا يسمح للأحزاب ذات الأجنحة المسلحة في المشاركة في الحكم وان التدخل عبر فتاوى لا يجدي نفعا في الحد من حالة التدهور على مختلف الأصعدة في البلاد لأن باب الاجتهاد في توظيف كلام السيد مفتوحا على مصرعيه والسيد لا يمتلك السلطات للحد من ذلك، بل ان المرجعية في محطات كثيرة ساهمت في تكريس النظام واعادة إنتاجه عبر الدعم المباشر وغير المباشر بفتاوى ضمنية لدعم انتخاب احزاب الأسلام السياسي بل وصلت إلى حد” اذا اردت ان لا تنتخبها فأرمي الورقة بيضاء في صندوق الأقتراع” نحن أمام معضلة لا تسمح للنظام السياسي لأعادة بناء منظومته السياسية على أسس من فصل الدين عن السياسية كما هي في ديمقراطيات العالم وقد ساهم الاحتلال الأمريكي في بناء هذا النظام المشوه عبر استمالة الأحزاب الطائفية السياسية والأستعانة برجالات الدين لتكريس الوضع القائم. المعالجات تأتي عبر تشخيص الأسباب وليست العمل بالنتائج باعتبارها هي الأسباب في محاولة للهروب من الواقع المزري وهي كما يقال” وضع العربة أمام الحصان”.
أن ما تحدث به السيد علي السيستاني وسبق له او عبر وكلائه ان تحدث مرارا وتكرارا عن تلك الأزمات المستفحلة لأكثر من عقدين من الزمن, من فساد اداري ومالي وسرقة للمال العام وفضائح من الفرهود وانهيار للبنية التحتية الأقتصادية والأجتماعية والأخلاقية وانعدام الخدمات الأنسانية الأساسية من صحة وتعليم وماء وكهرباء وانعدام الضمانات الأجتماعية الأساسية وانتشار البطالة العامة وبطالة الخريجين وانعدام افق المستقبل في شعب يقف اكثر من ثلاثين بالمئة منه على خط الفقر الى جانب التفكك الأجتماعي من ارتفاع نسب الطلاق وتعاطي المخدرات وشيوع وانتشار السلاح المنفلت في الشارع العراقي وبين العشائر وبين مجاميع مسلحة منفلتة ترتكب الجرائم بوضح النهار دون رادع من الحكومات او القضاء او اي خوف من اجهزة الدولة التي يفترض ان تحمي المواطن. وقد استخدم السلاح في اكثر من مناسبة احتجاج ضد الأوضاع المزرية السائدة وقد ذهب ضحية ذلك المئات من الأبرياء والضحايا, لا يعقل أن يهدر العراق منذ سقوط النظام والى اليوم أكثر من 1500 مليار دولار اهدارا وسرقة ونهبا للمال العام ولم تستطيع كل الحكومات المتعاقبة وضع حد لذلك ولعل اقرب دليل هو ما اطلق عليه سرقة القرن حيث السارق وشركائه طلقاء وقد بلغت سرقتهم في بداية اثارة قضيتهم اكثر من 3 مليار دولار وتتناقل الأخبار انها اضعاف ذلك.
كيف لنا أن نعقل أن بلدا كالعراق ومن مقدمة الدول المصدرة للطاقة في العالم” النفط” أن يعيش سكانه على محولات كهربائية بدائية للتزود من الطاقة الكهربائية ويعانون من مأساة تلك المحولات في فقر الطاقة وزهقها للأرواح يوميا ودخول تلك المحولات في صفقات الفساد الكبرى في البلد لأستغلال المواطن, وكيف يعقل ان بلد ينفق على الكهرباء اكثر من 100 مليار دولار دون كهرباء تليق بحاجة الأنسان اليومية.
أن ما يحتاج أليه العراق ليست فتاوى لتشخيص أزمة النظام لأن ذلك اصبح من المسلمات لأبسط مواطن عراقي, بل الى فتاوى تسحب الشرعية بشكل واضح عن الطبقة السياسية الفاسدة ويعبأ الجهود المجتمعية لأزاحتها من المشهد. نعم قد يكون النظام المحصصاتي مطمئنا ان الناس متعبون من الفقر وحائرون بلقمة العيش وقد تعرض الناس للأبادة والحروب في مناسبات مختلفة لكن الوعي بطبيعة الأزمات ومسببيها واسبابها قد يخلق فرص للنهوض من جديد اما الفتاوى بضرورة تحسين الحال هي أشبه بالمسكنات ولكنها لا تعالج الأسباب. ولذلك توجب على المرجعية والنخب الأجتماعية والقيادات السياسية المخلصة ومؤسسات المجتمع المدني لخلق الوعي اللازم بسلوك الطبقات والحكومات المتعاقبة التي عاثت في العراق فسادا وخلق المقدمات الضرورية للخلاص منها.