من يقرأ رسالة ابو مصعب الزرقاوي الى أيمن الظواهري وأسامة ابن لادن ومن يسمع خطبة الشيخ عبد المنعم البدراني من ساحة الاعتصام في الرمادي سوف يعرف المعنى الحقيقي والفهم الحقيقي للجهاد عند المذهب السلفي .
اجتهد المسلمين في تعريف معنى الجهاد عبر التاريخ . ولم يشهد التاريخ جهاداً ضد الغزاة والمحتلين الا وكان محدوداً . اما الفتوحات والغزوات التي انحسرت في القرن الثالث الهجري فكانت تنطلي بمعنى الجهاد رغم مافيها من جرائم واعتداءات ومن انتهاك للأعراض ونهب وسلب للأموال وقتل باسم الله . فمعاوية كان يدعو للجهاد كما يزيد والحجاج والمتوكل وصلاح الدين الايوبي وحتى صدام كان يعرف الحرب مع ايران جهاد .
الجهاد الذي تعطل عند المسلمين لقرون طويلة . لم يعد الا بمقاتلة الرافضة الفاطميين في مصر والنصيرية في الشام والشيعة في العراق .
اجتهد صلاح الدين الايوبي عندما ارسله الخليفة العاضد لدين الله للجهاد في القدس مع جيش كامل العدة والعدد وبدلا من ان يجاهد لتحرير القدس من الصليبين عاد الايوبي ليجاهد في اسقاط الخلافة الفاطمية ويقتل عشرات الالوف من الشيعة الفاطميين ويحرق مكتبة الأزهر ويشرد مئات الالوف من المصريين ويحرق بيوتهم . وكما اجتهد الايوبي اجتهد ابن تيمية في جهاد النصيرية والشيعة في دمشق وحلب وحمص على يد المماليك عندما دعى الى مقاتلة الرافضة وإباحة دمائهم وأموالهم .
اجتهادالايوبي وابن تيمية ينبع من اجتهاد الحجاج في فهم الجهاد . هذا الفهم الذي سبب ازمة لانزال نعاني منها الى يومنا . عندما تقاتل الصحابة في مابينهم واصطف اعظم جيشين في واقعة مشهورة سميت ( الجمل) تقاتلا فيها بضراوة وحماس لايشبه من حيث البسالة والشجاعة معارك بدر و احد .
هذة المعركة خلفت ٢٤ الف قتيل كلهم في الجنة لانهم اجتهدوا وان أ صابوا او اخطاؤا الا الجمل المسكين . فجيش علي يدعون للجهاد وانهم على حق وجيش عائشه يدعون للجهاد وانهم على حق . معاوية هو الاخر وبجيش جرار جاهد في سبيل الله في مقاتلة جيش الخليفة علي في واقعة صفين التي خلفت ٧٠ الف قتيل . حيث اجتهد معاوية بهذا العدد الكبير من القتلى كونة ولياً وسلطاناً لدم الخليفة الشهيد . هذا الاجتهاد في الجهاد جعل مبررا للقتل وكان قتل الحسين وال بيته سنة كما يفسر السلفية ذلك في قول النبي ( ص ) (من ولى منكم إماماً واعطاه ثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) ويقصد السلفية بالإمام يزيد ابن معاوية وعنق الاخر الامام الحسين .او كما يقول مفتى المملكة الشيخ عبد العزيز عبد الله الشيخ عندما سئل في مقتل الحسين فأجاب قائلا ( الحسين اجتهد بالخروج في قتال امام زمانه وكان غير مصيب لان بيعة يزيد بيعة شرعية و صحيحة ويقول السلفية ان الحسين قتل بسيف جده بينما الشيعة يقولون انه قتل بسيف السقيفة .
يزيد وأولاد الصحابة اجتهدوا في قتل الحسين والسلفية تدعم هذا الموقف بينما الحسين اجتهد في قتال جيش يزيد وكان يعتقد ذلك جهادا في اعادة دين محمد الذي انحرف به المنافقين والمنحرفيين من الطلقاء .
ومثلما تذكر الوهابية السلف بالمحاسن كذلك تذكر الشيعة السلف بالمحاسن أيضاً ولكن سلف الوهابية غير سلف الأمامية . الوهابية يقرون بعدالة طلحة والزبير ومعاوية ومروان ابن الحكم وعمرو ابن العاص وخالد ابن الوليد وعبد الله ابن عمر بينما الشيعة لا يقرون بذلك ويعدون السلف هم علي وعمار وسليمان الفارسي وميثم التمار وأبي ذر والحسن والحسين ومالك الأشتر ومحمد ابن ابي بكر . هذه رموز السلف غير أخرين اختلف فيهم الوهابية والاماميه . وكلهما يستمد موروثة في الجهاد من هولاء .
علي الذي لم تشهد فترة حكمة فتوحات وغزوات كان له رأي مخالف في معنى الجهاد وشروط الجهاد .جهاد السلف على مايقول السلفي الحويني يخالف جهاد علي والحسن وسلفالشيعة .
ابن ملجم قتل علياً تقربا الى الله والجهاد في سبيله كما الحسين الذين اجتمع على قتله ابناء الصحابة والتابعين هو الاخر تقربا الى الله .
الجهاد في الجمل وصفين وكربلاء مهد للجهاد الحقيقي في الامصار والثغور . فكانت الفتوحات على أشدها والرفاهية على أشدها مما جعل الدولة الاسلامية مترامية الأطراف . حتى غيوم السماء يتوعدها امير المؤمنين هارون الرشيد بالخراج . وصدق رجل الدين الحويني عندما قال في الجهاد ماقال .
الدولة الاسلامية بجهادها تشبه بريطانيا المملكة التي لا تغيب عنها الشمس بكثرة مستعمرتها او بأمريكا بترسانتها التي ترعب العالم كله .
المسلمين وجلهم الأعظم فسروا الجهاد بالغزوات والفتوحات لما له من مغانم ومكاسب بينما اعتكف
المسلمين في جهاد المغول والتاتار الذين احتل كل أمصارها وهو عدو صائل وبدلا من مقاتلته اختارت الامصار والأقاليم الانضمام تحت راية هولاكو . فاستعان هولاكو بفرقة عسكرية من الموصل وفرقة من حلب وفرقة من أنطاكيا وفرقة من الكزخ والطاجيك والأفغان وجلهم من المسلمين على احتلال بغداد وإسقاط الخلافة . هذه الجيوش الجرارة جوبهت بمقاومة شرسة من اعداء الخليفة العباسي المستنصر بالله وهم الشيعة الاسماعلية المرابطون على الحدود الشرقية من العراق . وقد فتك المغول والقوات الاسلامية المتجحفلة معه بالإسماعيلية وجعل من قلعتهم ركام للجماجم وبحيرة من الدم .
الخليفة العباسي وماله من جيش وحرس خاص ومقربين اختار الاستسلام كما الحرس الجمهوري والحرس الخاص في الغزو الامريكي .
السلفية يحملون الطوسي و العلقمي سقوط بغداد في عهد هولاكو وسيحملون السيستاني وسعدون حمادي في عهد بوش .
نحن شهود على تاريخ سقوط بغداد وهو معاصر . فلنا ان نعي اكاذيب الماضي والحاضر في الجهاد .
القوات التي احتلت بغداد من أمصار المسلمين في عهد المغول هي نفسها على العهد الامريكي عندما احتلت بغداد
فجميع القوات الامريكية قدمت من السعودية وتركيا والاردن والكويت وقد جوبهت بمقاومة شرسة من الجيش التقليدي ذو الاغلبية الشيعية في محافظات البصرة والناصرية والسماوة بينما لم تقاتل قوات النخبة من الحرس الجمهوري والخاص الامريكان وهم المقربين من صدام وفرت كما فرت قوات المستعصم بالله .
هولاكو الذي ابقى قطعات رمزية من قوات المغول في بغداد ودمشق وهي تشبهه لحد ما القواعد الامريكية في الخليج وتركيا .و كان لااعتناق نجل هولاكو وجيشه المتبقي في الشام والعراق الاسلام بنذير شؤوم على المغول فمن حينها اعلن شيخ الاسلام ابن تيمية جهاد المغول المسلمين تحت رأيه المماليك بعد ان شعر ابن تيمية ان المغول اختاروا مذهب الرافضة . تمكن المماليك بفتوى ابن تيمية من سحق القوات الرمزية للمغول والشيعة والنصيرية والدروز . واستمر فهم الجهاد والاجتهاد بمعاني مختلفة تجسد في بدايات القرن الماضي حينما اصطف المسلمين في الخليج العربي وشمال افريقيا مع البريطانيين والفرنسيين في اسقاط الخلافة العثمانية السنية ولم يدافع عليها الا ابناء الجنوب من شيعة العراق المضطهدين من العثمانين فأعلنوا ثورة تشبه ثورة الاسماعلية عندما غزى هولاكو بغداد .
المسلمين السنة لم يجاهدوا قوات صدام التي احتلت الكويت وهو عدو صائل بينما اختارت الجهاد في سورية ولم يكن هنالك عدو صائل او محتل وانما خلاف سياسي فيه تباين كما في البحرين . السلفية استعانوا بقوات اجنبية في اخراج صدام من الكويت كما استعانوا بنفس القوات في اسقاط معمر القذافي . هذة المفاهيم ذكرتني بالمقولة المشهورة للشيخ السلفي ورئيس مجمع العلماء في العالم الشيخ القرضاوي عندما قال( لو بُعث محمد صلى الله عليه وسلم من جديد لوضع يده بيد الناتو ) هذة المقولة تبين الفرق الكبير في فهم عقيدة الجهاد . فشلت جهود المملكة العربية السعودية وقطر ومصر مرسي حينذاك وتركيا في زج حلف الناتو في تدخل عسكري وذلك بسبب موقف روسيا والصين وايران . وهذا الموقف جعل استراتيجية اسقاط الحكم في سوريا تختلف .
فالتمرد في سوريا ضد الحكومة خلف مليون مجاهد من ٨٠ دولة ودعم وتمويل عسكري من دول اسلامية كلف عشرات المليارات سنوياً . فبينما يرسل المقاتلين العرب والمسلمين لإسقاط حكم بشار كانت دول اسلامية ترسل قوات نظامية للدفاع عن حكومة البحرين . وبينما المظاهرات في البحرين سلمية للان . وفي سوريا مسلحة .
اختلط مفهوم الجهاد عند الامريكان كما المسلمين فما كان من المنظمات الدولية ان تشكل لجان تحقيقية فيما يجري في سوريا والبحرين .
في سوريا يثبت تقرير موفد الجامعة العربية محمد الدابي . ان سوريا تتعرض الى عدوان وهجمة ارهابية من التنظيمات التكفيرية بمساعدة دول الجوار ومساندة دول الخليج . هذا التقرير أهمل لانه لايناسب مشروع الدول النافذة في الخليج وكذلك تقرير الامين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الذي اثبت ان سوريا تتعرض لغزو ارهابي وان دول فعالة تساهم في إرباك الوضع . هذا التقرير كما السابق لم يلقى إذن صاغية
تقرير بسيوني عن الوضع في البحرين وكيف اثبت ان الحكومة البحرينية تقوم بممارسات طائفية وقوة مفرطة في العنف ضد شعبها ونفى التقرير تدخل ايران في شؤون البحرين . هذا التقرير ركن على الرف كما التقارير في سوريا .
المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والمؤسسة الدينية في السعودية لا تريد حكما منصفا مثل الدابي او كوفي انان وبسيوني بل تريد حكم يوازي تحكيم ابو موسى الأشعري . وبعد ان عجزت الدول ذاتها من ايجاد حكم أشعري الهوى اختارت المواجهة والمنازلة الدموية في اسقاط الحكومة السورية .
الأخضر الإبراهيمي وبما معروف عنه انه طائفي الهوى رفض ان يدين نظام بشار الأسد وبقى محايدا مع الطرفيين وهذه اخر خيبات الامل للدول المذكورة في التحشيد الدولي ضد سوريا .
الجامعه العربية التي طردت ممثل سوريا لديها لم تطرد ممثل الحكومة العراقية من الجامعة العربية وهو الذي احتل الكويت وضرب شعبه بالأسلحة الكيميائية والبايلوجية والصواريخ البالستية وشرد ثلثي الشعب العراقي في دول الجوار . بل انها دعت امريكا في تقبل مشروع قمع الانتفاضة الشعبانية خشية من معارضة شيعية تسيطر على مقاليد الحكم .
الان وبعد استمرار المعارك في سوريا والعراق واليمن والأزمة التي تشهدها لبنان والبحرين تتضح معاني الجهاد للمذهب السلفي .المملكة العربية السعودية التي تحكمها عائلة واحدة ومن جد واحد تشبه في حكمها قرون العهد الاموي والعباسي والعثماني تطالب بمزيد من الحريات في سوريا الدولة المدنية العلمانية التي يحكمها خليط متجانس من أديان وطوائف وفيها قيادات حزبية وعسكرية ومدنية تقبل بولاء الحزب والدولة ولكنها من حيث الاخطاء والممارسات الحكومية لا تشبه قطر والسعودية باي حال من الاحوال ولكنها ارادة البترودولار المدعومة من المؤسسة الدينية .