في اعقاب انتهاء الانتخابات البرلمانية في العراق التي جرت في الثلاثين من ابريل/نيسان الماضي، بدأت صفحة جديدة تمثلت بخطابات وتصريحات عكست لجوء المتنافسين الاقوياء لابراز قوتهم ، وعبروأ عن موقفهم بـ’المنتصر’ وهو أعلان سابق لأوانه، ويأتي في ظرف قد لا يجعل القوي ينفرد لوحده في الحركة نحو رئاسة الوزراء وتحقيق الاغلبية ، وقد تكون النتائج الانتخابية مفاجئة بعكس كل التوقعات ،فبحسب الأرقام الرسمية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات فأن هناك (107) قائمة انتخابية مشاركة ، (36) ائتلاف ، (71) كيانات سياسية متفرقة وبعض الشخصيات ، فيما وصل عدد المرشحين إلى مجلس النواب (9032) (6425) رجال (2607) نساء ، فيما وصل عدد الناخبين إلى(20،437،000) ناخب من مجموع تعداد العراق الذي وصل إلى (34،800،000) شخص ، وتم توزيع ما يقارب 92% من بطاقات الناخبين .
الانتخابات البرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي تكللت بالنجاح ، ورغم هذا النجاح الا ان الأعين ظلت تراقب عملية العد والفرز ، واستخراج النتائج الأولية ، والتي يمكن أن ننظر إليها باتجاهين :
الاتجاه المتفائل الذي يرى انها الانتخابات الأولى التي جرت بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية عام 2011 ، كما أن الانتخابات أجريت بأيدي عراقية ، مع مراقبة دولية وإقليمية ، وبحضور الجامعة العربية ، والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة ، وهو الشيء الذي أعطى زخما للانتخابات ، وغطاء شرعيا لانجاحها وسط الظروف السياسية والأمنية السيئة في البلاد .
الشي الاخر أن الانتخابات جرت بهدوءً وسلاسة ، مع عدم حصول خرق كبير فيها .
بالاضافة الى سعة المشاركة في الانتخابات إذ بلغت أكثر من 62% وهي مرشحة للزيادة ، كما ان عمليات الفرز والعد حصلت بصورة سريعة ومهمة مع بعض الخروقات التي وقفت عندها المفوضية ، واتخذت الإجراءات القانونية بصددها ،كما ان الدعاية الانتخابية كانت منظمة للكتل والقوى السياسية ، وفي مقدمة هذه الكتل “كتلة المواطن” التي تميزت بالتخطيط والانضباط والتنظيم العالي للدعاية الانتخابية الخاصة بها ، اضافة الى الشعارات واللافتات والبوسترات للكتل والمشاركة في الانتخابات والتي نظمت بصورة سريعة ، وأزيلت بصورة أسرع.
جاءت هذه الانتخابات بعد أن أخذت القوى فرصتها في الحياة السياسية ، اذ ان اغلب المشاركين في الانتخابات هم حاضرين في العملية السياسية وهو الشيء الذي يعطيهم زخما ثقافيا وسياسيا في التعاطي الإيجابي مع المتغيرات السياسة .
كان شعار “التغيير ” حاضراً وبصورة ملفتة للأنظار في الحملة الدعائية الانتخابية ، وما زال صوته مرتفع بعد الانتخابات .
الاتجاه المتشاءم : هذه النظرة ترى الوضع عكس الوضع المتفاءل ، الذي يقرا ان الانتخابات جاءت في ظل ظروف أمنية وسياسية سيئة ، وحرباً مشتعلة في الانبار والموصل وديالى وصلاح الدين ، والتي لم تحسم لحد الان مما زاد في احتمالية تعرض العملية الانتخابية في تلك المحافظات الى التزوير او التشكيك بنتائجها .
حالات التزوير الكثيرة والكبيرة ، ودخول مجاميع من القوى السياسية على مراكز الاقتراع للتأثير على النتائج هو الاخر يضاف الى قائمة التشاؤم من نتائج هذه الانتخابات، كما ان حالات التسقيط الكبيرة بين الكتل المشاركة ، هو الآخر ألقى بظله على المشهد الانتخابي ، حتى أصبح ظاهرة ملفتة للنظر في الديمقراطية الحديثة .
إعلان المفوضية تأخير إعلان النتائج من 20-30 يوماً ، يدخل في خانة التشاؤم ، ومحاولات التأثير على النتائج ،و الكذب الفاضح في الدعايات الانتخابية والشعارات ، وحتى شمل الكذب العد والفرز ،وإعلان نتائج غير حقيقة وصحيحة .
وفي ظل هذين الاتجاهين برزت ظاهرة التنافس التي كان يفترض ان تبرز في سياسينا من خلال تنافس ديمقراطي يعكس رؤية وتطور في الديمقراطية الجديدة في العراق ، ويسهم مساهمة فاعلة في التخفيف من حدة التوتر بين الكتل المشاركة ، والإسراع بتشكيل الحكومة القادمة وفق روية ومنهج صحيح تعتمد مبدأ ” فريق قوي منسجم + رؤية واضحة عملية = حكومة قوية .
ولكن ما تفاجئنا به هو بروز ظاهرة التسقيط السياسي بين الكتل المشاركة في الانتخابات، ووصل الحال الى تبادل الاتهامات ، والتجريح والنيل من شخصيات وطنية كبيرة لها كان الأثر الأكبر على الواقع السياسي .
الشيء الخطير الذي دخل في عملية التسقيط هو النيل من المرجعية الدينية ومحاولة ابعادها عن الشارع العراقي ، من خلال توجيه الشبهات وكيل الأتهامات بتدخلها في السياسة ، رغم ان المرجعية الدينية في وقت قريب كانت هي المرتبة المقدسة والمحترمة لدى هذه الكتل ، ولكن منذ ان أغلقت المرجعية الدينية ابوابها بوجه حكومة المالكي ، وهي تكيل الاتهامات ضد المرجعية ، وأصبحت هذه المرجعية بين ليلة وضحاها غير عراقية ، ويجب ان تغادر العراق ، ويجب ان نستورد مرجع عراقي من الخارج ؟! ،وغيرها من شبهات عكست الواقع المزري لسياسينا الجدد.
اليوم الانتخابات اجريت ، وربما ظهرت بعض رؤوس الأقلام التي تعكس الواقع على الارض للكتل الكبيرة ، الامر الذي نحتاج فيه الانتقال من مرحلة الهجوم والتسقيط الى مرحلة التحالفات ؟!
فياترى من سيتحالف مع من ؟! ، وهل سنجد منافسي الأمس أصدقاء اليوم ، ام ان التنافس تحول الى خلاف لا يمكن حله الا من خلال مباركة الولاية الثالثة ؟! الأيام القادمة ستحدد هذا الامر ؟!