20 سبتمبر، 2024 12:53 ص
Search
Close this search box.

حياة الماعز : إساءة للعرب والمسلمين

حياة الماعز : إساءة للعرب والمسلمين

أثيرت في الأسابيع الماضية ضجة كبيرة ضد إحدى البلدان العربية بسبب ما احتواه احد الأفلام الهندية الذي عرض في دور العرض السينمائية وفي القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل ، بحيث شكل عرضه ( ترند ) بلغ عدد رواده عشرات الملايين من العالم ، وفيلم ( Goat Live The) او حياة الماعز مستوحى من رواية روج على أساس انها تنقل أحداث حقيقية وآخرون يعدونها خيالية ، والرواية من تأليف الهندي ادوجيفيام ( Adujeeitham ) وقد نشرها في الهند لعدة مرات وبواقع 250 طبعة ، وقد نقلت الرواية إلى فلم من انتاج هندي وتم عرضه في آذار 2024 ونقلتها Netflix ) شركة أمريكية متخصصة بإنتاج وتوزيع الأفلام والبرامج التلفزيونية ) منذ تموز الماضي ، والمخرج (Blessy )الهندي هو من تولى إعداد السيناريو والإخراج والإنتاج ، وتدور أحداث الفلم حول قصة اثنين من مواطني الهند ( نجيب ، حكيم ) حيث غرر بهما احد ( المحتالين ) من بلدهم إذ قبض منهما مبالغ كبيرة لقاء تسفيرهم للخارج و تشغيلهم في واحدة من البلدان العربية ، ورسم لهم أحلاما وردية حيث ذكر لهم بأنهم سيعملون في شركة بذلك البلد وستوفر لهم رواتب مجزية وسكن مريح ، وبمجرد وصولهم للمطار فسيكون ممثل عن الشركة بانتظارهم باعتباره الكفيل ( الكفيل أسلوب معتمد في بعض الخليج العربي وغايته التكفل بالمسؤولية عن الوافد الأجنبي ) ، وبعد وصولهما للمطار لم يجدوا من يسال عنهم رغم إن هناك مجاميع من الهنود الوافدين قد غادروا المطار بصحبة ( الكفيل ) ، ورغم إنهما يتحدثان اللغة ( المالايالامية ) إلا إن حكيم كان يجيد نوعا التحدث باللغة الانكليزية ، إلا انه ونجيب لم يجدا جوابا لسؤالهم عن من يقودهم إلى الشركة التي وعدهم بها المحتال الهندي وظلوا ينتظرون لعدة ساعات في المطار ويسالون هنا وهناك دون جدوى وكأنهم تائهون ، وقد صادف ذلك وجود شخصا عربيا اكتشف إنهم وقعوا بفخ نصب واحتيال فاستغل الموقف وطلب منهم إن يرافقوه وقد اعتقدا انه الوكيل ، وقد أذعنوا لطلبه باصطحابهم دون أن يتأكدوا انه ممثل الشركة الموعودة ودون أن يناقشوه بهويته وصفته والى إلى أين هم ذاهبون فقد تصرفوا معه بطريقة البلهاء .
وتبدأ مسيرتهم السيئة مع هذا الشخص حين طلب منهم الصعود في ظهر سيارة حمل يقودها حيث لم يسمح لهم في الجلوس إلى جنبه في مقدمة السيارة ( الصدر ) بشكل إنساني مريح ، وبذلك أشعرهم بالاهانة من الأول ولكنهم جاروه دون تمرد او اعتراض او محاولة الترجل من السيارة على الأقل ، وبعد إن شقت العجلة طريقا في الشوارع المعبدة اتجهت إلى منطقة صحراوية ، وعندما مر السائق بأحد معارفه طلب من حكيم أن يترجل ويكون بصحبة هذا الشخص الذي يعمل مربيا للجمال ، ثم واصلت السيارة سيرها حتى استقرت حيث مكان ( العربي ) وهو مربي الأغنام واخبر نجيب بان عمله سيكون في هذا المكان وفي رعاية الحيوانات وسط الصحراء ، واجبره في الليلة الأولى على المبيت في العراء وحاول نجيب أن يعترض على المعاملة القاسية التي أبداها مربي الأغنام ولكن اختلاف اللغتين بين الاثنين لم تساعده في إيصال أي مما يرفض او يريد ، وبمرور الأيام اظهر ( العربي ) مزيدا من القسوة على نجيب ورفضه السماح له بالاتصال بأهله ليطمئنهم انه موجود ، ويعرض الفلم حالات مأساوية مرت به من حيث الحصول على المأكل والمشرب والاضطرار للمبيت مع الأغنام واستخدامه المياه كانت تجلب لهم للشرب ، وحسب الرواية فان هذا الحال استمر لأكثر من 3 سنوات ولكن نجيب لم يكن يعرف كم مر على وجوده لأنه يعيش عزلة كاملة عن العالم الخارجي ويفتقد لكل ما يشعره بأنه إنسان ، وبسبب التعب والجوع والافتقار لأبسط لشروط العيش فقد تعرض للضعف والهزال ، وفي إحدى المرات وأثناء رعيه للغنم في أرجاء الصحراء التقى بصاحبه حكيم الذي كان يرعى الجمال في منطقة قريبة منه ولم منه انه يمر بذات الحال من القسوة والظلم والعبودية والحرمان ، ولأنهما علما بوجود حفل زفاف في المنطقة التي يتواجدون فيها وسينشغل بها من استعبدهم فقد اتفقا على الهرب في ليلة الزفاف في غفلة الموجودين مهما كلف الأمر ، ونفذا ما يريدان بالفعل وسارا وسط الصحراء هم يجهلون الطريق ويسيرون في سراب ، ومن حسن القدر فقد صادفا شابا اسمه ( عبد الله ) حيث شاركهم النوايا في الهرب ووعد بمشاركتهم الهدف ومساعدتهم لأنه يعرف الطريق ، وخلال أيام وساعات طويلة مضوا في خطتهم رغم إنهم يفتقرون للحد الأدنى لما يكفيهم من الماء والطعام ، ولهذا تعرضوا إلى المرض والجوع والعطش ولم ينجو منهم غير ( نجيب ) الذي كان قد استبدل ملابسه من الحقيبة التي جلبها معه من الهند والتي أصر على الاحتفاظ بها رغم ما مر به من ظروف ، وعند وصوله إلى الطريق العام وهو في حالة وهن وضعف شديدين كان يستغيث بالسيارات المارة لنقله إلى أي مكان ولكنهم لم يستجيبوا له كونه غريب وبمظهر الرث والمريب ، وبالصدفة استجاب له رجل عربي كان يقود سيارته حيث سمح له بالصعود ولم يستطيع الاستفهام عن حاله لان نجيب فقد تركيزه واتزانه بشكل كبير بسبب عبوره الصحراء وما سبق ذلك من حيف ، وبنظرة عطوفة ناوله قنينة من الماء فشرب ما فيها بشغف ، وعند بلوغ احدي النقاط طلب من نجيب الترجل من السيارة وهو بحالة بائسة وانتهى به الأمر في احد مراكز الاحتجاز لمن ليست لديهم اقامات او وثائق رسمية او جوازات سفر للتعريف ، ولم يكن المحجر أفضل حالا من الصحراء حيث كانوا يسمحون للكفلاء باستعادة الوافدين الهاربين من قسوة معاملة العرب لهم ، وقد حضر الشخص الذي استغل نجيب للمخفر وتعرف عليه ، ولكنه لم يطالب باستعادته لأنه لم يكن كفيلا له بالأصل وإنما استغل موقفا لاستعباد اثنين سبق وان ظلوا طريقهم في المطار .
والطريقة التي عرض فيه الفيلم من حيث التصوير والموسيقى المرافقة و( Feed Back ) وغيرها من الأمور الاحترافية توحي بأنه أنتج بشكل متقن لكي يأخذ طريقه في الانتشار ويدل على ذلك انه استغرق به لخمس سنوات لعرض على المشاهدين ، ومشاهده جسدت مأساة إنسانية تعرض لها نجيب وصاحبه بالفعل ، ولكن الأحداث التي عرضت فيها مبالغة شديدة وكانت الأقرب كثيرا للخيال وكأن الهدف من إنتاجه استدراج العواطف ونقل رسالة سوداوية عن سوء معاملة العرب ( المسلمين ) للوافدين من الخارج ، وفي مشاهد متكررة تم التأكيد على إيمان نجيب غير المسلم ب ( القدير ) في تخليصه بما هو فيه وقد شاركه بذلك الإيمان حكيم حين التقوا واتفقوا على الهروب ، وبشكل عام فان الفلم يشد المشاهد لمواصلة أحداثه خلال مدة عرضه التي تزيد عن 170 دقيقة ، ولكن الفيلم فيه العديد من المغالطات التي جسدت المثل الدارج انه فلم ( هندي ) ، فمن حيث البداية كان المثول لرجل مجهول الهوية وبدون تعريف و اصطحابهم بطريقة لا إنسانية تنم عن مبالغة ، إذ كيف يعقل لشابين جاءا للعمل في شركة محترمة أن يصعدا بظهر السيارة وفي مكان مخصص لنقل الحيوانات ومن دون التأكد إلى أين هم ذاهبون ، وحتى أن كانوا تحت وطأة الاضطرار فمن غير المعقول أن يتقبلوا سوء المعاملة المتواصلة وكان بإمكانهم الرفض او التمرد من البدء والهروب من خلال حوضيات نقل المياه للأغنام او الاستجارة بمن كان يزور الشخص الذي اعتقدوا انه الكفيل ، فهم رضوا العيش بذل على الموت الذي هددهم به بسلاحه مالك الأغنام ، كما إن من غير المعقول أن يبقى مربي الأغنام يترك راعيه بتلك الظروف القاسية باستمرار اقلها لأنه آمنه على ( ملكيته ) ، والمخرج الذي قدم نجيب جائعا وعطشا لعدة أعوام ربما نسي إن الأغنام التي يرعاها من الممكن أن تكون مصدرا توفر له أفضل التغذية من خلال ( حلب ) حليب إناث الأنعام ( من الماعز والأغنام ) التي كان يرعاها بعيدا عن أنظار ومراقبة المالك ، فهي قضية بديهية ويمكن ولوجها من قبل الهندي او أي إنسان والمشاهد الأولى من الفلم لم تظهر نجيب ابن مدينة ويمكن أن يجهل مثل هذه البديهيات ، والقسوة التي بدت على صاحب الأغنام الذي انتحل صفة الكفيل لم تكن معقولة وتدوم بشكل نمطي ولعدة سنين من قبل عربي ومسلم مهما كانت الظروف فكيف الحال مع غريب يؤدي له عمل في رعاية ملكيته من الحيوانات ، والتاريخ العربي والإسلامي قلما يروي حالة مفردة من هذا التصرف والظرف حتى في الحروب والغزوات ، والفلم بشكل عام اظهر حالة سوداوية عن واقع حال تصرف العرب والمسلمين مع الأغراب سواء أصحاب الحلال او أصحاب السيارات المارين بالشارع العام الذي وصل أليه نجيب والأمر يستمر عند المركز الذي تم إيوائه فيه ( المحجر ) ، وبشكل يوحي بان السكان في ذلك البلد العربي المسلم ( السعودية ) لم يملكوا أي من درجات الرحمة اتجاه الآخرين ، كما أكد الفلم على إبراز الفرق بين مسلمين تعاملوا معهم وهم خالين من الرحمة والأيمان وبين أنفسهم التي احتفظوا من خلالها بالإيمان والاعتماد على القدير رغم إنهم لم يكونوا مسلمين ولم نعرف ديانتهم في الأحداث .
وهناك العديد من الأسئلة التي تدور حول أسباب ودوافع الترويج الواسع للرواية ( 250 طبعة ) وللفلم في هذه الأيام ، رغم إن الإحداث تعود لعدد كبير مضى من السنوات والبعض يقول إنها حدثت في تسعينات القرن الماضي ، وبغض النظر عن وجهات النظر عن الدولة التي دارت بها الأحداث فان المعاملة التي عرضت بين المالك والراعي ليست من أخلاق ومعتقدات الكثير ففي الواقع العربي إن الراعي غالبا ما يحظى باهتمام المالك ويعامله بلطف ليضمن الحفاظ على ما يملك باطمئنان ، ومن حق قارئ الرواية ومن شاهد الفيلم أن يسال كيف التقط المؤلف أحداث وتفاصيل الرواية وشاهدها ( نجيب ) وصل لحالة نفسية أفقدته الكثير من قواه البدنية والعقلية ، وإذا كانت هذه القصة كما روج لها كثيرا في الهند منذ سنوات فلماذا لم تحرك الحكومة الهندية ساكنا اتجاه الدولة التي ألحقت إضرارا بالمواطنين الهنود ، فمن حق الرأي العام الهندي أن يعبر عن استنكاره لما مر به مواطنيه بعد أن تحول الموضوع لرأي عام ويطالب بمقاضاة الجناة والمطالبة بتعويض او ضمان معاملة حسنة للوافدين ، كما إن اطلاع ملايين الهنود على رواية ( حياة الماعز ) يفترض أن يكون سببا مانعا لهم للعمل في البلدان العربية ، ولكنهم يتواجدون بالملايين فيها بضمنهم 3 ملايين في البلد الذي دارت فيه الأحداث ، ومن المؤسف أن تمضي أحداث هذا الفيلم وربما سيحصل على جوائز وتترك أثرا سيئا عن إنسانية العرب والمسلمين ، في وقت تحتضن دول الخليج العربي بالذات عددا كبيرا من الهنود وإيراداتهم تشكل مصدرا مهما لميزان المدفوعات والدخل القومي ، كما إن من المؤسف أن يتم تبني هكذا قضية وهي تتعلق بحالة فردية نشك في إنها واقعية او إنها جرت بالكيفية التي عرضت بها ، فهي مرفوضة حتى وان كانت من نسج الخيال ، ومن المفروض بالجهات المعنية من منظمات إسلامية او عربية او إنسانية أن ترد على ما ورد فيه من إساءة ، ورغم إن المخرج عرض بأنه ليس الهدف هو الإساءة لدولة أفراد إلا إن الإساءة وقعت لان هناك كثيرا من الدلالات إنها تمت ببلد عربي – إسلامي ، ولأنه فلم هندي فانه لم يعرض ما فعله ( نجيب ) بعد عودته لبلده مع مواطنه الهندي الذي أوقعه باحتيال و أقنعه بتشغيله بكرامة خارج البلاد بعد أن دفع له مبلغ كبير من المال ، فقد تغاظي الراوي والمخرج وانشغلوا باظهار الجميع مسيئين ممن تعامل معهم في البلد الذي رحل إليه .

أحدث المقالات