20 ديسمبر، 2024 8:13 ص

أناغي مقامك الشرقي القديم , بقصيدة قطري بن الفجاءة , التي خلدته رغم قيادته الازارقة , قرأناها صغارا ولصقت في الذاكرة , لم نكن نعرف سيرة قائلها , وبعد النضوج ومعرفتنا بحقيقة قائلها لم نغير نظرتنا للقصيدة , وظللنا نرددها طيلة نصف قرن , وحين يخطر في البال الازارقة نتذكر داعش والذبح الذي كانوا يمارسونه والاغتصاب , ان اول ما سحرنا في القصيدة قوله ( طارت شعاعا ) , والشَعَاعٌ بفتح الشين مصدر شع ,تقول العرب ذَهَبُوا شَعَاعاً أَيْ مُتَفَرِّقِينَ , وطَارَتْ نَفْسُهُ شَعَاعاً أي طَارَتْ خَوْفاً وَفَزَعاً , خَفَّتْ هِمَّتُهُ , ودَمٌ شَعَاعٌ مُنْتَشِرٌ, مُتَفَرِّقٌ , وتَطَايَرَتِ العَصَا شَعَاعاً تَكَسَّرَتْ وَتَطَايَرَتْ شَظَايَا.

(أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً مِنَ الأَبطالِ وَيحَكَ لَن تُراعي
فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ     عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي
فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً   فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ
وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَوبِ عِزٍّ   فَيُطوى عَن أَخي الخَنعِ اليُراعُ
سَبيلُ المَوتِ غايَةُ كُلِّ حَيٍّ     فَداعِيَهُ لِأَهلِ الأَرضِ داعي
وَمَن لا يُعتَبَط يَسأَم وَيَهرَم      وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ
وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ         إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ).

أما في بيت القصيد , وقبل ان يعلو جفني الغمض ,ها أنا أمسكُ الريحَ بين أصابعي , وأتركُ الأفقَ يسافرُ في صمتي ,لا أرضَ تحتي ,ولا سماءَ تُظلِّلُني ,لكنني أزهرُ في فراغ ألأساطير , وأحملُ في صدري أغنيةً قديمةً , عزفتها الأشجارُ حين كنا غائبين , وما زال الحنينُ يهمسُ ليبلغةِ الطيور التي نسيت جناحيها , وانا لا أخشى الوقتَ , فهو ظلي ,أمشي إليه ,ولا يعبرني , وهنا , على حافةِ الصمت ,أقفُ مثل فكرةٍ لم تولد بعد ,مترنحاً بين الحلمِ واليقظة ,لكني دائماً ,كالجبلِ الذي يسكن الريح ,ثابتٌ ,ولا أحد يعلم , وفي عيني غيمة لم تمطر بعد ,تتأمل في صمت السماء البعيدةكلما اقتربت من الأرض, تعود خفيفة كأنها تودع الحياة.

وبين مونولوج النفس , وبين منايا داعشية اتقنت ابتكارها , ما أنت إلّا هشيما تأنف عنك الريح العاصف , وإن توسلتها ندما لتواري نتانة آثامك مذ آثرتها هرولة جنونية , وفي يَوم مبني للمجهول قالت بنات الدهر: لعبة الزمن تَبْدأُ عِندَ المَحاق وعند التربيع الأول يرتجل العبث قصيدة غَزل خَليعة , ويرتد طرفه إلى الأحدب المتزايد ناثرا ضجيج القطيعة , وعند التربيع الثاني يقرض العمر لامية عَجَل قصيرة ويرفع عقيرته صوب الأحدب المتناقص مكسرا صَمت الوَتِيرة .

في يوم مَبني للمجهول ,عند الفجر احْتدّ صِراع بين المشاعر وتكلمت شغاف القلب عن سَبقِ إصرارهامسة لضوء القمر بتراتيل صوفية  , ورأيت الحياة حمالَة أوجه , تناور في وجهي , وتقتادني إلى معابر القهقهات هناك بين حُدود المبنى والمعنى أشدّ عَضُدَ الكلماتِ
وأستميت في البحث عن التأويل عند صاحب الكتابعلّه يسعفني في فهم ألغاز العالم المجنون , عله يُنبِئُني بِجوهر أسرارِ هذا الكون , في ذلك اليوم المبنيّ للمجهول أرتدي جبة الفقهاء وأتلو مَتْنَ أغاني التجار, لأبيع وطنيتي بصحن القرويين عند العَشِي,وأعبّ كاساتِ العَبير من حدائق جنان السَّبيل , وأتلو الوِردَ اللازم عند زاوية الشيخ التِّيجاني نهرُ الكلام وجَوهرُ المعاني.

أحدث المقالات

أحدث المقالات