كل شيء يوحي باللاجدوى في هذا الصباح النيساني، فطابور المركبات الممتد من بداية الصالحية وحتى ساحة الخلاني ، يجعل من الجسر الرابط بينهما مجرد أفعى عملاقة تدثر ظهرها بالسيارات والشاحنات بدلا من الحراشف.
قبل انتصاف النهار بدقائق، لم يعد من خيار أمامه سوى الترجل وعبور ظهر الأفعى، لعله يدرك موعده الذي لم يبق عليه سوى أقل من ساعة، وهو الوقت المحدد لانتهاء الدوام في المصرف الزراعي، حيث ينتظره الموظف المختص للنظر في طلب الحصول على القرض.
عشرون شخصا يتزاحمون معه للسير على الرصيف الذي لا يزيد عرضه عن المتر ونصف، بعد أن قرروا أنه لا طائل من الانتظار وقرروا الاعتماد على أرجلهم للوصل إلى الجانب الثاني من بغداد.
أرتفع مؤشر القلق لديه من عدم اللحاق بموعده مع موظف المصرف الذي أخبره سابقا بأن فرصته الأخيرة هي في إقناع اللجنة بجدوى مشروع تربية الدواجن، تمهيدا للحصول على دفعة مالية ستجعل حلمه قابلا للتحقيق.
هل كان وهماً هذا الذي مر من أمامه بسرعة خاطفة؟
لم يكن كذلك؛ لأنه أحد الكائنات التي تتسكع على جانب السياج الحديدي للجسر؛ من أجل الحصول على كسرة خبز يمنحها أحد الواقفين مكافأة للعرض البهلواني الذي يؤديه طائر النورس.
توقف برهة لمتابعة أسراب الطيور التي لم تعد تخشى من البشر في هذا المكان، وباتت تحلق ضمن مجاميع عشوائية تصدح بأصوات عالية تزيد من حماس الواقفون ومن سخائهم في منحها أنواعا من الطعام غير مألوفة.
لم ينتبه إلى الوقت الذي أمضاه في متابعة لوحة “دجلة والنوارس” المتحركة والناطقة، غير أنه رعشة قوية اعترته حين وجد أن الساعة تشير إلى الثالثة عصرا.
قطب جبينه وشعر بمرارة شديدة، تحولت تدريجيا إلى ابتسامة غريبة، حين وجد أن الواقفين العشرين بجانبه لم يغادر منهم أحد إلى موعده.