16 أكتوبر، 2024 1:39 م
Search
Close this search box.

رواية “عندما يختفي القمر” للكاتب عمر احمد محمد

في تلك الليلة المظلمة، عندما اختفى القمر من السماء، كانت المدينةتتنفس خوفًا. الناس يتجمعون في الشوارع، يتحدثون في همسويحدقون في السماء المظلمة التي لم تعد تضيئها سوى النجومالبعيدة. ولكن ليلى، الشابة التي اعتادت السهر على ضوء القمر وهيتكتب أحلامها في دفترها القديم، شعرت بأن هذا الاختفاء لم يكنمجرد ظاهرة طبيعية. كان هناك شيء أعمق، شيء ينبض في قلبالظلام.

استيقظت ليلى من حلم غريب تلك الليلة، حلمٌ رآها تتجول في غابةكثيفة حيث اختفى القمر وأصبحت السماء خالية من الضوء. فيالحلم، شعرت بخيوطٍ من النور تحاول جذبها نحو مكان ما بعيد، لكنهالم تفهم معناها. عندما استيقظت، كان قلبها يخفق بسرعة وكأنها علىوشك أن تكتشف سرًا خطيرًا.

مع بزوغ الفجر، قررت ليلى أن تذهب إلى المكتبة القديمة في المدينة. كانت تلك المكتبة مليئة بالكتب القديمة والأساطير المنسية، وربما قدتجد فيها شيئًا يفسر ما يحدث. كان هناك رجل عجوز يدعىيونس،الذي كان يعمل كأمين للمكتبة. كان الناس يقولون إن يونس يعرف أكثرمما يقوله، وأنه يحتفظ بأسرار قديمة عن المدينة والعالم.

دخلت ليلى المكتبة وألقت التحية على يونس الذي كان يجلس خلفطاولته الخشبية القديمة. نظر إليها بنظرة هادئة وقال: “كنت أنتظرك،يا ليلى.”

تفاجأت ليلى من كلماته وسألته بدهشة: “تنتظرني؟ لماذا؟

ابتسم يونس ابتسامة غامضة وأشار إلى كتاب قديم موضوع علىالطاولة. “القمر لم يختفِ هكذا، يا ليلى. هناك قوة خفية تعمل فيالظلال، وأنت الوحيدة التي يمكنها رؤيتها.”

 

شعرت ليلى بصدمة من كلامه، لكنها في الوقت ذاته، شعرت بأنه علىحق. “لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا مجرد فتاة عادية.”

لستِ عادية،قال يونس وهو يفتح الكتاب. “هناك أسطورة قديمةتقول إنه عندما يختفي القمر، سيظهر شخص مختار قادر على رؤيةخيوط النور التي تقود إلى المكان الذي تم احتجازه فيه. وهذاالشخص هو أنتِ.”

كانت ليلى تحاول استيعاب ما قاله يونس. شعرت بمزيج من الخوفوالحماس. إذا كانت تلك الأسطورة صحيحة، فهذا يعني أنها يجب أنتخوض رحلة غامضة وخطيرة لاستعادة القمر وإنقاذ العالم من الظلامالذي بدأ يزحف ببطء.

ما الذي يجب أن أفعله؟سألت ليلى، وعيناها مليئتان بالتصميم.

أجاب يونس: “يجب أن تتبعي خيوط النور التي ترينها. تلك الخيوطستقودك إلى المكان الذي اختفى فيه القمر. لكن كوني حذرة، الطريقليس سهلاً، وهناك قوى مظلمة تحاول منعك.”

في اليوم التالي، بدأت ليلى رحلتها. كانت ترى خيوطًا رفيعة من النورتمتد في السماء المظلمة، تقودها إلى الجبال البعيدة. لم تخبر أحدًاعن ما يحدث، فقد كان عليها أن تخوض هذه المغامرة بمفردها.

عندما وصلت إلى حافة الجبال، واجهت حارسًا غامضًا. كان طويلالقامة، بشعر أسود وعيون تتلألأ كما لو كانت تحمل ضوء النجوم. قاللها: “أنتِ ليلى، المختارة التي ستعيد القمر. لكن عليك أن تجتازي هذاالمكان أولاً.”

سألت ليلى بصوت ثابت، رغم الخوف الذي كان يعصف داخلها: “كيفأستطيع المرور؟

أجاب الحارس: “هناك ثلاثة اختبارات عليك اجتيازها. الأول هواختبار الشجاعة. يجب أن تواجهي أعظم مخاوفك.”

شعرت ليلى بالخوف، لكنها كانت تعلم أن لا عودة الآن. بدأت تتحركببطء داخل الكهف الذي يقود إلى قلب الجبال. داخل الكهف، وجدتنفسها فجأة محاطة بظلام دامس، لكن هذا الظلام لم يكن عاديًا. كانيمتلئ بأصواتٍ وهمساتٍ تحاول أن تجعلها تتراجع. سمعت صوتًا منماضيها، صوت والدها الذي فقدته منذ سنوات. “لماذا لم تحميني؟كان الصوت يتردد في أذنيها، محاولاً إضعاف عزيمتها.

أخذت ليلى نفسًا عميقًا وقالت بصوت ثابت: “أنا هنا الآن، وسأواجهكل شيء.” عند هذه الكلمات، تلاشت الأصوات وعادت خيوط النورلتضيء طريقها من جديد.

في الاختبار الثاني، وجدت ليلى نفسها في سهل مفتوح مليء بالمرآيا. كل مرآة تعكس صورة مختلفة لها: واحدة تُظهرها خائفة، أخرىتُظهرها غاضبة، وثالثة تُظهرها وحيدة. كان الاختبار هنا اختبارًاللهوية. كان عليها أن تختار أي مرآة تمثلها حقًا. نظرت ليلى في جميعالمرآة، ثم اقتربت من مرآة تُظهرها وهي تواجه الظلام بشجاعة. “هذاأنا، قالت.

في الاختبار الثالث، كان عليها أن تواجه حارسًا آخر، لكنه لم يكنبشريًا. كان مخلوقًا من الظلال، يقترب منها ببطء وكأنما يسحب نورحياتها. قالت ليلى وهي ترفع يديها: “لن أخاف منك. أنا النور، وأنتمجرد ظل.”

عندما قالت ذلك، تحولت الظلال إلى رماد، واختفى المخلوق. في تلكاللحظة، ظهرت بوابة مضيئة أمامها. دخلت ليلى البوابة، لتجد نفسهافي قاعة ضخمة مليئة بالضوء. في وسط القاعة، كان القمر، معلقًا فيالسماء، لكنه كان مظلمًا تمامًا.

تقدمت ليلى نحوه، ومدت يدها. بمجرد أن لمسته، شعرت بحرارة دافئةتجتاح جسدها. بدأ القمر يتوهج ببطء، ثم أضاء السماء بأكملها بنورساطع.

وعادت السماء كما كانت، واختفت الظلال. كان العالم بأسره يشاهدهذه اللحظة، لكنهم لم يعرفوا من كان السبب. أما ليلى، فقد عادت إلىحياتها العادية، لكن الآن وهي تعلم أن لديها القدرة على مواجهة أيظلام قد يأتي.

النهاية

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب