في شهر رجب الذي صادفت ايامه من العام 0320 في شهر آب/ أغسطس كان صوت السيد محمد باقر الحكيم يهدر في ثنايا هجير آب اللاهب ويعلن تراجيديا التحدي بوجه فلول البعث، هذه الانتقالة الكبيرة التي أطّرها السيد الحكيم مع باقي اخوانه الذين عادوا من المهجر بعد ان التحفتهم السنين العجاف وهم يتقلبون بين المنافي في مواجهة البعث وينقلون الصورة الحية والحقيقية لمعاناة العراقيين الذين يعيشون سطوة الحرمان والألم تحت سياط الشوفينيين من البعث ومن ساندهم من دول المنطقة .
هؤلاء القادة نقلوا كل الممارسات التي قام بها نظام صدام فأفهموا العالم اجمع القريب من العرب والبعيد من الغرب وحتى متون جبال افريقيا، لكن كل هذا العالم لم يفقه قوة وسطوة ديكتاتورية النظام البعثي الفاشي الا بعد حين حيث الدمار الذي حلّ في المنطقة بسبب الحروب العشوائية التي لعب بها نظام صدام كما يلعب المعتوه بجمرة حارقة ، وقسوة التهجير للملايين من ابناء العراق الى المنافي .
لم يكن السيد الشهيد وحيدا على الساحة السياسية امام العالم بل كانت كل الأيدي والعقول تتحرك معه من باقي الاحزاب والمنظمات المناصرة لمظلومية الشعب العراقي ولذلك كان الخطر يداهم كل المخططات العربية في العراق حين عادت تلك الشخصيات الى ساحة العمل في العراق فبدأت ترسم للنيل من أي شخص تسنح الفرصة لاصطياده عبر عملائهم ومرتزقتهم الذين وفدوا الى ارض الوطن ليعملوا على تأسيس منظماتهم الإرهابية للقتل والدمار وكان اختيارهم الاول الشهيد السيد محمد باقر الحكيم وبهذا التفجير الارهابي افتتحوا مشاريعهم وانطلاقتهم الخبيثة حين عمدوا الى اسكات صوت السيد الحكيم رحمه الله وهو خارج من ضريح جده الامام علي (ع) بعد خطبة عصماء جعل فيها فلول البعث في مربع تحركاتهم المشبوهة وأوضح الحقائق امام الملأ انهم سيعمدون الى التآمر على العراق من قبل اولئك الشرذمة الذين انتشرت خلاياهم في كل بقاع الارض ليعيثوا فيها قتلا وتهجيرا ودمارا للبشر والحجر .
في هذه الايام التي نمر بها وسط التناحر السياسي نحن بحاجة كبيرة الى التلاحم والوقوف بوجه المخططات التي تتحرك علينا من كل حدب وصوب بدفع من بعض الدول العربية ليوفدوا الينا الكثير من عتاة الارهاب وينتشروا في صحراء العراق ويدخلوا مدننا رغما على إرادة الأهالي تحت وطأة قوة السلاح ليحولوا تلك المناطق الى خراب ودمار في مواجهات عنيفة مع قوى الجيش والامن الداخلي من اجل دمار العراق والعملية السياسية وكل التحول الديمقراطي في هذا البلد الجريح الناهض من أتون الديكتاتورية التي جثمت على صدره عقودا طويلة من
الزمن فغبن فيها حق اغلبية سكانه ليعيشوا مواطنين من الدورجة الثانية والثالثة لتتحكم به ثلة او عصابة نزت على حكمه دون حق .
في ظل التحول الذي نشهده ديمقراطيا اليوم في العراق وتحقيق الارادة الجماهيرية لأبناء الشعب العراقي نجد أننا بحاجة الى التراص والتلاحم والقفز على الجراح وإبعاد الأنا وترك المناكفات السياسية من اجل الوصول الى مركز القرار وحكم الدولة العراقية، كما علينا الانتباه الى السياسات الخارجية التي تحوكها ضدنا دوائر المخابرات في بعض مراكز القرار في العالم ، نحن اليوم بحاجة الى ان نعود قليلا في حنايا الزمن الماضي ونتذكر آهاتنا ومعاناتنا الكبيرة كيف ان الكثير من الدول حاولت ان تلعب بملفاتنا السياسية وتستغل كل صغيرة وكبيرة لضرب المعارضين وعلى امتداد الجغرافيا السياسية من الوطن العربي حتى بعض بلدان الغرب .
تحاول بعض مراكز صنع القرار في الدول الإقليمية ان تشق الصف السياسي لأكبر مكون في العراق وتنحاز لهذا الطرف او ذاك وتعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي حتى لا تكون هناك قوة سياسية قادرة على صناعة القرار السياسي العراقي بعيدا عن سياسة هذه الدول ، وما خطاب السيد الشهيد محمد باقر الحكيم في ذلك الوقت وخصوصا خطابه الأخير قبل التفجير الا تحذيرا من هذه الأجندة التي يعمل عليها اليوم دول عربية محددة لمنع أي تلاحم سياسي بين المكونات الاساسية للتحالف الوطني الذي كما يبدو في الظاهر قد تمكنوا من اختراقه وللأسف حتى بدأنا نسمع تلك التشنجات السياسية والتباعد القصري بين مكوناته
السياسية ، وهنا انا لا أتحدث عن البعد الطائفي بقدر ما هي لعبة السياسة من اجل تثبيت الحقوق لأبناء الشعب العراقي وخصوصا المكون السكاني الأكبر الذي ما زال يعاني الحرمان حتى بعد سقوط النظام السابق وهذا لا ينفي او يجعلنا نحرم المكونات الاخرى من الشعب العراقي من حقوقهم بل لزاما على المكون السياسي الأكبر الاستجابة لكل مطالب المكونات الأخرى والمساواة بين كل فرد عراقي مهما كانت قوميته او دينه او مذهبه.
من هنا أطالب كل القوى السياسية الوقوف الى جانب الشعب العراقي وترك الارهاصات التي تعمل على تمزيق العراق الجديد وعدم الاستماع الى الاصوات النشاز التي تصلنا من خارج الحدود بل الاستماع الى العقل والمنطق وصوت الشعب .