منذ ألفين وثلاثة والساحة الثقافية والإعلامية تعج بمشوهي التأريخ , الذين يكتبون بمداد مشاعرهم السلبية ودماملهم النفسية , وهذا إثم وإجرام بحق الحياة والضمير والإنسانية , لأن ما يكتبونه عبارة عن أضاليل وأكاذيب وتهيؤات , وتصورات عدوانية سافرة مجردة من المنطق والتحليل العلمي الموضوعي المعزز بالأدلة والبيانات والإحصاءات , وإنما هو تعبير عن تسويق لأمراض مزمنة متقيحة في أعماقهم.
وبسبب الفهم المنحرف للديمقراطية تحولت الصحف والمواقع ووسائل الإعلام إلى واجهات مدمرة للحقيقة , ومشوشة للوعي والإدراك المنصف الصحيح , فاختلط صالحها بطالحها , وما عادت هناك قدرة على التمييز , وهذا هو المطلوب لتمرير ما هو مطلوب.
ولهذا تجدنا نقرأ كتابات حاقدة على التأريخ وكاذبة تماما , لكنها تتكرر لتصبح شائعة وسائدة حتى يتم تصديقها وخداع الناس بها , وهذه الإفتراءات والإدعاءات ليست ذات صلة بالديمقراطية , وإنما حولتها إلى حصان أعمى تركبه وتدور في ذات المكان , حتى تخور وتتهالك قواها فتبرك وكأنها فازت بصيدٍ سمين.
وبإسم الديمقراطية المذبوحة بأقلامنا وأفكارنا , فقدت الكلمة دورها وقيمتها ومسؤوليتها ورسالتها , وتحولت إلى وسيلة للتعبير عما يجيش في الأعماق النكداء الجاسية المتخشبة الضمير , والمعدومة الحس الوطني والإنساني.
إن الدوران في هذا الفلك التخريبي التدميري العدواني , وبعد أكثر من عقد من إستيراد الديمقراطية المفصلة على قياس المصالح والأهداف الإقليمية والعالمية , ليشير إلى أن المأساة ستتواصل والعدوان على الذات والموضوع والتأريخ سيتعاظم.
ولابد للأقلام أن تكون صاحبة ضمير وتعاصر لترى الدنيا كما تبدو للبشر المتحضر , لا كما تمليه عليها عيون الآثام والخطايا , وتصفية الحسابات التي تؤدي لمزيد من الويلات والآلام.
ولكي يخرج الناس من هذه الدائرة المفرغة السقيمة , عليهم أن يستحضروا قيمهم ومبادئهم القويمة الصحيحة التي تربت عليها الأجيال , فلا يستلطفوا دور الأداة والآلة الكفيلة بإنجاز ما تم برمجتها للقيام به , دون أي تحسب وتقدير لمآلات الفعل والعمل.
فما يصيبنا من فعل أيدينا , وأنفسنا الأمارة بالسوء الفاعلة فينا , ولا نلومن سوانا , فقد طفح الكيل ووصل سيل العيب الزبى!!
وتبا للذين يتصورون بأنهم سيشوهون التأريخ والحاضر ويبخسون المستقبل , فإرادة الحياة ستلفظهم كالزبد في رمال الهوان والإذلال , ولن يبقى إلا ما ينفع الناس , ولو فعل ما فعل كل مكّار مخاتل مخادعٍ , متستربألف قناع وقناع من تراث ذاته البائس المشين!!