19 ديسمبر، 2024 6:53 ص

رواية “امتلاك سر البهجة”.. مقاومة النساء لوحشية الذكور

رواية “امتلاك سر البهجة”.. مقاومة النساء لوحشية الذكور

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “امتلاك سر البهجة” للكاتبة الأمريكية الإفريقية “أليس والكر” رواية كاشفة تشرح عادة ختان الإناث في أقسي صورها، وتقدم لها تبريرات ممن يساندها كما تقدم تصورات وأحاسيس النساء عنها.

الشخصيات..

تاشي: البطلة، فتاة إفريقية عاشت قي احدي القرى الإفريقية التي ابتكرت اسمها المؤلفة كرمز لكل القرى الإفريقية الأخرى، عانت في طفولتها من عادات وتقاليد قريتها والناس فيها خاصة العجائز من النساء والذكور، ويشاء حظها أن تصبح مواطنة أمريكية بسبب صداقة جمعتها بابن القس الذي أتي ليبشر بالدين المسيحي مما جعلها تتزوج منه كما ربطتها صداقة قوية بابنته أيضا.

آدم: ابن القس، أمريكي ملون من أصل إفريقي، تذهب عائلته لقرية إفريقية لأجل التبشير ويجد نفسه محبا ل”تاشي” ثم يتزوجها ويعيش معها سنوات طوال، لكنه مع ذلك كانت له عشيقة فرنسية تعرف عليها في إفريقيا أيضا.

اوليفيا: أخت “آدم” وصديقة “تاشي”، لا تظهر تماما إلا فيما يخص علاقتها ب”تاشي”.

ليزيت: امرأة فرنسية تقع في غرام “آدم” لكنه لا يرتبط معها سوي بعلاقة صداقة وعلاقة حميمية، وتظل ترسل له الرسائل طوال حياتها، كما تهتم بمرض “تاشي” ومعاناتها.

بيير: ابن “ليزيت” ومهتم هو أيضا ب”تاشي” ومرضها النفسي وقد انتقل لأمريكا ليعيش بجوار والده “آدم”.

ميلسيا: المرأة التي تقوم بختان الإناث في قرية “تاشي”، امرأة وصلت إلي مراحل متقدمة من العمر، وأصبحت رمزا قوميا يحتفي بها الجميع، وهي من داخلها تعي كم الزيف وتزييف الوعي الذي يقوم به الذكور تجاه الإناث.

الراوي..

اعتمدت الرواية علي تعدد الأصوات، كل الشخصيات في الرواية تحكي بصوتها وتقدم رؤيتها ووجهة نظرها تجاه ما يحدث ل”تاشي”، لأنها هي محور الرواية وتجاه أنفسهم أيضا، هذا التعدد جعل الرواية ثرية في الحكي وتقدم الموضوع بشكل متكامل.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 217 صفحة من القطع المتوسط، تبدأ منذ طفولة “تاشي” وتقفز في الزمن مركزة فقط علي الموضوع الهام الذي تتناوله، وهو تأثير عملية الختان الوحشية علي امرأة إفريقية هي “تاشي”، وكيف جعلتها تعاني طوال حياتها وتعيش حياة بائسة ومثيرة للشفقة. وتنتهي نهاية إيجابية باكتشاف سر البهجة وهو المقاومة، مقاومة النساء لما يحدث لهن.

الختان ووحشيته..

كرست الكاتبة روايتها لمناقشة ظاهرة الختان في أبشع صوره، حيث أنه في القرى الإفريقية ولدي القبائل الإفريقية يتم محو العضو التناسلي للمرأة، يتم قطع البظر وباقي العضو الأنثوي ويتم تخييط كل ذلك لتبقي فتحة المهبل ضيقة ومرضية للذكور الآثمين. فيؤثر ذلك أولا على جسد المرأة التي تعاني من الألم طوال حياتها، ألم يتحكم في طريقتها في المشي وفي حركتها في حياتها اليومية، كما أنها تعاني أثناء التبول وأثناء نزول الحيض حيث تنحبس الدماء داخلها وتنتج روائح كريهة والتهابات لا تطاق.

كما أنها تعاني أثناء العلاقة الجنسية مع زوجها في كل مرة يمارس معها العلاقة تتألم المرأة، وينتج عن ممارسة الزوج معها ألم وتمزقات ودماء، كما أنها تتعذب أثناء الولادة وكأن المرأة قد كتب عليها العذاب والمعاناة والألم لإسعاد الذكر الذي يريد أن يشعر بسلطته علي المرأة، ويشعر أنه المتحكم القوي الذي يدخلها بعد عراك وألم. هذه العملية الوحشية للختان هي أقصي مراحله، بينما هناك أنواع أخف تحدث في منطقة الشرق الأوسط وهي الاكتفاء باستئصال البظر فقط.

تقدم الرواية تفسيرات عديدة يحاول “بيير” عالم الانثربولوجي البحث عنها واكتشافها، لأن معاناة “تاشي” الحياتية زوجة والده كانت موضوعا شغل والدته في طفولته، وأصبح يشغله هو أيضا. فنجده يفسر من خلال أساطير بعض الأفارقة التي كانت منتشرة منذ القدم، فمثلا هناك أسطورة اعتبرت بظر المرأة هو الجزء الذكوري منها وأن الجزء الذي يستأصلونه من الذكر أثناء الختان هو الجزء الأنثوي منه، لذا يتم قطع تلك الأجزاء ليكون الذكر ذكرا خالصا وكذلك الأنثي أنثي خالصة.

كما يقدم تفسيرا آخر هو أن البظر كان يستفز الذكر ويهدد سلطته ويشعره بالتضاؤل أمام المرأة، لذا سعي بكل جهده لحرمان المرأة من ذلك الجزء الذي يشعره بقوتها في مواجهته كما يمنعه من أن يكون المسيطر القوي .

تفسير آخر هو أن الذكر شعر بضآلته حين وجد أن المرأة بإمكانها أن تتمتع بجسدها من دونه، وأنها بإمكانها أن تحصل علي المتعة دون وجوده فأراد حرمانها من ذلك ليكون هو الوحيد الذي يمنحها تلك المتعة. لكن مع الختان للأسف تحرم المرأة وبقسوة من حقها في المتعة، وفي أن تحصل هي أيضا علي اللذة فتكون مجرد آلة لتوفير اللذة والاستمتاع للرجل .

كان التركيز في الرواية علي امرأة واحدة اعتبرت هي النموذج لتلك المعاناة الجماعية للنساء، في المناطق التي يحدث فيها الختان، وهي “تاشي” التي أصبحت فيما بعد أمريكية بعد أن كانت مجرد فتاة في منطقة إفريقية. بدأت معاناتها بموت أختها “دورا” التي نزفت جراء عملية الختان حتى الموت، ولم تجد مساعدة من النسوة حولها، ثم تواصلت معاناتها حين حاولت الارتباط بجذورها وهويتها الإفريقية، في وقت كانت فيه حركات التحرر من الاستعمار في إفريقيا مشتعلة، فتصورت “تاشي” وقتها أن تمسكها بالطقوس الخاصة بقريتها يعني تمسكها بهويتها كإفريقية تكره الاستعمار، وتسعي للتحرر منه.

فتعرضت لعملية الختان، وأيضا لأنهم أخبروها أنها لن تجد رجلا إفريقيا ليتزوجها إذا لم تختن، لأن المرأة غير المختونة تعامل بقسوة أكثر من التي تبيع جسدها. ووقتها اكتشفت “تاشي” كم المعاناة والعذاب الذي عانته أمها وأختها، واعتل جسدها واعتلت روحها أكثر وأصابها الاضطراب النفسي سنوات طوال، كانت تعاني فيها من مخاوف ورعب وكوابيس.

سطوة الذكر وقت الثورات..

أبدعت الرواية في تصوير غرور الذكر وعنجهيته وقسوته في فرض أفكاره وتصوراته، حتى في أوقات الثورات والتحرر، فرغم أن قرية “تاشي” ومنطقتها كانت في مرحلة التمرد علي المستعمر الأبيض وكانوا يقدسون قائدهم الإفريقي الذي يقود تلك الحركة، إلا أن تلك السيطرة علي الأنثى كانت ما تزال موجودة وبقوة بل يروج لها الذكور والعجائز من النساء ممن يساندن أفكار الذكور ويروجن لها باعتبارها هوية قومية.

فختان الإناث وحرمانهن من المتعة واللذة والتسبب في العذبات والمعاناة جزء هام من الهوية الإفريقية، من وجهة نظرهم، لابد للمرأة أن تتمسك بها، حتى أن “تاشي” التي تربت مع صديقين أمريكين منفتحين فكريا نتيجة لذلك المد الثوري الكبير قررت أن تعود لهويتها الإفريقية لتشعر بهويتها وذاته،ا دون أن تتذكر أن تلك الممارسات والطقوس هي التي تسبب في موت أختها وفي معاناة أمها وانكسارها، كما عانت منها الكثير من النساء اللاتي سعت بعض منهن إلي الانتحار نتيجة الألم والمعاناة.

المقاومة سر البهجة..

لم تكتف الكاتبة بعرض وتشريح ظاهرة ختان الإناث، وإنما قدمت تصورا ايجابيا حينما تمت محاكمة “تاشي” التي انتقمت بقتل “ميليسا العجوز”،  محاكمتها التي تعنت فيها رئيس الجمهورية وأصحاب السلطة في بلدتها ورفضوا التدخل والعفو عنها، ورفضوا الالتماس بكونها مواطنة أمريكية، وتم التعنت في فرض حكم الإعدام علي “تاشي” خاصة وأنها اعترفت بقتل “ميليسيا”. فكان الجانب الايجابي تعاطف النساء معها وقيامهن بالمجيء أمام المكان الذي سجنوها فيه ليعبروا عن تضامنهن معها، وعن دعمها ومساندتها في مواجهة الذكور الذين كانوا يعاملونهن بعنف ويبعدونهن حتى يوم موتها، والذي أرادت السلطة الذكورية أن يكون صاخبا وعلنيا. يوم إعدامها تظاهرت النساء حاملات طفلاتهن ليؤكدن أنهن أيضا لا يرضين عن سلطة الذكور الظالمة والمجحفة.

أشارت الكاتبة إلي أمور أخري هامة مثل نشر مرض الايدز في إفريقيا من خلال حملات التطعيم لشلل الأطفال التي كان يأتي بها الرجل الأبيض، وأشارت أيضا إلي طمع الغازي الأبيض وجشاعته في الاستيلاء علي الكنوز الإفريقية واستعباد الناس.

الكاتبة..

“أليس والكر” كاتِبة،  وشاعرة،  وروائية،  وكاتبة مقالات،  وأستاذة جامعية،  ومدافعة عن الحقوق المدنية،  ومعلمة،  وكاتبة قصص قصيرة،  وكاتبة للأطفال،  وكاتبة سيناريو،  وممثلة،  ومنتجة أفلام،  وناشط مناخي .

من مواليد 9 فبراير 1944. كتبت حول العرق والجنس. وهي معروفة لروايتها التي نالت الانتقادات اللاذعة “اللون الأرجواني” 1982 التي فازت بجائزة الكتاب الوطني، وجائزة بوليتزر.

ولدت “ووكر” في  جورجيا. وكانت الصغرى من ثمانية أطفال. والدها، الذي كان، في كلماتها، «رائع في الرياضيات ولكنه مزارع فظيع» حقق فقط 300 دولار في السنة من المزارعة وصناعة الألبان. والدتها استكملت دخل الأسرة من خلال العمل كخادمة. عملت 11 ساعة في اليوم مقابل 17 $ في الأسبوع للمساعدة في دفع قسط أليس لحضور الكلية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة