21 نوفمبر، 2024 4:02 م
Search
Close this search box.

مسالك مضللة

عندما نستطلع الأفكار منذ القدم سنجد انتقالات مهمة مع الزمن، فلا شيء ثابت ولا يمكن الثبات وإنما الكون بكل تفاصيله في حالة حراك وتغيير حتى الفكر فهو يتوسع ليتغير الفهم عند الإنسان بعد أن ظن فيه الثبات بفهم خاطي ودافع عنه وضحى فالساكن لا ينتج قطعا حتى وان لم يك ميتا.
فلو نظرنا إلى أفلاطون وعالم المثل عنده وأسلوبه في الاستقراء ما بين العقلانية التي تبتعد عن الرومانسية، وإقرار أرسطو طاليس عن طبيعة الأرض محور الكون والذي تبنته الكنيسة وكأنه منزل لتحكم بالهرطقة والموت على من يخالف هذا كغاليليو، وما تبناه الفقهاء والفرق الإسلامية من أفكار تسقط كلما ازدادت المعرفة بالماهية.
فمن وضع بالفلسفة العقلية التي بنيت بوضوح مع هيكل في النظر إلى الأفكار والمادة، ثم الواجب والمحسوس عند كانط، وانقلاب هذا كله مع ماركس الذي حصر الأمور كلها بجدلية واقعية أو كما افترض هو للمادة ووسائل الإنتاج وفسر الماضي وحاضره من خلال فكرة الصراع هذه، لكن ما تبين لاحقا أن التفكير بهذا الاتجاه ليس إلا نوعا من المصفوفات الإحصائية التي لا ترتكز إلى الحقائق وإنما إلى التجربة والتي تحتاج دوما إلى ترشيد، فالمفكر كالقائد الذي يتصور ارض المعركة، لكن حقيقة الموقف التعبوي عند العريف أو الجندي.
قام أحد الباحثين المعروفين هذه الفترة بإجراء إحصائية حول طبيعة التصلب في المجتمع العراقي ويفترض أن الغاية هي البحث عن علاج، لكن هل ممكن اعتماد هذا المنهج في بيئة مجتمعنا التي تعطي انطلاقة سلبية حزينة برد الفعل أو ما يسمى لغةً (الخُلق)؛ فمجتمع تعرض لصدمات عبر التاريخ بلا توقف بحكم كون منطقة هي احدى منطقتين عالميتين تعتبر مكان الاصطدام (Crash zone) والانطباع المتشكل من الرد الأولي لأي مجموعة أو شريحة في بيئتها تجاه ما يعرض عليها من أسئلة سيكون متجها للسلبية والشك والظن، ازعم أننا نحتاج تدقيق الخلاصات، هذا الإحصاء يسمى الإحصاء التجريبي والأساس أن تكون هنالك فرضية يتأكد من صحتها من خلال هذه العملية الإحصائية، لكن باستخدام الأساليب المتبعة في الإحصاء الظاهراتي ستجد نتيجة متباينة واحيانا مختلفة كليا، فعندما تتعامل مع منظومة متعرضة للانتقاد دوما واللوم من الجمهور وجئت أنت باستفسارك، فهي لن تأخذ استفسارك أوليا بحسن نية، وانا اكتب المقال جربت هذا الأسلوب عبر الفيسبوك مع جمعية خدمات مولدات الكهرباء فكان الفهم عكس مقصدي والرد جاف وفيه عدوانية، فأجبته بلطف اني مستغرب لجفاف أسلوبه مع مواطن لم يقصد إلا السؤال، وانه قد فهم سؤالي عكس المطروح، فانقلب كلامه تماما بل كرر اعتذاره وضخم من لطف أسلوبه وتجاوبه وانتقل بجوارحه ليقدم لي أية خدمة كتعبير عن إحساسه انه كان سلبيا ويريد أن يقول اني لست كذلك؛ أثق انه شخص طيب وإيجابي لكن الظرف والضغط جعل أسلوبه بالتعامل بما يراه ناجعا مع البعض، إذن الظاهراتي إيجابي، لكن الخُلق أو رد الفعل الأولي أعطى سلبية، فمجتمعاتنا لا يحكم عليها بأسلوب علمي رقمي جاف وإنما يتجه إليها إنسانيا والأمثلة لا تحصى.
بلادنا طاردة لطاقاتها لظرف إبداعهم المفقود ومكانتهم المختزلة لكن مجتمعهم له ارتباط وتأسيس في نفوسهم فهذه الطاقات تريد أن تعود وتتغنى بحياتها ضمن مجتمع ظاهره متعصب صلد، وعند فرحه فهو في منتهى الرقة والكرم والإيثار وقد يكون نفس الشخص يحمل السلوكين، إذن المشكلة في تكييف هذا المجتمع بتعريفه بنفسه وإشعاره بأهميته وفاعليته ونجاحه عندما يكون لطيفا وان يفهم قواعد الخلق والسلوك والا يأخذ الأمور بقسوة الأحكام على فعل قبل أن يرى رايه إن كان هو من مرتكب الفعل أو هل يمكن أن يفعل هذا، وان لا يطلب المثالية والتطابق في غيره بينما هو ومن خلال أسلوب حكمه ومحاسبته وهو غير مكلف بالحكم والحساب لم يطابق ما تعصب له.
ترى إنسانا يتعصب لفكره وهو يعيب على الآخرين العصبية، الحقيقة هذا لفاعلية الغريزة وسيطرتها على المنظومة العقلية، يصدر أحكاما عاطفية انطباعية في مفاصل أساسية لا يمكن أن ينظر إليها ناهيك عن تطبيقها ثم يتهم بفجور وفحش من يفكر لتكييف ما ينكل هو بالناس وسمعتهم لأجله غير منتبه لأسلوبه الفج في طرح فكره الخارج عن الواقع والتاريخ بالأسلوب الذي يعرضه فيه، وهذه ظاهره في المجتمع وليس فردية نتيجة أن هذا المجتمع مأزوم نفسيا وفكريا ويحتاج إلى صبر في معالجته وقبوله لتصويب مسار أفكاره وهذا ليس مناقضا للفكرة السابقة فهذه نتائج تختلف في مكانتها في التقييم عن الأساسيات كالفكر والغرائز والحاجات.
نستخلص:
الأفكار تتوسع في منظومة العقل وما كان يعتبر من الثوابت ومتبنى كنسيا في مثل أرسطوطاليس، هو إنتاج بشري له منطقه لكنه يصوب بالتفكير والنظر إلى الماهية، ثم نأتي إلى فكر الإسلام، الذي فهمه كبار الصحابة ومقاصده ومن ينظر إلى سيرة الخلفاء الراشدين وسلوك الحسن والحسين، ربما يرى سلوك الحسن نقيض سلوك الحسين رضي الله عنهما، لكن واقعا في المقاصد واحد، كذلك تصلب أبوبكر رض في الأحكام والمرتدين وتساهل عمر في الحدود عام الرمادة، ورفض توزيعه الأرض على الفاتحين الذي هو حماية لمصالح أهل المناطق المفتوحة ومازال الحكم قائما، ووقف العطاء للمؤلفة قلوبهم الذي هو فهم لمعاني التمكين، في المقاصد واحد والا في زمننا لحكم البعض على أبو بكر بالتعصب ولحكم على عمر بالتبديد والابتداع وتصور أن يأتي شخص أو حاكم في زمننا يجتهد اجتهاد كاجتهاده فهو حتما سيحكم عليه بالردة والكفر، مع كل هذا النموذج الطيب فهم اجتهدوا لعصرهم ولابد أن نعلم أن القرآن لا يمر عليه الزمن لكن الاجتهاد يمر عليه الزمن ويغادره لذا لابد أن نجتهد لعصرنا ونفكر بشكل يمكننا من إدارة الحياة والحفاظ على أهلية الإنسان الضرورية ليكون الإنسان مكلفا، وهذا هو واجبنا فالشريعة من اجل الإنسان وليس العكس ذلك منظور ممكن أن يحل مشكلة الإنسانية والبشرية التائهة رغم تطورها التقني فقد وصلت مرحلة التصادم الخطر الذي لا يعلم نتيجته إلا الله.

أحدث المقالات