18 ديسمبر، 2024 7:51 م

ماذا جنت اسرائيل بعد عام من القتل والتدمير؟

ماذا جنت اسرائيل بعد عام من القتل والتدمير؟

منذ الايام الاولى لاندلاع معركة “طوفان الاقصى” في السابع من تشرين الاول-اكتوبر 2023، وضع الكيان الصهيوني جملة اهداف تعهد بتحقيقها قبل ان يضع حدا للصراع والمواجهة مع حركة المقاومة الفلسطينية(حماس) وحزب الله اللبناني. تمثلت تلك الاهداف، بالقضاء على حماس، وتحرير الرهائن المحتجزين لديها، من الاسرائيليين وغير الاسرائيليين، واعادة سكان المستوطنات في شمال الكيان الى ديارهم، بعدما فروا منها جراء القصف المتواصل للمستوطنات من قبل حزب الله، اما الهدف الرابع فتمثل بتحييد الاخير وافراغه من ادوات وعناصر قوته، عبر تطبيق قرار مجلس الامن الدولي المرقم 1701، الصادر في عام 2006، الذي مثّل احد مخارج انهاء الحرب بين الكيان الصهيوني والحزب في ذلك العام.

وعلى امتداد عام كامل، ومع توسع ميادين ومديات الحرب، وتشابك خطوطها، وتداخل نيرانها، نجح الكيان الصهيوني في قتل اعداد كبيرة من الفلسطينيين واللبنانيين، وإصابة وتهجير اضعافهم، وإلحاق الدمار بالبنى التحتية والمنشآت والمرافق الحيوية في قطاع غزة وجنوب لبنان، وكذلك في اليمن، بيد أنه لم تحقق ولو أدنى مستويات النجاح في تحقيق أي من اهدافه، ناهيك عن الاقتراب منها ولو قليلا.

فرغم القتل والتدمير والتخريب، واستهداف كبار قادتها، مازالت حركة حماس صامدة، ولم تلح أي بوادر أو مؤشرات لإمكانية استسلامها أو تراجعها، بل على العكس تماما، تبدو لمن يدقق ويتأمل في وقائع الأحداث جيدا، أن الحركة باتت أكثر تماسكا وثقة وقدرة على الصمود، لاسيما مع تعدد الجبهات وارتفاع مستوى الضغوطات العسكرية على الكيان الصهيوني من جبهات لبنان واليمن والعراق.

وارتباطا بذلك، فإن فرص تل أبيب لاستعادة جنودها المعتقلين لدى حماس، باتت ضئيلة، ان لم تكن معدومة، لأن قادة الكيان، كانوا يراهنون على إخضاع حماس ودفعها إلى رفع الراية البيضاء من خلال الخيار العسكري التدميري، ولكن بعد عام او اقل من عام، اتضح ان كل حسابات ومراهنات نتنياهو وفريقه الحكومي بشقيه السياسي والامني، كانت خاطئة بالمطلق.

وما زاد الطين بلّه وعمق مأزق تل ابيب، هو ان هدفها الثالث، المتمثل بإعاده سكان الشمال الى المستوطنات، بدا بعيد المنال، مع اصرار حزب الله على عدم وقف عملياته العسكرية في الجبهة الشمالية، قبل قيام الكيان الصهيوني بوقف حربه العدوانية على غزّة، أي بعبارة اخرى، ربط حزب الله عودة المستوطنين الصهاينة الى مستوطناتهم بعودة السلام الى ابناء غزّة. وبدلا من ان يكون الكيان الصهيوني فارضا للشروط، اصبح يتلقاها من حزب الله في لبنان، ومن الحوثيين في اليمن، دون ان تكون لديه خيارات متعددة ومختلفة تتيح له المناورة والمراوغة.

وكما اخفق نتنياهو في تحقيق اهدافه على الجبهة الفلسطينية، اخفق بدرجة اكبر في تحقيقها على الجبهة اللبنانية. ومثلما تبين له ان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية اواخر تموز-يوليو الماضي، افرز نتائج ومعطيات عكسية له، حصل نفس الشيء مع اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في السابع من شهر ايلول-سبتمبرالماضي. حتى ان الكثير من الساسة والخبراء الامنيين واصحاب الرأي في تل ابيب، اعتبروا ان خيار تصفية كبار قادة حماس وحزب الله، كان خيارا فاشلا، لان لم يضعف هذين الكيانين، بل اكسبهما مزيدا من القوة والحماس والاندفاع، ناهيك عن ان قادة الكيان ربما لم يلتفتوا الى حقيقة مهمة، مفادها ان كيانات مثل حماس وحزب الله، لابد ان تكون لها دوما بدائل جاهزة على كل المستويات، لتمليء اي فراغ يحصل. ولعل مسيرتهما الطويلة تؤكد ذلك،. فلا حماس انتهت وتلاشت حينما اغتال الكيان الصهيوني العديد من قياداتها العليا على امتداد ثلاثة عامين او اكثر، ولا حزب الله انكسر وانحسر بعدما فقد الكثير من قياداته العليا هو الاخر، طيلة اربعين عاما، بل على العكس، ان قوة كل من حماس وحزب الله اليوم اكبر بكثير مما كانت عليه قبل عشرين او ثلاثين عاما.

ولاشك ان مأزق الكيان الصهيوني لم يعد يقتصر على عجزه وفشله في تحقيق الاهداف الاربعة التي وضعها لنفسه وتعهد بها نتنياهو امام الصهاينة، وانما برزت تداعيات اخرى خطيرة، وخصوصا على امتداد عام كامل من الحرب العبثية غير المجدية.

ومن بين تلك التداعيات، الاستنزاف الكبير للكيان على كل الصعد والمستويات والمجالات، لانه للمرة الاولى منذ تأسيسه في عام 1948، يخوض حربا طويلة، مقارنة بحروبه السابقة التي كانت لاتستمر سوى بضعة ايام او اسابيع قلائل.

والشيء الاخر، تعدد الجبهات التي انفتحت عليه، والتي تتحرك وتعمل بشكل منسق ومنظم، بأعتبار انها تنظوي تحت عنوان واسع وعريض، هو “محور المقاومة”.

وطبيعي ان استمرار الحرب والمواجهة لفترة طويلة، لابد ان تستتبعه امور اخرى، من قبيل الضغوطات الاقتصادية المتزايدة بسبب الانفاق المالي الهائل لتأمين متطلبات الحرب، والانقسامات الحادة في مجتمع يفتقد من الاساس لعنصر الانسجام والتجانس المجتمعي ارتباطا بالخلفيات والانتماءات والثقافات المختلفة، والمتناقضة في الكثير من الاحيان.

اضف الى ذلك، ان حرب غزة وبمجمل تفاصيلها، يمكن ان تكون قد اتت على قدر كبير مما حققه الكيان الصهيوني من خطوات في مسيرة التطبيع مع بعض الانظمة والحكومات العربية خلال الاعوام الاربعة الماضية، ناهيك عن استحالة نجاحه في تحقيق أي خطوات اخرى في هذا السياق، في ظل انشغاله وغرقه بمستنقع غزّة، وعدم تجروء أي طرف عربي في ان يستقل قطار التطبيع حاليا.

وثمة امر اخر، يتمثل في ان الكيان الصهيوني، فقد جزءا من حضوره ومصالحه في الساحة الدولية، بسبب نهجه الدموي الاجرامي في فلسطين ولبنان، الى جانب تأزم علاقاته حتى مع بعض اصدقائه وحلفائه الاستراتيجيين، مثل الولايات المتحدة الاميركية، ودول في اوربا واسيا وافريقيا.

هذه الصورة القاتمة للكيان الصهيوني، من الطبيعي ان تزداد قتامة كلما طال امد الصراع مع حماس وحزب الله وعموم محورالمقاومة، ومن الطبيعي-والمتوقع-ان يتعرض الكيان لهزات سياسية وامنية ومجتمعية عنيفة اقوى واشد من تلك التي تعرض لها خلال عام كامل من معركة “طوفان الاقصى”. وهذا ما تقوله وتحذر منه النخب السياسية، والمحافل الاعلامية، والاوساط الاكاديمية في تل ابيب وواشنطن ولندن وباريس، قبل طهران وبيروت وبغداد ودمشق وصنعاء.

—————————

*كاتب وصحافي عراقي