23 ديسمبر، 2024 6:22 ص

مع كتابات.. “وجيهة عبد الرحمن”: أسعى دوما إلى كتابة القصص الإشكالية

مع كتابات.. “وجيهة عبد الرحمن”: أسعى دوما إلى كتابة القصص الإشكالية

خاص: حاورتها – سماح عادل

“وجيهة عبد الرحمن”، كاتبة وروائية كردية من سوريا، مقيمة في ألمانيا، رئيسة جمعية “آسو” لمناهضة العنف ضد المرأة في سوريا، باحثة اجتماعية في مجال الطفل والمرأة والأسرة، تكتب الرواية والقصة والشعر.

صدر لها في مجال الرواية: (“الزفير الحار”- دار رؤية بالقاهرة 2012،  ونسخة مترجمة إلى اللغة الكردية- دار سرسرا برلين 2019، “لالين” صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر2016، “العبور الخامس” كتبت في ألمانيا بعد الهجرة– صادرة عن دار الخليج بالأردن 2017. “كعب عال”)

في مجال القصة لديها خمس مجموعات قصصية: (نداء اللازورد)  2006 عن دار الزمان بدمشق، و(أيام فيما بعد)  2008 عن دار الزمان بدمشق، و(أم لوهم البياض)  2010عن دار الزمان بدمشق، (الإفريز) 2015 عن دار الخليج بالأردن، (أسئلة الحواس الخمس) 2018 عن دار السكرية.

كان لي معها هذا الحوار الشيق..

* متى بدأت تفكرين في الكتابة، وكيف كان الاستمرار فيها؟

– هذا السؤال الإجابة عنه يعيدني عقود زمنية إلى الوراء، حيثُ كنت طفلة استطاعت الخروج من عنق الزجاجة بالكتابة، تجاوزت طفولتها وطفولة أقرانها بالكتابة دون أن تعرف أنها كانت  تداوي نفسها، تلك الطفلة التي عاينت الطبيعة وتأملتها وتكلمت معها كما لو أنها إنسان، باحت لها بمكنوناتها شفهياً، ثمَّ حين شبَّت عن الطوق تحوَّلت من حكواتية إلى ساردة، الاستمرار كان أسهل من البدء، إذ مخزونها كان غزيراً نظراً للقراءات المكثفة والتي بدأت بها في سنٍّ مبكرة.

أتذكر أنني بدأت بالقراءة في عمر التاسعة، كان على تلك الذاكرة التي اختزنت عمرا من التحديات أن تفرغها على الورق، فكانت قصصي ورواياتي وقصائدي هي النهر الذي جرى من نبع الذاكرة ومن سني الطفولة ومآلاتها.

* في رواية “كعبٌ عالٍ” تصوير لألمانيا بأنها ليست الحلم السعيد حدثينا عن ذلك؟

– باعتقادي العيش في أي بلد لجوء أو منفى لن يكون بالأمر السهل ولن يكون بالحلم السعيد، هذا مؤكد تماماً، لكن مع ألمانيا اعتقد بالنسبة لي الأمر مختلف، لم أصور ألمانيا على أنها ليست بلد الحلم السعيد، أنا فقط أتيتُ على الاختلاف بين الثقافات وركزتُ على التناقضات، في هذا البلد اعتبر نفسي محظوظة تارة بالرغم من أنني لاجئة كغيري من الذين قدموا إلى هذا البلد طلبا للأمان أو لتحقيق الأحلام أو رغبة في البقاء على قيد الحياة.

كانت تلك ذات الأسباب التي دفعتني إلى الهجرة بينما سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي، باتت حياة الإنسان رخيصة، محظوظة لأنني تمكنت من الوصول والآن أتمتع بالحرية في الكتابة، في بلداننا الكتابة خاضعة لشروط السلطة الحاكمة والتي هي في الغالب ديكتاتوريات مستبدة، تارة أخرى أجد نفسي أكاد أخرج من جلدي نتيجة الضغوطات التي تلاحقنا في كل مكان في بلدان خاضعة للأنظمة والقوانين والالتزام بها فرض عين وليس فرض كفاية.

بالمحصلة اعتقد أننا جميعاً، أقصد اللاجئين، صُدمنا في البداية لأن توقعاتنا كانت أكبر من الواقع من خلال ما كنا نسمع عن البلدان الغربية. في رواية “كعبٌ عالٍ” حاولت التركيز على الاختلافات الجوهرية وخاصة فيما يتعلق بالمرأة بين ثقافة مجتمعاتنا والمجتمعات الغربية، الحديث في هذا الموضوع يطول شرحه لأن التصور شيء والواقع شيء مختلف تماماً.

* في رواية “كعبٌ عالٍ” البطلة تعتبر الأنوثة ومظاهرها أمر لا يمكن الاستغناء عنه وهو ما يعطيها تميزها، احكي لنا؟

– نعم للأنوثة مقاييس واضحة، على النساء ألا يتخلين عن أنفسهن لصالح الراهن الذي سلبها أنوثتها، عليهن أن يمجِّدن ذلك في ذواتهن لأنها هويتهنًّ التي من خلالها يتماهين في الحياة ومع الرجل والتي تميِّزهن بوصفهن الكائن الشريك والند للرجل، إذا هنا لا مجال للاسترجال حتى يتم قبولهن اجتماعيا أو الاعتراف بهن بقدر ما عليهن التباهي بما يملكن من الجمال لأنها حقيقتهن، برأيي انتعال الأحذية بكعوب عالية أحد مظاهر الأنوثة.

* في رواية “كعبُ عالٍ” لم تخف انحيازك الواضح لقومك الأكراد والدفاع عنهم، حتى إنك صورت معاملات لاإنسانية من الجيران الآخرين حدثينا عن ذلك؟

– برأيي أن الدفاع عن الكرد أمر واجب علي، وهذا ما لا أفكر أبداً في عدم القيام به في كل محفل أو مناسبة، فما بالك إذا كانت رواية سيقرأها كم هائل من الناس، في البداية لم يكن ذلك مقصوداُ بقدر ما أن الرواية وموضوعها احتاجا إلى ذلك. ومن ناحية أخرى ككاتبة لا يمكن أن أكون منحازة للقضايا الإنسانية وأن أدافع عن المظلومين وأكتب عنهم دون الانحياز لقوميتي الكردية والدفاع عنها في الوقت الذي يعاني الكرد فيه النكران والتجاهل والظلم والاستغلال، وكل ما يخطر في بال المرء من مظاهر الاستبداد حتى باتت مفردة (كردي) مثل تهمة (أنت كردي إذاً أنت مدان).

* في رواية “الزفير الحار” من الإهداء نشعر أنها قصة حقيقية، لما سعيت للحكي عنها وربطتها بحكايات نساء دخلن السجن في جرائم عادية؟

– التقيت ب”أبو سمير” بعد أن خرج من السجن، قبلها لم أكن أعرفه، ثم توالت اللقاءات من خلال الأصدقاء المشتركين، لفتت انتباهي قصته فطلبتُ منه أن يكون بطل رواية سأكتبها خصيصا عن تجربته في المعتقل، المثير بالأمر أنه وافق دون تردد وعلى الفور، “أبو سمير” اعتُقل بتهمة سياسية من قِبل نظام حافظ الأسد حينذاك.

وفيما يخص النسوة السجينات، كنتُ بصدد إنجاز كتاب عن “سيكولوجيا الجريمة عند المرأة”، هذا كان قبل أن التقي ب”أبو سمير”، حصلتُ على الموافقات الأمنية اللازمة لدخول سجن النساء والتعرف عليهن عن قرب، بالفعل أمضيتُ أكثر من شهرين معهن، خلالها حكين لي قصصهن، أعدنني إلى ما يشبه حقيقة المجتمعات التي تقتات على الأديان والعادات والتقاليد، لا أقصد أنهن كنَّ بريئات بقدر ما كن ضحية المجتمع، طبعا معظمهن.

ولكن كانت الصدمة حين تم منعي من الدخول إلى السجن واستكمال الكتابة، طبعاً كان المنع بقرار أمني، بذريعة أنني تجاوزت حدودي في التواصل مع إحدى السجينات المدانات بتهمة اختلاس كبرى والتعامل مع دولة معادية، في الحقيقة كانت زوجة لواء كبير، قصتها موجودة في الرواية، كنتُ قد بذلت مجهودا كبيرا في تفريغ المراجع وغيرها مما يلزم من أجل انجاز الكتاب، لذلك وحتى لا تضيع الحقيقة ولا تموت قصص تلك السجينات في المسودات التي ملأتها بها، خطر لي أن أضمها إلى رواية “الزفير الحار” كمقاربة بين نمط  تفكير وحياة الرجل المعتقل بتهمة سياسية وبين النسوة المدانات بجرائم اجتماعية (دعارة- سرقة- قتل الزوج …).

بذلك اترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام القراء للتفكير والمقارنة، وأيضاً كان من باب الوفاء بالوعد الذي قطعته لهن، (سيقرأ العالم قصصكن) إذ لم تكن جرائم أولئك النسوة مجرد جرائم عادية، بل كانت عميقة وتجسد تماما نمط المجتمع وتفكيرهم معتقداتهم.

* في رواية “الزفير الحار” لم تحك تفاصيل قاسية ومعاملات لا إنسانية بقدر ما ركزت على الحب وعلى أمور إيجابية في تعامل المساجين مع محنة السجن، لم؟

– هذا كان أحد أهداف رواية “الزفير الحار”، كما هو معلوم أن السجن مكان مقيت وكريه، بالنسبة لي شخصيا أفضِّل الموت على السجن أو الاحتجاز في غرفة ضيقة، ولكن ما حدثني عنه “أبو سمير” كان يمسُّ إرادة البشر وقابلية الإنسان على التأقلم، والقيام بكل ما يمكن للبقاء على قيد الحياة، والصمود، لذلك كان  لابد من التركيز على هذا الجانب في البشر، جانب القوة في مواجهة العنف بشتى الطرق.

أما عن قصص الحب، لأن الحب دوماً يجعل الحياة ممكنة، قد يضطر المرء القيام بأفعال شنيعة في سبيل الحب، وفي الجانب الآخر فإن الحب الحقيقي يغير البشر نحو الأفضل، الحب هو جوهر الحياة.

* في رواية “لالين” لم تناولت الأمر من منظور مأساوي رغم أنه كان يمكن تناوله بشكل إيجابي؟

– لم يكن من الممكن مطلقاً تناول الموضوع بشكل بهيج ومفرح، لا أقول إيجابي أو سلبي أو مأساوي، رواية “لالين” عميقة ومختلفة، عانيت لدى كتابتها كثيراً، خاصة وأنني كنتُ ما أزال في سوريا في بداية الأزمة، كتبتها على ضوء الشموع، الله وحده يعلم كم أحرقت من الشموع وأنا أكتبها.

في البداية كان الهدف من كتابتها هو التركيز على الإيزيديين، الفكرة تولدت لدي بعد زيارتي لمعبد لالش النوراني عام 2006 في إقليم كردستان، حينها قررت الكتابة عن الإيزيديين، بعد تفكير دام أكثر من خمس سنوات خلالها كتبت العديد من المجموعات القصصية والدواوين الشعرية، قررت كتابة رواية أتحدث فيها عن ديانتهم وطقوسهم ونمط حياتهم، فقمت باختلاق قصة حب تجمع بين “زارا” الإيزيدي و”كاترين” المسيحية.

كان لدي الكثير من الخطط من أجلها للتوثيق ولكن كان لابد للعلاقة بينهما الانتهاء بتلك الطريقة، لأن الواقع هكذا، لايمكن التعامل مع هذا النوع من العلاقات بشكل إيجابي والعالم العربي والإسلامي كله منقلب على نفسه ويوشك على الانهيار بسبب الأديان وصعود داعش والتيارات الإسلامية المتشددة التي ترفض باقي الأديان رفضاً قاطعاً.

كان ذلك أحد أسباب كتابة هذه الرواية، إذاً والحال كذا بينما العالم منقلب على بعضه (طائفياً- دينياً- قوميا..) كيف لي أن أتناول الأمر بشكل إيجابي وجعل لون الحياة وردياً بينما الواقع أسود وظالم.

* لم حرم “لالين” من أبيه وكانت أمه تتحدث عن كونها خاطئة، وهل موتها بحادثة تأثرا بالنظرة النمطية الشرقية للخاطئة التي مصيرها الموت؟

– حُرم “لالين” من أبيه لأن “كاترين” أرادت الاحتفاظ به، ثم أنها لم تكن تعرف ردة فعل “زارا” إذا ما سمع بأمر الحمل، خاصة أن “زارا” أيضاً ولسبب مجهول لم يتواصل معها، ففضلت الابتعاد من أجل الإبقاء على الجنين، ضحَّت بعائلتها وولديها من أجل “لالين”، هنا تكمن المفارقة في الحب، أما ما قالت عنه بخصوص الخطيئة لأنها حملت من “زارا” خارج عقد زواج منه وبخيانة زوجية، إذا فهذا الطفل من منظور المجتمع هو ابن زنا وخطيئة، أما موتها  فقد كان مخططاً له، أي أنه كان ضمن منهج الرواية لأن القصة هي بالأساس قصة “لالين” .

* كتبت الشعر والقصة القصيرة لكنك وجدت الرواية ملاذا آمنا للتعبير عن ذاتك هل هذا صحيح؟

–  لطالما فكرتُ في كتابة رواية، طبعاً هذا كان منذ أكثر من عقدين من الزمن، لكن كان لابد لتجربة الرواية أن تنضج وذلك عبر المرور بكتابة القصة والشعر، عندما أكتب رواية ما أشعر بذاتي الحقيقية، الرواية هي عملية خلق كاملة، أنت تصنع بشرا وتكسيهم اللحم وتمنحهم الحياة، كل شيء ممكن في الرواية، حدودها واسعة ومساحتها فضفاضة وأنا أكره القيود، لذلك فإن الرواية هي ملعبي .

* هل واجهتك صعوبات في الكتابة أثناء وجودك في سوريا وهل في ألمانيا الوضع مختلف؟

– أكيد، في الدول ذات الأنظمة الشمولية، قلمك ليس ملكك، الكل سيعاني إذا غرد خارج السرب أي إذا كان مناهضاً للسلطة الحاكمة، لدي العديد من التجارب مع الأمن السوري بأجهزته المخابراتية المختلفة لمنعي من الكتابة أو الاعتقال.

أما في ألمانيا، الأمر مختلف تماماً إنها دولة ديمقراطية، حرية الفرد وكرامته فوق كل شيء، لذلك فالروايات التي كتبتها في ألمانيا لم أُخضِع نفسي فيها إلى رقيب أو سلطة، كتبت هنا ما رغبت في كتابته ومازلت أتمتع بالحرية لكتابة المزيد.

* لم سعيت للنشر في مصر وهل هناك صعوبات تواجه الكتاب المهاجرين في ألمانيا للنشر؟

– زرت مصر الحبيبة (أم الدنيا) أول مرة عام 2010 للمشاركة في مهرجان قصيدة النثر، عشقتُ مدينة القاهرة التي لا تنام والشعب المصري الطيب، حيث البساطة والتواضع، وتعرفي على شعرائها وكتَابها الكبار ودور النشر، عرفتُ أنها بوابتي إلى الانتشار والشهرة، مصر فتحت لي أبوابها الواسعة، كيف لا أكون ممتنة لهذا الزخم من الحب.

قريباً سيقرأ لي الناس رواية جديدة ستصدر عن دار العين  للطباعة والنشر في القاهرة.

في ألمانيا أكرر أن الأمر مختلف، ندرة دور النشر العربية، صعوبة وصول الكتاب المطبوع إلى ألمانيا لإن المطابع إما في تركيا أو في الدول العربية، ولكنني بالرغم من ذلك سعيدة بتعاوني مع دار نرد للطباعة والنشر لصاحبها  الشاعر “فايز العباس” والتي مقرها مدينة هالة زالة الألمانية، إذ أن رواية “العبور الخامس” صادرة عن دار نرد والآن هي قيد الترجمة إلى اللغة الانكليزية.

* هل تشعرين بالرضى عن إبداعك حتى الآن وبماذا تحلمين بخصوص الإبداع والكتابة؟

– بالتأكيد أنا راضية عن كل ما أكتبه لأنني أخضع كتبي للنقد والتشريح والتدقيق قبل إرسالها إلى دور النشر، ثمّ أنني لا أكتب إلا ما أرغب في كتابته والخوض فيه، ولكن مشكلتي أنني لا أستطيع الاكتفاء، هذه إحدى عيوبي، فأنا أسعى دوما إلى كتابة المزيد من القصص ذات الموضوعات الإشكالية، بالرغم من أن الإعلام لم ينصف الكثيرين، لايهم فأنا أكتب فحسب وكتبي لاقت رواجاً وقرَّاء استمتعوا بما قرأوا، الآن بدأت بالتعاون مع دار نشر فرنسية من أجل ترجمة كتبي إلى اللغة الإنكليزية أولاً وبعدها إلى العديد من اللغات الأخرى، هذا ما  أحلم به، أحلم أن تعبر رواياتي حدود القارئ العربي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة