19 ديسمبر، 2024 12:04 ص

إسرائيل والتوظيف الديني لحروبِها

إسرائيل والتوظيف الديني لحروبِها

“أرض إسرائيل ستبقى أرضها حتى لو قررت الدولة الانسحاب منها كما أنها ستبقى أرضها حتى عندما ننساها فالأرض تطاردنا بقدر ما نحاول الهروب منها، إسرائيل تعرف أن النصر هو انتزاع الأراضي من العدو، هي أرض الوطن اليهودي سواء في غزة أو لبنان أو جبل الهيكل” بتلك الكلمات افتتحت حركة صهيونية اطلقت على نفسها اسم (جلود الشمال) مؤتمرها التأسيسي الأول يوم 17/حزيران/2024 والذي أصرت على عَقدهِ افتراضياً لتسمح لليهود من كل مكان في العالم بالانضمام إليه، حركةٌ انحدرت من فِكرةٍ بلورها تيار (الصهيونية الدينية) برئاسة وزير المالية الاسرائيلي (بتسلئيل سموتريتش) تروج الى ان “ارض لبنان هي جزء من أرض إسرائيل الكبرى” بحسب ما صرح بهِ (إلياهو بن أشير) أحد مؤسسي الحركة بعد بضع شهور من تداول وسائل التواصل في إسرائيل خبر مقتل الجندي (سوكول) الذي اشتهر بتوزيعه لمنشوراتٍ وسط جنود الجيش الإسرائيلي تضم نصوصاً من التوراة تشير بأنهم على حق وأن لبنان هي جزء من إسرائيل.
كان لذلك المؤتمر صدىً واسع على مسامع يهود العالم، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنجامين نتنياهو) من جانبه شَعرَ بدعم الشعب له، اضافةً الى افتخاره بالتوظيف الديني للحرب الذي سعى إليه حاخامته المطيعين، الامر الذي دفع (حجاي بن أرتسي) شقيق (سارة نتنياهو) زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بإجابة بعض اليهود المناهضين للحرب خلال مؤتمر حركة (جلود الشمال) بأن إسرائيل يجب أن تكون دولة تحتكم إلى التوراة داعياً أولئك اليهود الذين يريدون الديمقراطية للهجرة إلى الولايات المتحدة.
طال تباهي (نتنياهو) بذلك التوظيف الديني بأن يُغير اسم الحرب الحالية، فبعد تصريحه خلال جلسة حكومته التي استعرض فيها حجم الخسائر التي تكبدتها الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان مشيراً الى ان إسرائيل فشلت في صد هجوم (حماس) في 7/تشرين الأول/ 2023 إلا انها نهضت من جديد وردت على الهجوم، الامر الذي دفعه للمطالبة بتغيير تسمية الحرب الحالية من (السيوف الحديدية) الى (حرب الانبعاث) ونشب بسبب ذلك خلافاً بينه وبين قيادة الجيش الإسرائيلي المعني بتسمية الحروب حسب الدستور الإسرائيلي والذي اصر على تلك التسمية قاصداً بها الرد على هجوم الذي طال إسرائيل بجز رؤوس الأعداء بالسيوف، تعبيراً مجازياً لبشاعة نواياهم المعتادة، بالمقابل سخرَ بعض نشطاء اليهود اليمينين عبر مواقع التواصل من اخفاق الجيش الإسرائيلي في صدّ الهجوم السابق والمحتمل تكراره في المستقبل داعين (نتنياهو) لتسمية الحرب بحرب (سيقان الدجاجة).
هذه ليست المرة الأولى التي توظف فيها إسرائيل النصوص التوراتية والإيمان الديني دافعاً للحرب، ففي حرب عام 1948 سُميت الحرب بحرب (الاستقلال) مدعيةً بنشوء ارض إسرائيل المستقلة كما اشارت التوراة، وكذلك في حرب عام 1968 سميت الحرب بحرب (الأيام الستة) لأنها هَزمت الجيوش العربية بستة أيام وتيمُناً بخلق إلوهيم (الكلمة العبرية لله) السموات والأرض بستة أيام كما ذكر (سَفر التكوين)، وكذلك اطلقوا عليها اسم (حرب الغفران) كونها وقعت في يوم الغفران وهو يوم صوم وتسبيح وتسامح عند اليهود، واخيراً في حربهم على غزة اطلقوا اسم (راحيل) وهو اسم قديسة يهودية لها ضريح مشهور على مدخل مدينة (بيت لحم) بعدما روى جنود يهود متدينون أنهم شاهدوها تطل عليهم من غزة وسط نور بهيج تبشرهم بالانتصار على غزة مما دفع قيادة الجيش الى الاخذ بتلك الحادثة التي يصعب تصديقها وتسمية الحرب بأسم القديسة سعياً لدفع اليهود الى حربٍ يظنون بأن التوراة هي من شاءت بها، والامر سيّان لحركة حماس بعدما انتهجت هي الأخرى ذات النهج وكان لحروبها المسميات التالية: (حرب الفرقان)، (عمود العنان)، (حجارة السجيل)، (سيف القدس) واخيراً (طوفان الأقصى).
لعل (نتنياهو) أراد من تغير اسم الحرب الحالية ان يشير الى القيامة، فكلمة (تكوما) تعني الانبعاث وتعني القيامة ايضاً في اللغة العبرية، حيث ورد في مفهومها خلال المرحلة البابلية بأن اليهود سيتطهرون في يوم القيامة من آثامهم ثم تعود البقية الصالحة منهم إلى ارض الميعاد ليحيوا حياة سعيدة هنيئة كما ذكر سَفر هوشع ((14,2، فخلال السنوات المنصرمة اعتادت حكومته وحزبه المتعطش للدم الذهاب لخِيار الحرب من بين كل الخيارات الدبلوماسية، ولعل تلك السياسة معرضةً للتغيير مع الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وكذلك الانتخابات الامريكية المزمع اجراؤها وسط تناحر جريء بين مرشحيّ الحزبين الديموقراطي والجمهوري، فلكل منهما سياسته مع الحرب ومشاعره الخاصة في حُب إسرائيل، ويتضح ذلك من خلال اخر تصريح لـ(دونالد ترامب) في مؤتمرٍ انتخابي ضمّ عدداً من مناصريه اليهود قائلاً: “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها وأرى أن تل أبيب تواجه مشكلة علاقات عامة تزداد سوءاً كلما استمرت الحرب”.