قراءة وتحليل في قصة “جرحٌ في أمومتي” للكاتبة ليلى المرّاني
المقدمة:
قصة “جرحٌ في أمومتي” تجسد رحلة معقدة من الألم والحنين في علاقة الأم بابنها، حيث تتناول مواضيع الهوية، الفقد، والأسرة في سياق معاصر. تعكس الكاتبة مشاعر الأمومة والتوترات النفسية التي تعاني منها الأم بسبب تراجع علاقتها مع ابنها.
الشخصيات:
الأم: شخصية محورية، تمثل القلق والمعاناة. تعيش صراعات داخلية نتيجة لتجاربها كأم ومسؤولياتها الملقاة على عاتقها. تعبر عن ضعفها وهشاشتها، خاصة بعد غياب زوجها وتدهور حالتها النفسية.
الابن: يظهر في البداية كشخص مفقود، يسعى للبحث عن هويته واستقلاله، لكنه يقع في فخ الصداقات السيئة مما يؤدي إلى مشكلات كبيرة.
السرد والأسلوب: تستخدم الكاتبة أسلوب السرد الذاتي، حيث تتحدث الأم بصوتها الداخلي، مما يعزز من شعور القارئ بمعاناتها. اللغة المستخدمة عاطفية وتعبّر عن مشاعر الفقد والندم، مما يخلق تواصلًا عميقًا مع القارئ.
المشاعر والصراعات: تتجلى مشاعر الحزن والندم في صوت الأم، حيث تعود بذاكرتها إلى لحظات من التفاعل مع ابنها، متسائلة عن خياراتها. يُبرز النص شعور الأم بالعجز واعتقادها بأنها السبب في معاناة ابنها، مما يعكس الصراعات النفسية التي تعاني منها.
المكان والزمان: تدور الأحداث في أماكن معروفة مثل المنزل والسجن، مما يعكس الفجوة بين العائلة والمجتمع. الزمن مهم أيضًا، حيث يسلط الضوء على اللحظات الحاسمة في حياة الأسرة.
الخاتمة: “جرحٌ في أمومتي” هي قصة مليئة بالتعقيد العاطفي، حيث تقدم رؤية عميقة للعلاقة بين الأم وابنها. تعكس التجربة الإنسانية في مواجهة التحديات والألم، وتدعو القارئ للتفكير في دور الأمهات في تشكيل مستقبل أبنائهن. النهاية مفتوحة، مما يترك للقارئ مساحة للتفكير في مصير الشخصيات والتساؤل عن كيفية التعامل مع المشكلات الأسرية.
القصة :
جرحٌ في أمومتي../ قصة قصيرة
ليلى المرّاني
السيّارة مسرعة تبتلع المسافات، وأنا متكوّرة كفأر خائف في زاوية المقعد الخلفي، أسترجع ما مضى، وأترقّب خائفةً ما سيحدث، صوته ما يزال يملأ رأسي.. يؤرقني.. يعذّبني.. يلاحقني ليل نهار.. ليلًا يسرق نومي؛ فأنهار على فراشي باكيةً، هل كنت سأغيّر شيئًا لو استمعت إليه؟
لأوّل مرّة يفتح لي قلبه، جالسًا أمامي في المطبخ وأنا أغسل الصحون، قال فجأةً بتردّد:
— لماذا لا تسأليني من هم أصدقائي؟
لم أكلّف نفسي عناء النظر إليه، فقد كان يومي مترعًا بالضجر والتعب، أجبته بسرعة ونفاد صبر:
— وهل سأعرفهم لو ذكرتهم لي؟
طأطأ رأسه وخرج مسرعًا.. كلمات قليلة أصبحنا نتداولها عند الضرورة، حتى تواجده في البيت أصبح قليلًا، هو لا يزال في السادسة عشر من عمره، وأنا أمّ أرهقتها سنين الغربة ومسؤولية ابنتين مراهقتين تتخاصمان طوال الوقت، وأب لا وجود له إلاّ مخمورًا يشعل البيت نارًا بالصياح والسباب لأتفه الأسباب، حتى أصبحت هشّةً مثل سحابة صيف، أذرف الدموع بصمت وأندب حظّي!
السيارة مسرعةً تلتهم المسافات، وأنا ساهمةً أفكّر كيف سألقاه.. كيف أصبح شكله بعد أن أمضى عدّة شهور في السجن.. بماذا يفكّر.. ماذا سأقول له؟
لم أستطع حضور محاكمته ولا زيارته بعد أن صدر الحكم عليه، فقد أصبت بانهيار تام فقدت على إثره النطق والحركة، وكان أول ما نطقت به بعد شهور، ” أنا السبب.. أنا السبب “، وأصبح الأرق رفيقي كلّ ليلة.
أستمطر ذاكرتي من جديد.. يطالعني وجهه من خلال نافذة السيارة مفعمًا بالألم والضياع حين اقتاده شرطيان من البيت، أذكر أنني سقطت أرضًا وأنا أسمعه يردّد:
— ماما لا تخافي.. سأعود سريعًا.
ولم يعُد..
حزن وصمت ولوعة عميقة كالزلزال أو الموت تسري في عروقي، ورغبة جامحة أن أفتح باب السيارة وألقي بنفسي في الطريق، ولكن دموع الحنين والشوق لرؤياه ملأت عينيّ وتساقطت مطرًا غزيرًا.. أموت شوقًا ولهفةً لرؤيته، ذلك الإبن المراهق الصغير الذي تعلّق بي لدرجة أصبحت تضايقني، فأقول له، ” لماذا لا تصاحب صديقًا وتخرج معه؟ ”
وصاحب أصدقاء كثر، لم أعرف عنهم شيئًا.. ابتعد كثيرًا، إلى ذلك اليوم الذي قال لي، ” لمادا لا تسأليني من هم أصدقائي؟ ”
كان يطلب مساعدتي، ولكنني وبكل غباء وقسوة لم أعره اهتمامًا.
حين وصلت السجن، اقتادوني إلى غرفة صغيرة فيها كرسيان ومنضدة، بعد التفتيش وبعد أن أخذوا حقيبة الملابس الصغيرة التي جلبتها له وبعض الطعام الذي يحبه.. كنت ارتجف، جفّ ريقي، حاولت دون جدوى أن أسيطر على ارتجاف يديّ.. أمطارًا انسكبت دموعي حين رأيته قادمًا نحوي، احتضنني بقوّة أشعرتني أنه لم يعد ذلك الصبي الصغير الذي كان ملتصقًا بي كجلدي..
— أنا آسف يا امي، سبّبت لك الكثير من الألم.
اختنقت، حاولت أن أخرج تلك الغصّة التي تكسّرت في صدري، ولكن لم أجد ما اقوله سوى دموعٍ صامتة.