خاص: إعداد- سماح عادل
أعلن مؤخرا فوز “كمال داود” الكاتب الجزائري بجائزة غونكور الأدبية الفرنسية عن روايته “حوريات”، ليكون أول جزائري يحصل علي هذه الجائزة الرفيعة للأدب الفرانكفوني.
حصل “داود” على 6 أصوات من أصل 10 في لجنة تحكيم الأكاديمية. وكانت الكاتبتان الفرنسيتان “إيلين غودي وساندرين كوليت”، إضافة للفرنسي من أصل رواندي “غاييل فاي” في منافسة مباشرة مع “داود” للحصول على الجائزة.
وقد أعلن رئيس أكاديمية غونكور “فيليب كلوديل”، فوز الكاتب الفرنسي من أصل جزائري، “كمال داود”، بجائزة غونكور، ليحسم التنافس الشديد بين الفائز وبين الكاتب “غاييل فاي”. وصرح أن “الأكاديمية توّجت كتاباً تتنافس فيه القصائد الغنائية مع التراجيديا، ويعبّر عن العذابات المرتبطة بفترة مظلمة من تاريخ الجزائر، وخصوصاً ما عانته النساء، وتُظهر إلى أي مدى يستطيع الأدب معاينة الواقع، وأن يرسم إلى جانب القصة التاريخية لشعب ما، سبيلا آخر للذاكرة “.
محظورة..
يذكر أن رواية “الحوريات” محظورة في الجزائر منذ 27 فبراير 2006، استنادا إلى تنفـيذ ميثـاق السلم والمصالحة الوطنيّة، وينص القانون على أنه “يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات وبغرامة من 250.000 دينار إلى500.000 دينار، كل من استغل جراح المأساة الوطنية بأقواله أو كتاباته أو أي عمل آخر، أو استخدمها كأداة لتقويض مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو إضعاف الدولة”.
وعبر “داود” في تصريح خلال مهرجان كوريسبوندانس الأدبي في مانوسك الفرنسية في نهاية أيلول/ سبتمبر عن أسفه لحظر روايته في الجزائر. قال إن “كتابي يقرأ في الجزائر لأنه مقرصن. لكن لم ينشر فيها للأسف”.
تحكي الرواية قصة الشابة “أوب” التي تحمل جرحاً على شكل ابتسامة حول عنقها، وتوجه حديثها إلى الجنين الذي تحمله في رحمها، مشيرة إلى أنها “لن تلد في بلد أخذ كل شيء منها”.
وحرص داود على أن تكون شخصية امرأة هي الراوية للحبكة، واختار مدينة وهران، شمال غرب الجزائر، بداية للقصة، إذ عمل فيها صحافياً خلال “العشرية السوداء”، ثم تجري الأحداث في الصحراء الجزائرية التي تنتقل إليها أوب لتعود إلى قريتها.
هذه هي الرواية الثالثة لكمال داود، والأولى التي تصدر عن دار “غاليمار” الفرنسية. وسبق له أن فاز بجائزة لاندرنو للقراء في أكتوبر/تشرين الأول.
الإرهاب..
تتناول رواية “حوريات” أو “الحور العين” فترة حساسة بتاريخ الجزائر فترة انتشار الإرهاب أو ما يعرف بالعشرية السوداء، حيث يحكي الكاتب قصة “فجر” الحامل التي فقدت جزءا من جسدها نتيجة اعتداء الجماعات الإرهابية، وهي تروي لطفلتها المنتظرة مأساتها، وتعد الرواية بمثابة شهادة حية على الأحداث الدامية التي عاشتها الجزائر خلال تلك الحقبة.
هذا المحتوى الذي يخوض في المأساة الوطنية وفق الطرح الرسمي في الجزائر، دفع سلطات البلاد إلى منع دار النشر “غاليمار” من المشاركة في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر المنتظر بعد أيام. ويرتكز قرار السلطات على قانون المصالحة الوطنية الصادر سنة 2005 في الجزائر، والذي يمنع في إحدى مواده نكأ جراح المأساة الوطنية، رغم أنه لم يصدر موقف رسمي حول هذا الموضوع.
واعتبر معلقون أن الإعلام الفرنسي بالغ في الإشارة إلى هذا الموضوع، على اعتبار أن هناك روايات كثيرة تناولت موضوع العشرية السوداء في الجزائر، من أشهرها روايات ياسمين خضرة، وكاتبها هو محمد مولسهول، ضابط سابق في الجيش الجزائري، وعمل في الميدان في مواجهة الجماعات الإرهابية.
وفي دفاعه عن رواية “حوريات”، أكد “كمال داود” أن تناول حقبة الإرهاب في الجزائر يأتي لتجاوز محاولة نسيان تلك الأحداث المروعة. ومن الناحية الأدبية، قالت صحيفة لوفيغارو إن نجاح رواية “الحوريات” “يعكس الاعتراف الكبير بلغتها الأدبية الرفيعة التي وصفتها بأنها قوية ومشحونة بالعواطف، وتعبر عن مشاعر مختلطة وتتنقل بين الأحاديث العفوية والاعترافات الشخصية، ما يجعل من الرواية نصا قويا ومؤثرًا أشبه “بنهر جارٍ يعبر عن الآلام والصدمات التي خلفتها الحرب”.
جدل..
يقول الكاتب “كمال داود” “المنفي بقوة الظروف” في أغسطس/آب لمجلة “لوبوان” الفرنسية التي يكتب فيها عموداً، “أنا أتعرض للهجوم في الجزائر لأنني لست شيوعياً ولا ملتزماً بمناهضة الاستعمار ولا معادياً لفرنسا”.
حصل داود على الجنسية الفرنسية، ويقول “أنا مصاب بمتلازمة أبولينير، أنا فرنسي أكثر من الفرنسيين”، في إشارة منه إلى الشاعر غيوم أبولينير الذي ولد في بولندا وتجنس في ذروة الحرب العالمية الأولى. “كمال داود” يصرخ معبراً عن كراهيته للإسلاميين وعن رفضه للمجتمع الذكوري البغيض، إذ يسعى إلى تجاوز “ندبات أيام المراهقة”، حين كان متأثراً بالإسلام السياسي، إذ يقول “أنا نفسي كنت إمام مسجدِ مدرستي الثانوية، وبقيت إسلامويا لمدة ثماني سنوات، بين سن الثالثة عشر والعشرين”، كما أورد في مقاله “الرجل المتمرد الذي لا يستطيع أن يلوذ بالصمت” في مجلة ” لوبس” الفرنسية.
“كمال داود”..
ولد في 1970 في مدينة مستغانم غرب الجزائر، منحه الرئيس الفرنسي الجنسية الفرنسية قبل سنوات قليلة، بمواقفه الصادمة في كتاباته وأعمدته الصحفية التي بدأها خلال التسعينيات في جريدة “لوكوتيديان دورون” الجزائرية. ومن أبرز أعماله رواية “ميرسو، تحقيق مضاد”، وصدرت عن دار “غاليمار” في 2014″، وهي تحاكي رواية ألبير كامو “الغريب”. والرواية المذكورة رشحت داود لجائزة غونكور لأول مرة، ونال حينها الجائزة عن أفضل رواية أولى.
غونكور..
أهم جائزة أدبية في فرنسا، تمنح سنويا منذ 1903، وتعرف بتكريمها للأعمال الأدبية ذات القيمة الفنية العالية، وهي أكبر طموح للكتاب الفرنسيين أو الفرانكوفونيين، حيث تؤمن لهم الشهرة وتضمن لهم نجاحا كبيرا، على الرغم من أن قيمتها المالية رمزية تقدر فقط بـ 10 يورو. وتأسست الجائزة بوصية من الكاتب أدموند دي غونكور، وتُمنح من قبل أكاديمية غونكور، التي تمنح أيضاً جوائز أخرى هي: جائزة غونكور للرواية الأولى، وجائزة غونكور للقصة القصيرة، وجائزة غونكور للشعر، وجائزة غونكور لأدب السيرة الذاتية.