الانسان طورعلوم كثيرة في مجالات عديدة ساهمت بتسهيل الحياة له، الا انه في مجال الاخلاق بقى ذاته من يوم وجوده على الارض والى اليوم لم يتغير، بل على العكس استخدم التطور لخدمة نزعاته الشريرة! وسخر خيرات الارض وهذا التطور لانتاج ماكنة الموت العسكرية! ولو قمنا بدراسة مستقلة حول النفقات التي ينفقها الانسان في الحياة، سنجد معظمها يذهب الى “وزارات الدفاع” والانتاج الحربي! ومن هنا نجد ان القوة اصبحت هي اكثر الحجج اقناعا وأسهلها! والحصول على هذه القوة لا بد من الوصول الى السلطة بأي وسيلة او طريقة، مهما كانت لا أخلاقية فهي عند الغالبية مشروعة، أي يطبقون مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”! لذا بأستطاعتي القول ان الانسان لم يتطور انسانيا، ولذلك ما تزال الفضيلة مقهورة امام الرذيلة.
هذه المقدمة تختزل كل الصراعات على كوكب الارض وخاصة الصراع الدائر في مناطق العراق التي شكلت الحاضنة الرئيسية والخزان البشري لزبانية صدام سابقاً وللدواعش حالياً، وهي الموصل وخاصة قضاء الشركاط، تكريت وخاصة الحويجة، الرمادي، سامراء، والفلوجة، حيث أن تسعين بالمئة من المسيطرين على مفاصل الدولة إبان عهد دكتاتور العراق صدام من هذه المناطق! رجال هذه المناطق هم من يقود جيش صدام وقوات امنه واستخباراته ووزاراته خاصة السيادية منها كالنفط والتجارة والخارجية والداخلية والاعلام!. ابناء هذه المناطق فيهم الكثير من الاعراب الاجلاف، ذات العقلية البدوية، وهم من سيطر على مال العراق وتجارته وأثروا ثراءاً فاحشاً! وهم من سفك دماء ابناء المستضعفين من الشعب العراقي، وكذلك هم من دفن الالاف من ابناء العراق في المقابر الجماعية المنتشرة في كل الارض العراقية، وهم من استخدم الاسلحة الكيماوية ضد الكرد، وهم من قاموا بعمليات الانفال العسكرية ضد المقاتلين الكرد والمدنيين، وأخذوا اسرى هذه العمليات العسكرية الظالمة من مدنيين ومقاتلين ودفنوهم في صحراء السماوة أحياء في مقابر جماعية قرب الحدود السعودية، وهم من قاد الحرب العراقية الايرانية التي استخدموا فيها ابشع الجرائم الانسانية التي تخزينا على مدى الدهر، حيث ابيد من الشعبين الملايين، وهم من غزا الكويت واعتدوا على اعراض الناس هناك ونهبوا اموالهم وقتلوا المقاومين الابطال من الكويتيين، وهم من كان يشرفون على السجون الرهيبة، مثل سجن “ابو غريب” و”الحوت” و”نكرة السلمان” وغيرها، حيث بلغ التعذيب فيها للانسان مرتبة غير مسبوقة في التاريخ! وهم من كان يقود المحاكم الصورية المرعبة مثل “محكمة الثورة” حيث تم إعدام أعداد هائلة من المستضعفين العراقيين بناءاًعلى شبهات ليس إلا، وهم من كانوا ينفذون أحكاماً بالاعدام على المستضعفين من خلال إلقائهم في احواض التيزاب “حامض النتريك” الى أن يتبخروا
ويختفوا تماما! أو من خلال تفجيرهم بالمتفجرات، وفرمهم بفرامات البشر ورمي لحمهم وعظامهم المفرومة غذاءاً للاسماك في دجلة، أو برميهم من شاهق، وهم معصوبي الاعين ومقيدين بالسلاسل، وهم نفسهم كانوا يسجنون العوائل ويأخذون بناتهم بعمر الزهور ليمارسوا نزواتهم معهن، وهم نفسهم كانوا يعدمون الشباب الفار من جيش صدام امام اهاليهم ثم يرغموهم على دفع ثمن الرصاصات التي أعدم بها ابناؤهم. وهم من كانوا يغتصبون نساء اشراف العراق من ضباط كبار او رؤساء عشائر لديهم نفوذ، او رجال دين نبلاء، أو أي إنسان عنده موقع إجتماعي أو مالي أو سياسي، ويصورون هذا الاغتصاب في افلام اباحية من اجل ابتزازهم، ومساومتهم، إما لتحقيق مآربهم القذرة او فضح هذه الافلام على الملأ! واليوم بحوزة الحكومة العراقية الكثير من هذه الافلام التي حصلوا عليها بعد اندحار طاغية العراق صدام من مؤسسات الامن والاستخبارات المرعبة. وهم من سلم بغداد للمحتل الامريكي بالملابس الداخلية بعد ان تخلوا عن رتبهم وبزاتهم العسكرية التي يتبجحون بها على المستضعفين من الشعب العراقي بدون مقاومة، وهم من سلم مناطقهم التي يقطنوها للغازي الامريكي دون مقاومة تذكر، في حين إن أم قصر لوحدها قاومت جيش الامريكان حوالي سبعة عشر يوماً! وهم من خذل وخان دكتاتورهم وبلغوا المحتلين الامريكان عن وجود ابنائه في الموصل “عدي” و”قصي” و”مصطفى” بن “قصي” وتسببوا في قتلهم، وهم من أبلغ الجيش الامريكي المحتل عن مكان صدام في حفرته التي اخرجوه منها كالجرد وداسوا على رأسه ببصاطيلهم، وهم من شكل الصحوات لمقاتلة بعضهم البعض من اجل الحصول على المال الامريكي. وهم من باع الوطن لملوك الرمال ومن نفذ مخططاتهم بأشعال الحرب الطائفية في العراق، وهم من فجر مرقد الامامين العسكريين عليهم السلام في سامراء، وهم من يقوموا بالتفجيرات اليومية في العراق منذ عقد من الزمن لقتل الابرياء من النساء والرجال والاطفال في مناطق المستضعفين، وهم من يقطعون الطرق ويقتلون المسافرين على الهوية، ويفتخرون بهذا العمل بنشر جرائمهم على اليوتوب وصفحاتهم على النت، وهم من يأخذون الاتاوات من التجار الذين يكسبون رزقهم بعرق جبينهم، وهم من يُكرهون الشباب على التطوع في صفوفهم والا مصيرهم الذبح، وهم من يجبرون حرائرهم على ممارسة النكاح مع مقاتليهم بذريعة الزواج او جهاد النكاح، وهم وهم وهم…….
بامكاني كتابة كتب على ما اقترفوا من فحش وزنا وقتل ونحر بحق العراق وشعبه وشعوب المنطقة. وليكن في علم القاريء انا لا أبريء ذمة بعض العراقيين من المستضعفين سواء
كانوا “شيعة” او “كرد” أو “تركمان” أو “مسيحيين” من خيانة ضمائرهم والعمل مع زبانية فرعون العراق، الا انهم قلة لا يشكلون نسبة مهمة. كما انني لا أتهم كل سكان هذه المناطق التي ذكرتها، فمنهم اناس وطنيون عانوا من بطش صدام مثلما عانت الاكثرية المستضعفة من الشعب العراقي، الا إنهم أقلية. ممكن يقول لي قاريء ان الغالبية العضمى من جنود جيش صدام كانوا من المستضعفين الذين ذكرتهم آنفا! أرد واقول نعم كانوا مجبورين ومكرهين على ذلك، وكلهم كانوا في خدمات هامشية. اما المخلصون من المستضعفين الذين يعتقدون أنهم يعملون في الجيش العراقي كضباط بمجرد إقترابهم من المراتب العليا كانت تتم إحالتهم على التقاعد! حتى وان كانوا من أخلص الناس وصفحاتهم بيضاء ناصعة مدى حياتهم!.
ثق عزيزي القاريء ما اكتبه ليس من وحي الخيال، وأنما انا شاهد على الحقبة التي حكم فيها البعثيون العراق، من يوم تسلطهم في تموز عام 1968 الى يوم اندحارهم في نيسان عام 2003، ومتابع بعمق لكل الاحداث التي تعرض لها العراق إبان هذه الحقبة حيث اني عشتها يوم بيوم، ورأيت بعيني وسمعت بأذني، فلذلك اعرف كيف يفكر ابناء هذه المناطق التي ذكرتها. بأختصار، اعرف عقليتهم بعمق، هؤلاء الناس وانا اتكلم عن غالبيتهم يرفضون ان يكونوا مواطنين عراقيين متساوين مع اقرانهم! أنهم يريدون أن يسترجعوا سيادتهم، ويصبحون كما كانوا، حسب عقليتهم، اسياداً، بينماغالبية الشعب عبيداً لهم، وكل من يرفض الخضوع لهم فهو عميل لايران “المجوسية والصفوية” ونهايته الاعدام، وعلى اهله ان يدفعوا ثمن تكاليف اعدامه! او يطمر في قبر جماعي مع اناس مثله، ويضيع خبره، ولا يتمكن اهله من الحصول على شهادة وفاة له! لدرجة تبقى كل متعلقاته عالقة ليس لها حل، فلا تتحرر زوجته ، وتعتبر أرملة، ولا يسوى إرثه، وهكذا!. ومن الاحداث التي كنت شاهداً عليها، أذكر أبناء عمتي الذين كانوا شباباً، في بداية عقدهم الثالث، حين أُخذوا من قبل زبانية صدام على الشبهة واختفوا! وظلت عمتي تصلي لهم ليل نهار على مدى اكثر من ربع قرن طالبة من الله رجوعهم! اقسم بالله، وأشهد أنهم كانوا من خيرة شباب العراق ايمانا وتقوى ومروءةً! ومثل أبناء عمتي كان مصير مئات الالاف من الشباب الذين كانوا في عمر الزهور ومن خيرة ابناء العراق. من قتلهم؟ الجواب: رجال من هذه المناطق!. رجال هذه المناطق احترفوا القتل وكل انواع الجرائم، وعندهم قتل البشر مثل قتل ذبابة، كما ان صدام وفر لهم افتك الاسلحة، وصرف عليهم الكثير من اموال العراق لحصولهم على اعلى الخبرات في ادارة الحروب، ومعرفة كيفية إستخدام الاسلحة الفتاكة. وتوجد في اراضيهم أغلب مخازن السلاح، وينحدر من هذه المناطق اغلب الطيارين العسكريين المحترفين، الذين كانوا يمطروا القرى الكردية وأهوار العراق في الجنوب
بحقدهم وبأخطر القنابل الفتاكة لقتل اكبرعدد من المدنيين والمقاتلين الرافضين لظلم الدكتاتور.
ومن الغريب أننا لم نسمع شخص منهم أنّبه ضميره يوما ما واعترف بهذه الجرائم التي اقترفوها بحق العراق وشعبه، وبحق دول الجوار! في حين ان “الكفرة” الامريكان الذين غزوا العراق انشق منهم الكثير وفضحوا جرائم الجيش الامريكي في العراق، كما فضحوا جرائمه في سجن “أبو غريب” وسجن “البصرة” في لحظة صحوة ضمير!. إن هؤلاء الذئاب البشرية هم الخزان البشري للدواعش الذين يعبدون المال، والمتعطشين للدماء، وان مدنهم الحاضنة الرئيسية لكل اشكال التطرف الذي ركب موجة الدين. والفت نظر القاريء انه في هذه المناطق تعيش قبائل من اصول نجدية وحجازية “سعودية” وعندهم تواصل مستمر مع اقاربهم هناك، وهم حلقة الوصل بين هؤلاء القتلة الدواعش ومخابرات آل سعود، وآل ثاني، وحتى آل الصباح وبقية مشايخ الخليج. ومن هنا لا غرابة في خيانة قادة الموصل للعراق وتسليم كل مراكز المحافضة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدينية للدواعش، خاصة وان اموال ملوك الرمال سخية لهم، وحقد العثمانيون الجدد في خدمتهم. أخيراً سيعيد التاريخ نفسه بعد سيطرة أهل هذه المناطق “الدواعش” على الموصل وأجزاء أخرى من العراق وسورية، وستتكرر نفس الجرائم التي أقترفوها في الماضي من إبادة أعداد هائلة من الشعب العراقي المظلوم ودفنهم في مقابر جماعية، والقيام بكافة الاعمال الاجرامية والتعسفية، بل هذه المرة ستكون أشد ضراوةً وأكثر وحشيةً، من أجل اعادة التاريخ الى الوراء، وإذا ما نجحوا في التمدد، هذا يعني ستدخل المنطقة في نزاعات دموية، طائفية وعرقية مرعبة، وفقط الله وحده يعرف نتائجها وخاتمتها.