يشدو ياس خضر أغنيته ( مسافرين ) التي يقول فيها (( روحي مثل الكاع لو مرها المطر تمطر وفا وخير ومحبة )) , ويعلقون عليها بتساؤل : ( ولكن أنى المطر؟ ) .
يقول البحتري :
((إن السماء إذا لم تبك مقلتها , لم تضحك الأرض عن شيء من الخضر
والزهر لا تنجلي أحداقه أبداً إلا إذا مرضت من كثرة المطر )) , يتساقط المطرُ فيغسل أحقاد الصدور وسواد القلوب , وهطول المطر يعني فتح أبواب السماء ليدعو كل منا بما تتمناه نفسه ويريده قلبه , لا فائدة من الاحتماء بمظلة الكلمات , فالصمت أمام المطر أجمل , وعندما يتساقط المطر يجدد الأمل في النفوس مثلما يجدد الحياة حولنا , وفي المطر شجن غريب رغم الفرح الذي تصنعه حباته أثناء سقوطها , ففيه تُستدعى الذكريات , وتُذرف بعض دموع الحنين , ولأجله تُكتب الكلمات وتُقال الأشعار.
يقول النواب مظفر : (( مطر .. مطر , كلش مطر , والشارع مغوش حجي , وريحة ناس مالك شغل بيهم , عينك مراية وكت ما بيها أحد , وانت ضايع مثل وركَة يانصيب انتهت , وتدور الجرايد بلكي ريحة وطن , وتغمض عيونك , وين راحو؟ يعني حلفو ما يجون؟)) ,
يثير المطر في القلب شجن لذيذ يشبه سمفونية عزف في ليلة مقمرة , وفي قراءة بدفتر مطر النواب : ((يا امرأة الليل , أنا رجل حاربت بجيش مهزوم , في قلبي صيحة بوم , وأخيراً , صافح قادتنا الأعداء , ونحن نحارب , ورأيناهم , ناموا في الجيش الآخر , والجيش يحارب , والآن سأبحث عن مبغى , أستأجر زورق , فالليل مع الجيل المكسور طويل , انني أحمل قلبي كبرتقالة مضى الموسم ولم تنضج , وأعطت زهر البرتقال , وفيها رائحة شمس البارحة )) .
قليلون الذين يعرفون أن الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة هي مصدر غزل السياب في قصيدته الشهيرة ( أنشودة المطر ) , الذي ما زال يدرّس كواحد من أقانيم شعر الحداثة , وكطفرة من طفرات الأدب العربي في التاريخ المعاصر منذ تاريخ نشر القصيدة على صفحات مجلة الآداب البيروتية العراقية عام 1954 , وتحت زخات المطر كان للعمر بداية وللتضحية حكاية , وحين سقط مريضا في مستشفى بلندن , كتب لها : (( ذكرتك يا لميعة والدجى ثلجٌ وأمطار , ولندن مات فيها الليل , مات تنفس النور , رأيتُ شبيهةً لكِ شعرها ظلمٌ وأنهار, وعيناها كينبوعين في غابٍ من الحور, ويالميعـــــــــة يا ازهى بــيـادرها يازرع بيتي , وياقنديل جــــــيراني ,يا اطول النخل في ميسان , اجمعها ويا اعز الحلا في تمــــــر ميسان )) , ومطر لندن لايشبه مطر الشناشيل : ((يا مطرا يا حلبي عبر بنات الجلبي يا مطرا يا شاشا عبر بنات الباشا )) , ومطر الشناشيل عند بدر لايشبه مطر العراق , حيث كل عام ينزل المطر , وكل عام يعشب الثرى , وفي كل عام حين يعشب الثرى نجوع .
لميعة عباس عمارة تنشركلمات صادقة تثير الشجون , فهي تحن لبغداد التي يظللها رائحة الرازقي والشبوي الذي يعطرها على مر العصور , فتقول : (( يشوّقني لك المطر الخفيفُ
ويسقط كل اوراقي الخريفُ , مجنّحة خطاي , الريح دربي , ووجهك قبلتي أنّى أطوف)) ,ولميعة هي التي تقول : (( بغداد مشيه بطر وي نهر المخوف أسدوده , نومة سطح والتحبه أموسدك إيده , ريحة تراب الدرب مرشوش عصريه , سهره أحباب على شاطي ودنيه كَمريه , وفزة هله بجية مُحب بلا ميعاد , وبغداد عمري الكضه والبعد ماينعاد )) .
تقول نازك الملائكة في على وقع المطر (( أمطري , لا ترحمي طيفي في عمق الظّلام أمطري , صُبّي عليّ السّيل يا روح الغمام , لا تُبالي أن تعيديني على الأرض حطام , وأحيليني إذا شئت جليداً أورخام , اتركي ريح المساء الممطر الدّاجي تجنّ ودعي الأطيار, تحت المطر القاسي تئنّ أغرقي الأشجار)) , ويقول شاعر الزيتون و المقاومة محمود درويش في قصيدته تحت عنوان ( مطر ناعم في خريف بعيد) : (( مطر ناعم في خريف بعيد والعصافير زرقاء , زرقاء والأرض عيد لا تقولي أنا غيمة في المطار فأنا لا أريد من بلادي التي سقطت من زجاج القطار غير منديل أمي وأسباب موت جديد مطر ناعم في خريف غريب والشّبابيك بيضاء , بيضاء والشّمس بيّارة في المغيب وأنا برتقال سليب فلماذا تفرّين من جسدي؟)) .