في كل يوم يتحطم هذا الخافق فينزف دما عبيطا ، وفي كل يوم ترتعش يداي فينحني على أثرها ظهري ، ليس ضعفا ، إنما نتيجة أحمال أثـقلـته ،فعجز الاقوياء عن حملها ، فيا لهذه الاحمال ! ,, ماتت والدتي حزنا على ولدها المفقود الذي ترك زوجته حاملا ، تبعها والدي فأصيب بالشلل إثر نوبة قلبية لم تمهله طويلا ، سبقوهما أخوتي إثر حادث مؤسف وغادر قاده من يسمون أنفسهم ( مسلمين)، وكل يوم من تلك الايام – لاردها ربي – تحيط بي سحابة سوداء فتنفلت دموعي من مآقيها حزنا على احباب أضطرتني ظروف قاهرة على مفارقتهم ، وعلى ايام خلت من عمري دون ان أكتب شيئا لابنتي الجميلة (هاجر) فلقد كنت ممنوعا من الكتابة رغم أنفي إلا حين يرغب الجلاد ! عبر ( صليب ) لاأؤمن بوجوده ، ولن يؤمن به من آمن بالله …. كلمات محدودات لن يصل منها إلا بعض من نقاط وفواصل عرفوني بها !. كان معي في زنازينهم ( الاسلامية ) جدا اصحاب لازلت أذكر بعضا منهم : عبد الله من المشخاب ، محمود من تكريت ، علي من الكوفة ، أسامه من بغداد ، عباس من الكوت ، كاكه سعود من السليمانية ، عبد الكريم من بعقوبة .. وكل هؤلاء يسمعون مني ما أكتب ( بلساني ) ! فيحفظونه عن ظهر قلب ! … لم أنس ولم ينسوا بغداد عاصمة الرشيد أبدا ، ولم تفارق أرواحهم في ليل أو نهار رغم سياط الجلادين ورغم بعدهم الجغرافي عنها .. كنا نغني لها وللعراق فيأتينا الحرس ليشبعنا ضربا وزجرا ..فلن يزيدنا ذلك إلا حبا وعنادا ….
ذات يوم اسود من شتاء 1983- على ما أذكر – جاءنا رجل يرتدي زيا عسكريا ويعتمر عمامة سوداء لفها بإحكام على رأسه ويحمل مسدسا ، يحيط به جمع من الحراس المدججين بالسلاح – كانوا للاسف اصحاب لنا – أذكر منهم : زيدان ، هيثم ، هاتو ،و عمر الذي تحول الى عمران فيما بعد ، وغيرهم ، وهم يرمقوني انا شخصيا بنظرات لاتخلو من التشفي والشماتة … تجول الرجل المعمم فنظر في وجوهنا واحدا واحدا ، فاختارني من بين اصحابي – يبدو أن الامر قد دبر بليل – فقال بصوت يدل على حقد بغيض : ما أسمك ؟ قلت : فلاح ، … أكمل ؟ فلاح عبد الله عمر ! .. هـا أذن جدك أسمه عمر ؟ نعم هو هكذا في جنسيتي ! قال : ” لعنة الله عليك وعلى جدك ، ألم يجدوا إسما أفضل منه ؟! قلت له – وأقسم على ذلك – : لعنة الله عليك وعل……… لم اكمل كلامي إلا والحراس قد احاطوا ثم انقضوا كالذئاب الجائعة فاشبعوني ضربا وركلا حتى فقدت وعيي ، ولم أفق من غيبوبتي إلا بدلو من الماء البارد أتى على ما تبقى من جسدي النحيل .. قال كبيرهم : هاتوه ! يبدو أنه بحاجة للأدب ، قلت له أنا مؤدب رغم أنفك ، انت من أخطأ بحقي ، إبتسم الرجل إبتسامة صفراء قاتلة ! وقال : يعجبني أمثالك ! ، اريدك معي ، قلت : كيف ؟ قال اريد قلمك معي وستكون لك حظوة عندي ! ، أفهم من كلامك تريدني توابا ؟ قال : نعم ، عن أي شئ أتوب فأنا لم ارتكب جريمة ، أنما انا جندي اسير لاحول لي ولا قوة ، أنتفض الرجل مزمجرا فقال : يا إبن (…….) – والله استحي أن أكتب ما قال – أنعل أبوك لابو عمر لابو صدام يا أبن (……) –أعادها – مرة أخرى – ، أجبني أنت بعثي ؟ قلت : لا ، أنت سني ؟ قلت : مسلم ! قال إذن أنت سني ناصبي عليك اللعنة ، خذوه من هنا ثم أجعلوه يلعن يومه الذي ولد فيه ! تنفست الصعداء حين غادرت المكان وظننت ان الامر انتهى ، … أخذوني مقيدا ومعصوب العينين الى مكان لم اعتد عليه ! وهنا بدأت معاناتي الحقيقية ، لقد عذبوني عذابا شديدا فاق التصور الادمي ، بعد كيل من الشتائم وانواع عديدة من اللعن المبتكــــر أجلسوني عنوة ، بعد ان جردوني من كل ملابسي ، على زجاجة ذات عنق قد وضع فيها زيت فرامل السيارات ، حسبما علمت لاحقا ، أحسست أن الزجاجة أمتدت الى حلقومي ، فقدت وعيي ، ولم أفق من غيبوبتي إلا بماء بارد جدا توغل داخل أضلعي – وهذا كان ديدنهم – أستمر سيناريو عذابي لعدة اشهر تركوني بعدها جسدا خائرا ونفسا محطمة حاقدة على كل ما هو أعجمي ، وحين فرج الله كربتنا عدت الى دياري شبه مجنون قد خرج لتوه من مصحة إجبارية لن ، أتذكر سوى ابنتي ( هاجر ) التي لم أرها ، وقد أصبحت الان فتاة جميلة رائعة كانها البدر، فأنستني كل ما عانيته في سني محنتي الطوال ….. والان أيها الاخوة هل عرفتم من هو ذلك الرجل ( العسكرى المعمم ) أسألوا أسراكم عنه فهم يعرفونه جيدا ، وابشركم لقد إقتص الله سبحانه منه قصاصا عادلا في الدنيا قبل الاخرة فجعله هباء منثورا ، فالى جهنم وبئس المهاد . أرجوكم أيها الاخوة لن أستطيع كشف المزيد خوفا على العديد من الاسرى مازالوا يقبعون في سجون ( الاسلاميون الرحماء ) . ولكم مني وعد الرجال بأن أكشف لكم ( رحمة ) هؤلاء … يبقى لي عندكم رجاء أخير لاتنسوا الاسرى بدعائكم ….