22 ديسمبر، 2024 10:49 ص

زيارة “بزشكيان” للعراق .. بين المكاسب الأمنية والاقتصادية ورسائل لواشنطن والغرب !

زيارة “بزشكيان” للعراق .. بين المكاسب الأمنية والاقتصادية ورسائل لواشنطن والغرب !

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

في أول زيارة خارجية له منذ فوزه في الانتخابات التي جرت في تموز/يوليو الماضي، زار الرئيس الإيراني؛ “مسعود بزشكيان”، “العراق”، وسط توترات إقليمية متعددة، أبرزها “حرب غزة” التي تُلقي بظلالها على الأوضاع السياسية في “العراق” والمنطقة كلها، إذ إن بعض الفصائل العراقية المسلحة القريبة من “إيران” أبدت دعمها العلني لفصائل المقاومة الفلسطينية، ما رفع من حدة التوترات مع القوى الإقليمية والدولية.

عن الزيارة؛ قال السفير الإيراني في العراق؛ “محمد كامل آل صادق”، لـ (بي. بي. سي)، إن: “زيارة بزشكيان تؤكد أن العراق يحظى باهتمام من منظور السياسية الخارجية للرئيس الإيراني، إذ أعلن أن سياسته الخارجية مبنية على أهمية دول الجوار، وللعراق أولوية في هذا المجال”.

وتابع “آل صادق”؛ أن: “العراق يستطيع أن يلعب دورًا مهمًا في توطيد العلاقات بين دول المنطقة، كما هو الحال عندما لعب سابقًا دورًا في إعادة العلاقة بين الرياض وطهران، وأن الإيرانيين يأملون أن يلعب العراق هذا الدور في توطيد العلاقة مع سائر دول المنطقة”.

ولفت السفير الإيراني إلى أن: “الملف الاقتصادي مهم وأن الجانبين سيتناولان هذا الملف حتمًا، وكذلك الحال مع الملف الأمني، وأنه توجد اتفاقيات ومذكرات تفاهم بخصوص الجانب الأمني ستوقع بين مسؤولي البلدين”.

اتفاقية أمنية..

وتأتي زيارة “مسعود بزشكيان”؛ إلى “العراق”، بعد تنفيذ الاتفاقية الأمنية بين “طهران” و”بغداد”؛ في آذار/مارس 2023، والتي منحت “العراق” مهلة حتى 19 أيلول/سبتمبر 2023؛ لنزع سلاح الأحزاب الكُردية الإيرانية المتمركزة في “إقليم كُردستان”، وإغلاق معسكراتها العسكرية، ولكن يبدو أن “إيران” لا تزال تتوقع المزيد رُغم تنفيذ “العراق” بنود هذه الاتفاقية.

ووفقًا للمعلومات التي تلقتها إذاعة (أوروبا الحرة)؛ “راديو فردا” الناطقة بالفارسية، من مصادر قريبة من الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الإيراني المعارض، تم في أيلول/سبتمبر من العام الماضي إخلاء مقرات الأحزاب الكُردية في المناطق الحدودية بالكامل، وذكرت هذه المصادر أن القوات التي كانت متمركزة في تلك المقرات تم نقلها إلى مخيمات تحت إشراف “الأمم المتحدة”.

وفي 05 أيلول/سبتمبر، قبل زيارة “بزشكيان”، تم إخلاء عدد من قوات حزب (كومله كُردستان إيران) من معسكراتها في المناطق الحدودية المشتركة بين “إقليم كُردستان” و”كُردستان إيران”، ونقلت هذه القوات إلى معسكر (سورداش) على بُعد (40) كيلومترًا من الحدود الإيرانية، كما منحت مهلة للقوات المتبقية من حزب (كومله) وعائلاتها للانتقال إلى معسكر (سورداش) لغاية العام الميلادي الحالي.

وفي 06 أيلول/سبتمبر، سلم “جهاز الأمن الكُردي” العراقي في “السليمانية”؛ (آسايش)، أحد أعضاء الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الإيراني، يُدعى “بهزاد خسروي”، إلى السلطات الإيرانية، والذي كان مقيمًا في “السليمانية”؛ بـ”إقليم كُردستان العراق”، ويحمل بطاقة لاجيء من “المفوضية العُليا لشؤون اللاجئين”؛ التابعة لـ”الأمم المتحدة”.

وفي وقتٍ سابق من شهر تموز/يوليو؛ قدمت السلطة القضائية الإيرانية قائمة بأسماء نحو: (120) من قادة وأعضاء الأحزاب الكُردية الإيرانية المعارضة المقيمين في “إقليم كُردستان” إلى الحكومة العراقية، طالبت بتسليمهم.

ملف الأموال الإيرانية المجمدة..

وفي تقرير نشره موقع (أمواج ميديا) الناطق بالفارسية؛ حول أهداف زيارة “بزشكيان” إلى “العراق”، ذكر أن “إيران” تسّعى إلى الوصول بشكلٍ أفضل إلى عائداتها من الصادرات، ولم يتمكن “العراق” منذ فترة طويلة من سّداد ثمن وارداته من الكهرباء والغاز مباشرة إلى “إيران” بسبب “العقوبات الأميركية”، وكانت حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق؛ “الكاظمي”، قد أعدت خطة لسداد هذه الديون عبر طرق بديلة لتجنب العقوبات، ووفقًا للتقارير، حتى منتصف عام 2022، سدد “العراق” معظم ديونه لـ”إيران”، واتخذ خطوات لتسوية ديون بقيمة: (800) مليون يورو مسُّتحقة على “إيران”، لـ”تُركمانستان”.

وعلاوة على ذلك؛ استخدم “العراق” حوالي: (1.2) مليار يورو من أموال “إيران” المجمدة في “بنك التجارة العراقي” لشراء سلع لفائدة “إيران”، ومع ذلك، تم تعليق ذلك خلال فترة رئاسة وزراء؛ “السوداني”، مما أدى إلى تفاقم ديون “العراق”، ومن المتوقع أن يتناول “بزشكيان” هذا الموضوع خلال زيارته ويبحث عن حلول أكثر فعالية.

وتُفيد بعض التقارير لا تزال مبالغ ضخمة من عائدات “إيران” من بيع الكهرباء لـ”العراق” مجمدة في البنوك العراقية بسبب “العقوبات الأميركية” على “طهران”. وفي وقتٍ سابق، أعلن نائب رئيس غرفة التجارة العراقية؛ “طارق الهاشم الفيهان”، أن حجم الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك العراقية بلغ: (11) مليار دولار، وخلال الأشهر الماضية، جرت عدة جولات من المفاوضات بين “إيران” و”العراق” حول كيفية الاستفادة من هذه الأموال.

وحسب موقع (باس نيوز) العراقي؛ تستهدف “إيران” الاستحواذ على السوق العراقية بالكامل، إذ أعربت عن سعيها لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة: (100%) حتى عام 2027، لتبلع: (20) مليار دولار.

أهم الشركاء التجاريين..

ورغم الحصار الاقتصادي المفروض على “إيران”؛ يُعد “العراق” أحد أهم الشركاء التجاريين لـ”إيران”، حيث فتح البلدان حسابًا خاصًا لتنمية التبادلات ويُريدان زيادة قيمة التجارة الثنائية بنسبة: (100%) إلى: (20) مليار دولار بحلول عام 2027، لكن “إيران” ليست التاجر الوحيد الموجود في السوق العراقية، ولهذا الغرض عليها أن تُنافس “تركيا”، باعتبارها المنافس الأقدم، وحتى “الصين والسعودية”.

استخدامه كوسيط إقليمي..

وترى إذاعة (راديو فَردا) الأميركية؛ أنه في المجال الدبلوماسي، من المتوقع أن تسّعى “طهران” لتعزيز دور “العراق” كوسيط إقليمي لفائدتها، لا سيما بين “إيران” والدول العربية الأخرى، حتى الآن، لعب “العراق” دورًا بارزًا في تقريب وجهات النظر بين “إيران” و”المملكة العربية السعودية”، ووساطة بين “إيران” وبعض الدول العربية مثل “مصر والأردن”.

ومن بين الخطط المعلنة لـ”مسعود بزشكيان” في السياسة الخارجية: “تعزيز العلاقات مع دول المنطقة”، وبالتالي من المتوقع أن يستغل هذه الزيارة إلى “بغداد” لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة.

وكان رئيس الوزراء العراقي؛ “محمد شيّاع السوداني”، قد حضر حفل تنصيب “بزشكيان” كرئيس لـ”إيران”، وخلال هذه الزيارة، أكد “بزشكيان” في لقاء مع “السوداني” على: “تعميق وتوسيع العلاقات بين دول الجوار والمنطقة، لمواجهة تدخلات القوى الخارجية في شؤون المنطقة”.

مراحل العلاقات بين “طهران” و”بغداد”..

ويرى الأستاذ في معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية الإيرانية؛ الدكتور “علي أكبر أسدي”، أن العلاقات بين “طهران” و”بغداد” كانت متقلبة بعد غزو “العراق”؛ وسقوط نظام “صدام حسين”، مضيفًا: “بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة في عام 2003، انتهجت إيران سياسة الحياد النشط تجاه الحرب والأوضاع في العراق المحتل، إذ شعرت بالتهديد من الوجود العسكري الأميركي، وكانت غير واثقة من مستقبل العراق السياسي، لكن مع تفكيك الهياكل السياسية والعسكرية والأمنية التابعة لـ (البعث)، وتشكل الهياكل الجديدة، بدأت إيران في تشجيع القادة الشيعة على المشاركة في هذه الهياكل الجديدة واللعب بدور رئيس في العملية السياسية”.

وتحدث “أسدي” عن دعم “إيران”؛ لـ”العراق”، ضد (داعش) إلا أنه لم يُشر إلى الظروف التي خلقها ظهور (داعش) للميليشيات الموالية لـ”إيران” من خلال تشكيل (الحشد الشعبي)؛ الذي يضم هذه الميليشيات الداعمة لـ”إيران” في “العراق”.

إلا أنه وفقًا لـ”أسدي”؛ فإن الفترة التي أعقبت عام 2018، دخلت العلاقات بين “إيران” و”العراق” مرحلة معقدة وصعبة، في حين كانت الاحتجاجات الشعبية في “العراق”، خاصة حركة تشرين أول/أكتوبر 2019، تحمل طابعًا “معاديًا”؛ لـ”إيران”، فقد أسهمت العقوبات والضغوط التي فرضتها إدارة “ترامب” في تفاقم التحديات بين البلدين، وعلى الرغم من أن “إيران”: “دعمت العراق” في عدة مراحل، إلا أن تقارب الحكومات العراقية مع “إيران”، إلى جانب الفساد وسوء الإدارة وبعض المؤامرات الخارجية، أسهم في تعزيز المشاعر السلبية تجاه “إيران” في الرأي العام العراقي.

يُذكر أن هتاف: “إيران برا برا”، كان الشعار الرئيس في احتجاجات العراقيين في “تشرين أول/أكتوبر 2019″، وعكس معارضة المحتجين للفصائل الموالية لـ”إيران” في “العراق”.

ومنذ مقتل قائد (فيلق القدس)؛ “قاسم سليماني”، برفقة “أبو مهدي المهندس”، من قادة (الحشد الشعبي)، وعدد من مرافقيهما في غارة جوية أميركية بطائرة مُسّيرة استهدفتهم لدى خروجهم من “مطار بغداد الدولي”؛ في 03 كانون ثان/يناير 2020، تحول “العراق” إلى ساحة لتصعيد التوتر بين “طهران” و”واشنطن”، ومن جهتها مارست إدارة “ترامب” سياسة: “الضغط الأقصى” على الوجود الإيراني في “العراق”.

وتولى رئيس الوزراء العراقي؛ “محمد شيّاع السوداني”، منصبه في تشرين أول/أكتوبر 2022، ممثلاً الفصائل الشيعية خارج (التيار الصدري)، وبهذا بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين “إيران” و”العراق”؛ ولم تعارض إدارة “بايدن” ذلك، إلى أن اندلعت “حرب غزة” في 07 تشرين أول/أكتوبر 2023، على إثر عملية (طوفان الأقصى) التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية وأبرزها حركة (حماس) على المستوطنات الصهيونية في “غلاف غزة”، فزادت الضغوط الأميركية على “بغداد” وزادت التحديات الناجمة عن قيام الميليشيات العراقية الموالية لـ”إيران” باستهداف القوات الأميركية من جهة وتراشق بعض الصواريخ نحو “الكيان الصهيوني”.

أولوية التركيز على الملف الاقتصادي..

يرى “علاء الخطيب”؛ في مقاله بصحيفة (العرب)، أن اختيار الرئيس الإيراني؛ “بغداد”، في أولى زياراته الخارجية بعد تنصيبه، لم يأتِ بشكلٍ عفوي، حيث تعتبر “إيران”؛ “العراق”، شريكًا استراتيجيًا لها، وفي ظل تدهور الاقتصاد والمعاناة من الضغوط و”العقوبات الأميركية” التي تواجهها، لا بُد من الاستعانة بـ”العراق” للتخفيف من الوضع المتفاقم لـ”طهران”.

ويوضح الكاتب أن التركيز على الملف الاقتصادي كأولوية من قبل الرئيس الإيراني يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها “إيران” في هذا السياق. فالوضع الاقتصادي يؤثر بشكلٍ كبير على حياة المواطنين وقدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية، أما في ما يتعلق بالملف السياسي وعلاقات “إيران” بالعالم فإن النهج الإصلاحي الذي يتبعه الرئيس يعكس الرغبة في تحسّين صورة “إيران” على الساحة الدولية وبناء علاقات أكثر إيجابية مع الدول.

ويُعد “العراق” من الدول القليلة المستثناة من “العقوبات الأميركية” النفطية على “إيران”، إذ تستمر “بغداد” في استيراد “الغاز الطبيعي والكهرباء” من “طهران” بموجب إعفاء أميركي يتجدد كل فترة.

رسالة لـ”واشنطن” والغرب..

ويقول مدير مركز (الاتحاد) للدراسات الاستراتيجية؛ “محمود الهاشمي”، لـ (بي. بي. سي)، إن الزيارة فيها رسالة إلى “الولايات المتحدة” والغرب وبعض دول المنطقة؛ مفادها أن “إيران” و”العراق” يتمتعان بعلاقة تتعمق أكثر في ظل الظروف الراهنة.

ويُضيف أن رئاسة “بزشكيان” امتداد طبيعي لرئاسة الراحل؛ “إبراهيم رئيسي”، الذي اختار “العراق” محطة لأولى زياراته الخارجية. ومن المُرجّح توقيع (30) اتفاقية في الشؤون الأمنية فضلاً عن الاقتصادية، وأخرى تتعلق بالماء والطاقة، مبينًا أن هذه الاتفاقيات سبق وأن تم الاتفاق عليها في عهد “رئيسي”.

وبحسّب “الهاشمي”؛ فإن مشكلة “العقوبات الأميركية” على “إيران” ومحاولة إيجاد طرق لتجاوزها، ستكون حاضرة خلال مباحثات البلدين.

ولفت الخبير الاستراتيجي؛ إلى أن: “إيران ترى العراق عمقًا استراتيجيًا للمقاومة، خصوصًا وأن إيران لا تزال تحضُّر للرد على اغتيال إسماعيل هنية”.

وأوضح “الهاشمي”؛ من جانب آخر، أن العراقيين يرون أنهم لم يستفيدوا بعد من الشركات الإيرانية سواء في الإسكان أو المشاريع النفطية ويطمحون إلى المشاركة لسهولة العمل ورخص العقود.

تعاون اقتصادى ذو جدوى..

من جانبه؛ يُشير الباحث والمختص في الشؤون المالية والمصرفية؛ “مصطفى حنتوش”، في حديثه لـ (بي. بي. سي)، إلى أن “العراق” يتشارك حدودًا تزيد عن (1400 كم) مع “إيران”، ما يجعل التعاون الاقتصادي بين البلدين ذا جدوى كبيرة. وأوضح أن “العراق” يستورد من “إيران” العديد من السلع مثل الكهرباء والغاز والحديد، بالإضافة إلى الفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان بما يُقدر: بـ (10) مليارات دولار سنويًا.

وأشار “حنتوش” إلى ضرورة وضع حلول اقتصادية من قبل “العراق” لتنظيم تجارته مع “إيران”، بحيث تشمل دعم المنتجات التي يمكن لـ”العراق” زراعتها أو صناعتها محليًا، بالإضافة إلى استيراد السلع التي يمكن الحصول عليها بتكلفة مماثلة من دول أخرى.

أما بالنسبة للسلع التي لا يستطيع “العراق” إنتاجها محليًا أو تغيير وجهة استيرادها، فإن الحل الأمثل هو أن يسعى “العراق” إلى الحصول على موافقة أميركية لاستيراد هذه السلع من “إيران” عبر منصة رسمية تشمل آليات مثل الحوالات أو الذهب، أو منطقة تبادل تجاري، كما هو الحال في بعض دول المنطقة مثل: “الإمارات وتركيا وعُمان”.

كما أشار إلى أنه على مدى العامين الماضيين، شهد “العراق” ضغوطًا على سعر الدولار في السوق الموازية بسبب الحظر الكامل على تحويل العُملات إلى “إيران”، سواء كانت بالدولار أو الدينار، في حين لا تزال هناك حركة تجارية وسياحية كبيرة بأسعار ملائمة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة