20 سبتمبر، 2024 12:33 ص
Search
Close this search box.

خالة انا دخيلة …!!

خالة انا دخيلة …!!

عندما ولدت فاطمة , لم يفرح ابوها كثيرا , لأنه تزوج امها بعد زواجه الاول الذي انجب منه فتاتين بغاية الجمال الا انه كان يريد ولدا حتى وان كان قبيحا او معاقا , لذلك طلق زوجته الاولى من دون مسوغ قانوني او انساني , واقترن بزوجته الثانية التي انجبت له الطفل الاول وكان ولدا , وسماه محمد , وفرح به فرحا كبيرا , ثم جاءت من بعده فاطمة , والتي ذكرته بزواجه الاول وتجربته الفاشلة في انجاب الذكور , الا انه عامله كما عامل اخواتها الاخريات بالرفق والاحسان , وتمرضت امها بالسرطان وهي في الخامسة من عمرها , والتحقت امها بالرفيق الاعلى , وتكفلت اختها الكبرى سحر بالاعتناء بها , وبعد عامين تزوجت سحر وغادرت منزل  العائلة , ولم تكتف الاقدار بما الت اليه الامور في هذه العائلة , اذ توفى الوالد اثر نوبة قلبية مفاجئة بعد سنة من زواج سحر , وضاقت الدنيا بما رحبت على الاخت الكبيرة اشواق وفاطمة واخيها محمد والذي يكبرها بأربع سنوات ؛ بينما تكبره اخته من ابيه اشواق بخمس سنوات , وتكفل الجيران بمراسيم دفن الاب ؛ لانهم كانوا مستأجرين البيت ولم يترك ابوهم لهم شيئا يذكر فقد كان فقير الحال , يسعى من اجل القوت والكفاف ليس الا , ولأنه الوحيد لأبيه فقد عانى من صروف الزمان وغدر الناس , وعاش بلا ناصر ولا معين , ولعل هذا السبب هو الذي دفعه للتشبث بفكرة انجاب الولد وتفضيل الذكور على الاناث … , وبعد رحيل الاب كشرت الدنيا عن انيابها وابان الزمان عن وجهه الاخر القبيح , واعلن الدهر الحرب على هؤلاء الايتام الصغار , فقد ذهلوا من وقع المصاب ومرارة الفقد وذهاب المعيل والحامي والكافل , وقاسية هي الحياة التي تصدم الافراد وهم صغار , اذ يكبرون وتكبر معهم الهموم والالام والمسؤوليات والتحديات , لاسيما وانهم يعيشون في مجتمع تضربه الفوضى العارمة من شماله الى جنوبه , وتعتريه غيوم التناقضات ويمتلئ جوه بأدخنة الصراعات والازمات , ويختنق ابناءه بسموم التلوث الروحي والحضاري والبيئي , ومما لاشك فيه ان هذه المقدمات السلبية ستسفر عن نتائج مؤلمة بل واشد قسوة وظلما وظلاما , فالظلم يتراكم كالقمامة اذا أهملت , وعندها تزكم رائحته الانوف , وبعد شهرين من وفاة الوالد قرر صاحب البيت طردهم من البيت , لعدم استطاعتهم دفع الايجار له , ولأنهم خلال الشهرين المنصرمين كانوا يدبرون امورهم بواسطة مساعدات وصدقات الجيران , وهنا وقع المحذور وحدث ما لم يكن في الحسبان , فها هي اشواق تنظر بوجه اخيها الصغير محمد وهما يتبادلان اطراف الحديث حول مصيرهم المجهول , وقررا بعد المشاورات والتفكير المضني , البحث عن شقة في احدى العمارات السكنية في احدى المناطق الزراعية الرخيصة , وعثرا على شقة صغيرة في الطابق الثاني لا يتجاوز ايجارها 150 الف في الشهر , وبعدها خرج الصبي محمد الى الشارع لبيع قناني الماء البلاستكية في الشوارع , وتعرض هذا الولد الذي كان مدللا ومنعما بظل ابيه الذي كان يحبه حد الوله , لشتى الاهانات والمضايقات في الشوارع , وتغير لون بشرته البيضاء التي احرقها لهيب اشعة شمس تموز واب , واخذت تميل نحو الاسمرار شيئا فشيئا , وبدأت ملامحه تسير نحو التقدم بالسن , فكأنه شيخ في زمن الصبا , من كثرة الهموم والمصاعب التي يواجهها في الشوارع لاسيما من ابناء الشوارع او من الذين يتخلقون بأخلاق ابناء الشوارع .

وكانت حصة فاطمة من البؤس والفقر وسوء التغذية والاهمال وظلم الزمان , حصة الاسد , فقد عانت هذه البنت منذ نشأتها الاولى من الحيف والغبن , اذ جاءت الى هذه الحياة بجسم هزيل شبه معاق , اذ كانت يداها رفيعتين , وقدامها ضعيفتان للغاية وكأنها تعاني من مرض السل لشدة نحافتها , فضلا عن انها تعاني من نوبات الربو , ويعلو محيها الاصفرار بسبب فقر الدم , وتعاني من النحول والكسل بسبب الضعف العام , وكانت تتقلب على الفراش كل ليلة كالشخص الملدوغ من اخطر الافاعي , يؤرقها القلق والخوف , ويحرمها الحنين الى صدر امها الدافئ لذيذ النوم … .

كانت النقود التي يأتي بها محمد يوميا الى الشقة لا تكفي لسد كافة الاحتياجات الضرورية ؛ فالشقة تحتاج الى دفع فواتير واجور الايجار والكهرباء والماء والانترنت والاتصالات ؛ فضلا عن ضرورة توفير الغذاء والدواء والملابس والمواد المنزلية  والاجهزة الكهربائية ؛ وعندها راجعت اشواق حساباتها مع اخيها , وبدأت التفاوض معه مرة اخرى لإيجاد مخرج لهذا المأزق , وبعد اللتيا واللتي استطاعت اقناع اخيها بضرورة نزولها الى العمل , ولم يكن موافقا في بداية الامر الا انه رضخ للأمر الواقع , فأحيانا لا تستطيع القيم والمبادئ مواجهة سطوة الحياة وقسوة الواقع , فما ضرب الله العباد بسوط أوجع من الفقر , ولا يوجد أمر من العوز , والانكى من ذلك كله : ضياع الأيتام على موائد اللئام … .

تقربت احدى النساء الساكنات في نفس العمارة السكنية التي تسكن فيها عائلة اشواق , من اشواق وبعد ان تعرفت على ظروفها , وشاهدت مفاتن جسمها ومحاسن جمالها و بعد توطد العلاقة بحكم الجوار ؛ سال لعاب جارتها ام ميادة عليها , اذ رأت فيها صيدا ثمينا , يستحق الجهد والعناء , و طالما حملت ام ميادة الطعام الى شقة اشواق , وقد اهدتها بعض العطور والإكسسوارات النسائية والملابس الداخلية المثيرة , وشعرت اشواق بأن ابواب السماء فتحت لها وان الحظ حالفها هذه المرة , عندما بعث لها القدر هذه الجارة الطيبة الكريمة , ولم تكن تعلم بأن المصائب و( الطلايب) لا تأتي فرادى بل كتائب كتائب , ولم تسمع بالمثل الايطالي القائل : ( احذر من الذي يقدم لك الكثير من الهدايا ) بالإضافة الى ان الرؤية الواضحة والقرار القوي والرأي الحكيم والصارم  لا يأتي من موقع الضعف ابدا , فالضعف يولد مزيدا من الضعف .

ام ميادة ضحية هي الاخرى من ضحايا الفقر والعوز والبؤس , فهي لم تكن بهذا السوء عندما كانت تعيش في كنف اهلها الذين رحلوا عن بكرة ابيهم , والتي اقترنت بشخص عديم الشرف والمسؤولية والرجولة , رمى على كاهلها مسؤولية البيت والعيال , وتفرغ هو لمعاقرة الخمور مع اصدقاء السوء , ولعب القمار( الدمبلة)  في نوادي القمار , والادهى انه احيانا يصرف ما تبقى لديه من نقود على بائعات الهوى , وكان ابو ميادة سائقا ( سائق سيارة اجرة / تكسي نوع سايبا ) ولم يكتف بما يصرفه من وارد سيارة الاجرة على ملذاته الشخصية , اذ طالما أخذ من ام ميادة النقود .

في بادئ الامر عملت ام ميادة خادمة في احدى البيوت / وفي احد الاحياء السكنية الراقية ببغداد , الا انها عزفت عنه , بسبب سوء المعاملة وقلة الادب من صاحبة البيت المتعجرفة , وبعدها عملت حفافة في شقتها الا ان نساء المنطقة يمتعن من الذهاب اليها في شقتها , وذلك بسبب منع ازواجهن لهن من الدخول في العمارات السكنية , وقد اشارت عليها احدى النساء بالذهاب الى صالون حلاقة ( ؟ ) للعمل فيه مع صاحبة الصالون والمدعوة شهد , وذهبت ام ميادة اليها وتم الاتفاق بينهما , وشرعت في العمل , وبمرور الايام وتوطد العلاقة بينهما , بدأت شهد بالحديث عن ان النساء اللاتي يلعبن بالأموال ويلبسن الحلي الذهبية ويركبن احدث السيارات , لسن بأفضل منك يا ام ميادة , فردت ام ميادة : قسمة ونصيب ولكل انسان نصيبه في هذه الحياة , فردت عليها شهد مستهزئة : يا قسمة يا نصيب ( الشغلة شغلة شطارة ) , واستمر مسلسل الاغواء الشيطاني الى ان وقعت في الفخ , واصبحت ام ميادة من بائعات الهوى , ولم تكتف شهد بذلك بل راحت تشجع ام ميادة على التغرير بالصبايا واقناعهن بضرورة سلوك هذا الدرب , و وعدت ام ميادة بأن لها مكافئة مجزية وهدية رائعة مع كل ضحية جديدة وصبية جميلة … .

وشاءت الاقدار ان تسكن اشواق بالقرب من ام ميادة الواقعة تحت تأثير الكوافيرة شهد صاحبة الصالون الذي هو اشبه ( بالكلجية ) بالبؤرة المشبوهة لاصطياد النساء لاسيما الجميلات منهن وبالتعاون مع بعض رجال القانون والامن المنحرفين والفاسدين , ولسوء الحظ كانت اشواق اولى ضحايا ام ميادة … , فبعد الحاح ام ميادة على اشواق واقناعها بضرورة العمل , وبعد مناقشة الامر مع اخيها محمد واقتناع الاخير به وان كان على مضض , ذهبت اشواق بمعية ام ميادة الى صالون حلاقة الكوافيرة شهد , وبعد الترحاب والمجاملات , شرعت ام ميادة بتعليم اشواق فنون الحلاقة والتجميل , وبعد مضي شهرين على العمل , بدأت شهد بإغواء اشواق والايقاع بها , الا انها واجهت صعوبة بالغة في اقناع اشواق لكونها صبية باكر وغير متزوجة وتخاف من الرجال , واستمر مسلسل الاغواء شهرين , فقد قدمت شهد خلالها مختلف الهدايا الثمينة , واقنعت اشواق بضرورة تجربة الحب والعشق لاسيما وان الشاب نزار الثري كان وسيما وخفيف الظل , وقد اتفق مع شهد منذ البداية على اشواق , واغرت شهد اشواق واقنعتها بأن الشاب نزار يريد الزواج منها على سنة الله و رسوله , وكانت اشواق تمانع وترفض , وفي احدى الايام جاءت شهد ومعها خاتم ذهب عيار 21 جميل للغاية وقدمته لأشواق , وقالت لها ان نزار ارسله لها , كعربون محبة , وهنا تغير تفكير اشواق جذريا , فالذهب طالما فتح مغاليق ذهن المرأة وكسر سلاسل حذرها , وبعد يومين وافقت على رؤية نزار والالتقاء به … .

وقد جلس الذئب الغادر نزار مع الشاة البريئة اشواق , وبدأ يحدثها عن حبه لها و ولعه بها , ورسم لها قصورا عالية من السعادة والنعيم , و وعدها بالأمن والامان والطمأنينة والاستقرار , واقسم لها بأغلظ اﻷيمان بأنه سوف يصونها ويحميها ويحفظ شرفها , ويتزوجها على سنة الله ورسوله ولا يخذلها ابدا … .

وقد اتقن نزار الدور وأجاد التمثيل , ولا ينبئك مثل خبير , فهو زير نساء وخبير بشؤونهن أكثر منهن احيانا , ولذلك لكثرة ضحاياه منهن ؛ فالمعلومة قد تكون بلسما شافيا وقد تكون سما زعافا , اذ سار معها في الاسبوع الاول بسيرة فرسان الاحلام , وفي الاسبوع الثاني أغدق عليها بالهدايا والعطايا , فضلا عن اطعامها بما لذ وطاب من الاطعمة وفي أرقى المطاعم , وكأنه حاتم زمانه , وفي هذه الاثناء شعرت اشواق انها في الجنة , وحلقت بأحلامها البريئة وامانيها المؤجلة الى عنان السماء , واصبحت ترى في نزار الشاب الانموذج والرجل المثالي الكامل ؛ فقد جمع بين جمال الجسد والروح وطيبة النفس ورقي التصرف , واحيانا تنظر اليه بدهشة ويسرح خيالها بعيدا , وتتمنى لو انها تعانقه وتقبله من فمه ورقبته وجبينه , وتضع رأسه على صدره , لولا الحياء الذي يمنعها , ولا تعلم انه كان يعرف تمام المعرفة بمزاياه وسماته بالإضافة الى معرفته بنقاط ضعفها ؛ فهو كان كالقصاب الذي يطعم الخروف بسخاء , كي يذبحه فيما بعد , ويطبخه على نار هادئة الى ان يذوب اللحم ويتهشم العظم … .

بدأت التحضيرات وجرت المفاوضات بين الكوافيرة شهد والشاب نزار حول افتضاض بكارة اشواق , والمبلغ المطلوب ازاء ذلك , واتفقا الطرفان على التفاصيل , وشرع نزار بتنفيذ الفصل الاخير من المسرحية الدرامية والمتكررة دائما في امكنة وازمنة البؤس المتكلس والشر المتجذر ؛ وطلبت شهد من اشواق بضرورة البقاء في الصالون ثم الذهاب معها الى البيت بحجة كثرة الزبائن , اذ طلبت منها ان تأتي الى العمل يوم الاربعاء وترجع الى شقتها يوم السبت , وذهبت اشواق الى اخيها واقنعته بضرورة المبيت في العمل بسبب ازدحام العرائس على الصالون , وخلال هذه الاثناء كانت فاطمة تراقب تصرفات اخيها محمد واختها اشواق والتغييرات الجذرية التي طرأت عليها , فقد حمل كلا من محمد واشواق فاطمة كافة مسؤوليات البيت , فهي وحدها المسؤولة عن الطبخ والتنظيف وغسل الملابس وترتيب المواد وتحضير كل ما يحتاجه محمد او تحتاجه اشواق , وكانت فاطمة تقضي وقتها بين اداء المهام المنزلية المناطة بها وبين العبادة وقراءة القران والادعية … .

اتصل نزار بأشواق صباح يوم الاربعاء وهي في صالون الكوافيرة شهد , وطلب منها الحضور فورا , لكي تختار مهرها من الذهب , وقالت اشواق للكوافيرة شهد : ان نزار يريدها لكي يذهبا الى محلات الصاغة للاتفاق على شراء ذهب العرس وقد فاجئني بذلك … , وردت عليها شهد بابتسامة خبيثة : اذهبي معه على الخير والبركة … ؛ وجاء نزار بسيارته الحديثة مسرعا , وذهب مع اشواق الى محلات الصاغة , واختارت الحلي الذهبية , ثم انصرفا بعد تحديد تلك الحلي , وقال لها سوف نرجع للصائغ بعد يومين , وبعدها نذهب الى السيد ( المأذون) كي يعقد لنا عقد الزواج على سنة الله ورسوله , وسار بها الى طريق لم تألفه من قبل , فقالت له : الى اين نحن ذاهبون ؟

فأجابها : الى منزلها وبيت سعادتها , فلم تصدق نفسها وطارت روحها من البهجة  , و إغرورقت عيناها بالدموع من الفرح , وعندما دخلا البيت الجميل والكائن في احد الاحياء الراقية , ذهب نزار وعاد لها بكأس من العصير , وما ان شربت العصير حتى فقدت وعيها , وبعد تخديرها قام نزار باغتصابها وفض بكارتها , ومارس الجنس معها أكثر من مرة , وكانت اشواق تتألم وتتأوه وهي مخدرة , وسالت الدماء الا ان نزار كان سكرانا حد الثمالة , وهو في غاية السعادة , فالبعض ينتابه شعور بالفرح والانتشاء والانتصار والفخر ؛ اذا قام بهتك الحرمات وانتهاك الاعراض والايقاع بالضعفاء والابرياء والنساء , بل والبعض منهم يعدها من الرجولة , وكأنه فتح حصون الاعداء , وحمى الديار واطعم الجياع والبؤساء , وخاض المعارك وقارع الفرسان وجندل الابطال … ؛ وفي الليل شعرت اشواق بالدوار والغثيان وفقدان القدرة على الحركة , وجاءها وسقاه مرة اخرى , وغطت في نوم عميق , ومارس الجنس معها يوم الخميس ولأكثر من مرة , وهي تتأوه  ايضا , وفي الليل استيقظت وحاولت النهوض وطلبت من نزار طعام لأنها جائعة  , وجاءها بالطعام واطعمها بيديه , وسقاها الماء , وبدأت تستعيد قواها شيئا فشيئا , وسألت نزار عما حدث , وجاءها مسرعا وسقاها عصيرا وللمرة الثالثة , ونامت كالمعتاد ومارس الجنس معها ولأكثر من مرة , وما ان جاءت ظهيرة يوم الجمعة , حتى قام بجرها الى الحمام وغسل جسمها باستثناء شعرها , وارجع ملابسها اليها , وبعدها عمل على افاقتها , وعندما عاد اليها وعيها , سألت نزار مرة اخرى عن حالها وماذا جرى لها ؛ الا انه جاءه بالطعام والماء , وبعد ان شبعت وارتوت , سألته مرة اخرى , فرد عليها : انت غبت عن الوعي , وخفت من الذهاب بك الى المستشفى , وبقيت ساهرا طوال الليل , واجلس بالقرب منك , ثم قمت بإدخالك الى الحمام  ورش الماء على جسدك كي تستيقظي وتتحسن حالتك … ؛ وتوقف نزار عن الكلام ,  الا انها مذهولة مما جرى لها  ولا تعلم كم من الساعات او الايام مضت وهي على هذه الحالة , وهنا بادرها نزار قائلا : يجب علينا الرحيل فورا , لان شهد اتصلت كثيرا , ولم اجبها بسبب خوفي من ردة فعلها , قومي على الفور كي تذهبي الى اهلك , وتمالكت نفسها ونهضت بعد ان غسلت وجهها , الا انها تمشي بصعوبة وتشعر بالآلام لاسيما في المناطق الحساسة , فضلا عن انها لاحظت احمرارا في مناطق الصدر , وبعد ان ركبت السيارة , انطلق بها نزار مسرعا , و ودعها وذهب على عجل , ولم يتكلم معها كثيرا في السيارة لأنها ليست على ما يرام , و اتصلت اشواق بشهد الا ان جهازها كان مغلقا , وذهبت الى بيتها , وهي منهكة القوى  وعندما شاهدتها فاطمة هرعت بالبكاء , ولم يكن اخيها محمد في الشقة , وطلبت اشواق من فاطمة عدم البكاء , وطمأنت فاطمة بانه لا يوجد شيء يدعو للبكاء والحزن , وطلبت من فاطمة عدم ازعاجها لأنها سوف تدخل الى الحمام ثم بعدها تختلي بغرفتها الخاصة , وعندها صدمت اشواق بما شاهدته من اثار على جسمها الطري , وما تشعر به من اوجاع في المناطق الحساسة , وهنا ساورتها الشكوك بما حدث لها , واتصلت بأم ميادة واخبرتها بما جرى , وجاءتها مسرعة , وبعد ان اطلعت ام ميادة على جسم اشواق عرفت انها لم تعد باكرا, وعندما عرفت اشواق صرخت ولطمت خدها , وندبت حظها , وسالت الدموع من عينيها كالمطر المنهمر , وسمعت فاطمة ما دار بينهما وناحت هي الاخرى ولطمت خدها , ودخلت عليهن الغرفة وهجمت على ام ميادة , وتعال الصراخ بينهن , وقامت اشواق وام ميادة بضرب فاطمة ضربا مبرحا حتى سقطت الى الارض مغميا عليها , وخرجت ام ميادة من الشقة مسرعة , و أوصت اشواق بعدم التهور او الاستعجال في اتخاذ اي قرار , ومضت هذه الليلة السوداء وفاطمة تأن من الوجع , واشواق تتأوه من الغدر والخيبة , وكلاهن محتارة وخائفة من التداعيات وما يترتب على هذه الفاجعة من مصائب و(بلاوي) , وكانت من اطول الليالي السوداء الحزينة , وجاء الصباح وجاء معه الهم والقلق , ونهضت اشواق مسرعة وذهبت الى الصالون , ورأت شهد واخبرتها بما حدث , فقامت شهد بتوبيخها على فعلتها وهددتها بفضحها امام الناس , وقالت لها : انت قلت لي انك ذاهبة معه الى شراء الذهب من الصائغ , فلماذا ذهبت معه الى مكان مغلق وخاص وبعيد عن اعين الناس ؟!

وجاءت ام ميادة لتؤيد كلام الكوافيرة شهد , وتؤنب اشواق , وتحملها مسؤولية ما حدث , وقالت لها : لولا طمعك وجشعك لما حصل الذي حصل ؟!

هنا استسلمت اشواق لضربات الدهر , ورفعت الراية البيضاء , وسلمت امرها للكوافيرة شهد وام ميادة , وقررت شهد عودتها الى العمل وكأن شيئا لم يكن وبعد مضي عدة ايام , اتصلت اشواق بنزار وكان خطه مغلقا , وطلبت من شهد التدخل والضغط على نزار لتصحيح خطأه , واعلان زواجهما , وردت شهد عليها , بأنها اتصلت به اكثر من مرة الا ان خطه كان مغلقا , وادعت انها لا تعرف عنه شيئا , وكانت طريقة التواصل الوحيدة بينها وبينه هي رقم هاتفه لا غير , وطلبت شهد من اشواق الذهاب الى البيت الذي ذهبت اليه مع نزار , وكانت تعلم ان اشواق لا تعرف شيئا عن احياء وطرق وشوارع المدينة , فهي كالقطة العمياء , وعندها ضاقت الدنيا بعين اشواق بما رحبت , وسلمت امرها للواحد القهار , ولاذت بالصمت , وليت هذه الصدمة المؤلمة والتي تعرضت لها اشواق اقتصر تأثيرها على الحاضر فحسب ؛ اذ اثارت هذه الصدمة لواعج ذكريات الماضي الاليم , فقد تذكرت تجربة زواج امها الفاشلة وانفصالها عن ابيها , واقترانها برجل اخر , وانقطاع اخبارها , وعدم سؤالها عنهن , ثم مر شريط الذكريات الحزينة وتذكرت اختها سحر التي تزوجت في محافظة بعيدة ومن رجل لا يعترف بصلة الرحم ولا يسمح لزوجته سحر بالحصول على هاتف نقال للاطمئنان على اهلها , وكذلك ذكرى رحيل زوجة ابيها ثم رحيل ابيها المفاجئ , ولم تنس ايام الجوع والعوز والفاقة والحرمان ايضا فقد استذكرتها بكل تفاصيلها المؤلمة  … ؛ اخبث الصدمات واحقرها تلك التي توقظ في الانسان ذكرى الصدمات الماضية والتجارب الحزينة والذكريات الاليمة والانتكاسات القديمة … .

ومن الغريب ان يتحول المظلوم والشخص المقهور الى ظالم , اذ يمارس ظلمه على من هم دونه , وتحت سيطرته , وكأنه ينفس عن ذاته المقموعة او يرد الصاع بصاعين على الظالم الذي اضطهده ؛ وذلك لان لكل فعل ردة فعل , وبما ان الفعل ظلم الظالم  القوي و وقوعه على  المظلوم الضعيف ؛ والمظلوم الضعيف  لابد له من ردة فعل وبما انه لا يستطيع ردع الظالم القوي , وكذلك لا يستطيع كبت ردة الفعل المطلوبة ؛ يقوم بتوجيه ردة الفعل تلك نحو الضعفاء الذين هم تحت يديه او دونه في القوة كالنساء والاطفال والمرضى  وكبار السن وغيرهم  … ؛ وتحولت اشواق وللأسباب انفة الذكر , الى ظالمة وقاسية وسليطة اللسان وعدوانية , وصبت جام غضبها على اختها فاطمة , وقد اجتمعت على فاطمة اوجاع الامراض والجسم الهزيل واعمال المنزل الشاقة ومضايقات واهانات اشواق , بل انه اصبحت تضرب فاطمة ضربا مبرحا بسبب ومن دون سبب , وضاقت فاطمة ذرعا بتصرفات وسلوكيات اشواق , واشتكت من قسوتها الى اخيها محمد الا انه لاحول ولا قوة ايضا , فهو مجرد صبي وساذج وقليل الخبرة في الحياة … .

وعادت ريمه الى عادتها القديمة ؛ اذ رجعت الكوافيرة والسمسارة شهد تحيك الخطط مرة اخرى , فقد جاء زبون اخر ومن الذين يدفعون ولا يبالون بالأموال , وحركت شهد ام ميادة لتمهد الطريق من جديد , وعادت ام ميادة تمازح اشواق وتخفف عنها , وتذكر لها العديد من القصص المشابهة والحالات والتجارب المماثلة , وان المسألة طبيعية والكثير من الصبايا والنساء تعرضن لها , بل انها راحت تبرر للشاب المغتصب نزار وتقول لأشواق : ( من يعلم ماذا حدث لنزار فالغائب عذره معه , والولد كان يعشقك واكيد حدث سوء فهم , او لعل الولد تعرض للسجن او سافر خارج العراق لأمر ضروري … ) .

عندما عادت اشواق الى منزلها , لم تستطع النوم , فقد مر شريط ايامها الجميلة القلائل مع الشاب الوسيم نزار , وبدأت الذكريات الحلوة تداعب شغاف قلبها من جديد , وتمنت لو تعود تلك الايام وترجع لها فرحتها المسروقة , بعض النساء وعلى الرغم من تجربتها الفاشلة مع هذا او ذاك , وتعرضها للإحباط والخيبة , تحاول جاهدة ان ترجع المياه الى مجاريها , وهذا الامر يذكرنا بالذي يقامر في بداية الامر ويأخذ عهد بينه وبين نفسه , انه اذا خسر ماله لا يعود للقمار مرة اخرى , وعندما يخسر لا يفي بعهده ويستمر بالقمار , لشعوره النفسي بالهزيمة والخسارة ومحاولته تعويض تلك الخسارات وجبر تلك الهزيمة , وعقد الآمال على الفوز والربح وتعويض كل ما فاته وخسره , الا انه يزداد خسارة وافلاسا بمرور الايام , ومع ذلك لا ينزجر ولا يقلع عن القمار …!

وفي اليوم التالي جاءت ام ميادة الى اشواق , وقالت لها : ( الحي ابقى من الميت , نزار راح , والحياة ما توكف على واحد , وابو المثل يكول : يروح حمد يجي حمود ) وجاءت شهد وقالت لهن : ( صلى الله على الحاضر , الدنيا بيه كلشي , شيء احلى من شيء ) وهنا اختل توازن اشواق , واصبحت كريشة في مهب الرياح , وعندما خرجت اشواق من صالون الحلاقة وهمت بالرجوع الى منزلها , رأت شابا طويلا اسمرا , كحيل العينين , وصاحب جسم رياضي رشيق وممشوق القوام  , ينظر اليها بابتسامة خفيفة واعجاب , ويقف بالقرب من سيارته الحديثة , وفي هذه الاثناء كانت ام ميادة تسير مع اشواق , وقالت لأشواق : ( شفتي هذا الولد ( الصاك) الجميل شلون يريد يأكلج بنظراته ؟) وردت اشواق : ( اي شفته واني شحصلت من الحلوين ؟) فردت عليها ام ميادة : ( مو كل اصابعك سوه , ولو خليت لقلبت , ولد الحلال هواي ) .

الشاب الاسمر امين قد عقد هو الاخر اتفاقا مع السمسارة شهد , فهو من زبائنها الاثرياء , وشاركت في الخطة كالعادة ام ميادة , والضحية اشواق ايضا , وفي اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس كان امين يقف بنفس المكان وينتظر خروج اشواق من الصالون , ويتبادل معها النظرات , واحيانا يقوم ببعض الحركات الاغرائية والايحاءات والتي من خلالها يتباهى بجماله وعضلاته وجسمه الرياضي وطوله الفارع , وفي اخر مرة رجعت اشواق الى منزلها , وام ميادة تقول لها : ( حرام عليج , الولد صارله اسبوع يباوع عليج وينتظر منج اشارة , خطيه , ما يستاهل هيج يصير بيه , الف وحده تتمناه , وتتمنه تحجي وياه ) وأدت هذه الكلمات مفعولها السحري في قلب اشواق , اذ تقلبت اشواق على الفراش وهي تفكر بهذا الشاب الوسيم … , وفي اليوم التالي , خرجت اشواق مع ام ميادة كالعادة , فصاح امين على ام ميادة قائلا : ( عيني من رخصتج – وعندما ذهبت اليه ام ميادة – سلمها رقم هاتفه وطلب منها تسليمه لصاحبتها ) ورجعت ام ميادة مسرعة الى اشواق , واخبرتها بأنه اعطاها رقم الهاتف , وقالت اشواق لام ميادة : ( شلون بس صاح لج رحتي اله تركضين ؟!) فردت عليها ام ميادة : ( لج مو بيدي سحرني بجماله وشخصيته القوية ) .

لم تتصل اشواق بالشاب الاسمر امين , فقد كانت مترددة , فهي بين نارين , الاولى تجربته الاولى القاسية , والثانية شعورها الخفي الذي يدفعها للتعويض عن الخسارة الاولى وعدم تفويت الفرصة لاسيما وان امين اكثر جاذبية من نزار , وبدا يتراءى لها وكأنه قارب النجاة الاخير , والشمعة الوحيدة في النفق المظلم , وعندما ذهبت في اليوم التالي الى العمل  وخرجت من الصالون للعودة الى البيت , وجدت امين في انتظارها كالمعتاد , ونظر اليها نظرة عتاب ممزوجة بابتسامة خفيفة , وعندما هبت الرياح تطايرت خصلات شعره الطويل واشواق تنظر اليه بشغف , وكأنه من فرسان القرون الوسطى , ولأول مرة تبتسم اشواق له , ويبادلها الابتسامة , فقد وقعت في غرامه , فالنساء اصناف مختلفة الى حد التناقض واللعنة , فمنهن من تعجب بالرجل لمنطقه وكلامه , والبعض الثاني لحكمته واخلاقه , والبعض الثالث لعضلاته وقوته واستهتاره وتهوره , والبعض الرابع لجماله واناقته , والبعض الخامس لحركاته وايحاءاته الجنسية … الخ .

وعندما رجعت الى البيت , اتصلت به فورا , وامرها بإغلاق الخط , كي يتصل هو بها , وارسل لها رصيد بقيمة ( 100 دولار ) وفي نفس الساعة , مما ادهشها , وكان صوته مميز جدا وبه شيئا من الحنان والرجولة والحيوية , و تكلما معا بشتى المواضيع , وسارت الساعات وهي لا تشعر بها , من شدة الانس والاسترخاء , و ودعها واغلق الخط , ونهضت في منتصف الليل , لتعاود الاتصال به , وسارع على الفور بالرد عليها , والدردشة معها حتى غلبها النعاس ونامت , والاحلام الوردية تراودها من جديد … .

وفي اليوم التالي وعندما همت بالخروج من الصالون بعد انتهاء فترة العمل , وجدت امين واقفا بقرب سيارته , ونظرت اليه مليا , وتبادلت الابتسامات والتحيات معه عن بعد , واتصلت به , بعدها فورا , وقالت له : ( قد حصلت على مرادك , فلماذا تتعب نفسك بالوقوف والانتظار , بالإضافة الى انني اخاف من كلام الناس , فأرجوك لا تقف امام الصالون بعد اليوم ) و وافق امين على طلبها , واستمرا بالحديث طوال الليل , وتبادلا كلمات الاعجاب والثناء , واستمر الحال على ما هو عليه , طوال شهر من الزمن , وكانت وسيلة التواصل الوحيدة فيما بينهم هو جهاز الهاتف النقال فقط , وفي احد الايام طلب امين منها الخروج معه , للذهاب الى مدينة الالعاب , وخرجت معه بعد الطلب من الكوافيرة شهد اجازة لمدة يوم من العمل , وقام امين باللعب والمرح معها , وجعلها تجرب مختلف الالعاب , ورجع بها الى ايام الطفولة , وعوضها ما فاتها , ومرت الساعات وكأنها انوار النجوم وضياء الاقمار , يفوح منها أريج الجمال , وسحر الكلمات يملئ المكان والوجدان , وعاد بها امين الى الصالون , ورجعت اشواق الى البيت , وهي منبسطة الاسارير مستبشرة فرحانة , وكأن الدنيا ملكها … .

وبعد يومين فاتحها امين بالزواج , وعندها ترددت اشواق وخافت ان يفتضح امرها ويعرف امين بحقيقتها , وتخسر حبه فضلا عن زواجه والى الابد , وشاورت ام ميادة بالأمر , واشارت عليها بالمصارحة وقول الحقيقة , وبعد يومين من المماطلة , نطقت بالحقيقة , وعندها اغلق امين الخط ولم يتصل بها لمدة اسبوع كامل , وقضت اشواق هذا الاسبوع بالبكاء والقلق والارق , وندمت لأنها عملت بنصيحة ام ميادة , الا ان ام ميادة اصرت على صواب مشورتها , وقالت لأشواق : ( سوف تثبت لك الايام صحة مشورتي ) , وفي اليوم الثامن وفي منتصف الليل , اتصل امين ورفعت الخط اشواق وهي تبكي , وحاول امين التخفيف عنها وتهدئة روعها وتبديد قلقها , ثم تكلم معها وغازلها ومازحها ؛ وفي هذه الليلة عاد صوابها واستقرت نفسيتها ونامت قريرة العين … .

وبعد يومين صارحها امين بانه لا يستطيع الزواج منها والحال هذه في العلن وعلى رؤوس الاشهاد , واقترح ان يكون الزواج في السر , واشواق كأغلب ولد ادم وبنات حواء كلما تقدم بهم العمر ودارت الايام دورتها , واتعبتهم التجارب والاحداث وخذلهم الاقربون ؛ قلت خياراتها وانخفضت وتيرة شروطها , حتى صارت ترضى بأقل القليل , وقد وافقت اشواق على هذا الزواج السري , اذ جاء امين بأحد رجال الدين من الذين يتقاضون 50 الف لأجل اجراء عقد الزواج , والذي لم يسأل عن ظروف الزواج واولياء الشابة اشواق , ولم يحضر معهم سوى ام ميادة , وتمت الصفقة واضحت اشواق عريسة الغفلة … .

وجرى تنسيق سري بين الاطراف الثلاثة – امين وشهد وام ميادة – حول كيفية استغلال اشواق جنسيا من دون ان تشعر او تعرف بحقيقة الامر , وسمحت شهد لأشواق بالذهاب قبل انتهاء موعد العمل بعدة ساعات وبصورة شبه يومية , واحيانا تعطيها اجازة لمدة يوم كامل , وفي هذه الاثناء كانت تذهب مع امين لممارسة الجنس في احدى الشقق في احدى العمارات السكنية وفي احدى المناطق المشبوهة , وكان امين يركض خلفها ويمازحها ويشعرها بالحنان واحيانا يرفعها عن الارض بحركات رياضية وبهلوانية تضفي على الاجواء رومانسية مضاعفة , مما جعلها لا تشعر بمغبة ما تقوم بها , بحيث تعطلت قدراتها العقلية وتمددت عواطفها على حساب عقلها , وبعد ثلاثة اشهر كاملة ؛ قضى منها امين وطره , وشبع منها , وصار يبحث عن ضحية جديدة , واغلق امين خطه الوهمي , واختفى وكأنه ( فص ملح وذاب ) ولم يعد له أثر , وقامت شهد وام ميادة بنفس الدور السابق , وعادن عليها نفس الاسطوانة المخرومة , الا انها هذه المرة اختلفت اختلافا جذريا , اذ صرخت بوجه شهد وضربت ام ميادة وتعالت الاصوات , وقامت شهد بتهديدها , وخرجت اشواق من الصالون وبصقت بوجه شهد , ورجعت الى البيت لتصب جام غضبها على فاطمة , وهربت فاطمة منها ونزلت من الطابق العلوي الى الشارع , وركضت خلفها اشواق , ودخلت فاطمة الى محل الاسواق القريب من العمارة السكنية , وطلبت من صاحب الاسواق الحماية , الا ان اشواق هددت صاحب المحل بإرجاع اختها اليها , واخذت فاطمة وهي تجرها الى الشقة كالأسيرة , وقامت اشواق بحبس فاطمة في احدى غرف الشقة , وعندما اعترض محمد على ذلك , ردت عليه اشواق , بانها تريد الهرب من الشقة , وتريد ان تجلب لنا العار , واقتنع محمد بما قالته اشواق , وبقت فاطمة حبيسة الغرفة لمدة شهر كامل , وخلال هذه الفترة , كانت اشواق تخرج فاطمة الى الحمام في اليوم مرة واحدة فقط ولا تعطيه سوى وجبة واحدة من الطعام , وعندما تعترض فاطمة او تصرخ تقوم اشواق بضربها ضربا مبرحا ( وبالصوندة) حتى يحمر ثم  يزرق جلدها الرقيق , وبعد شهرين , نفدت اموال اشواق وصرفت كل النقود التي ادخرتها سابقا , وصارت تنزل من الصبح ولا تعود الى البيت الا عندما يأتي المساء , اذ تتجول في الشوارع والاسواق والمحلات , لممارسة الجنس مع هذا او ذاك لقاء مبلغ من المال , نعم قد تحولت اشواق الى بائعة هوى , فالمرأة لا تتحمل أكثر من صدمتين , فالبعض ممن خبر احوال النساء , ذهب الى ان الحب الثاني يجبر كسر الحب الاول الفاشل الا ان فشل الحب الثاني يفضي الى الدعارة والاستهتار والاباحية احيانا , واضحت اشواق لا تحترم القيم والاخلاق كما كانت , وامسى جهازها النقال لا يهدأ من كثرة الاتصالات , وكانت فاطمة تسمع ما يدور بين اشواق و زبائنها الفاسدين , ولم تطق فاطمة هذا السجن وهذه الاهانات والقيام بكل هذه الاعباء والمسؤوليات المنزلية , فهربت من الشقة من خلال شباك الغرفة  و( بلكونة الشقة ) , وسقطت على السقف الحديدي لاحدى المحلات الموجودة في العمارة نفسها , ومنه هبطت الى ارضية الشارع , مما تسبب لها بحدوث عدة رضوض واوجاع , وجرت مسرعة وطرقت باب بيت الشيخ الملاصق للعمارة , وكان الشيخ نائما جراء العلاج الذي يأخذه والذي يسبب له النعاس والنوم , وفتحت زوجة الشيخ الباب , ودخلت فاطمة مسرعة الى الدار , وناشدت زوجة الشيخ بكل المقدسات واقسمت عليها بكل عزيز , ان تحميها ولا تسلمها الى اختها , وقالت : (( خالة انا دخيلة عدكم , خالة عليج الله لا تعوفيني )) وجاءت وراءها اشواق وطرقت الباب , وخرجت لها زوجة الشيخ , وقالت لها : ( ان اختك دخيلة عدنا وهي مريضة وخائفة وهزيلة واحن ما ننطيها ابدا ) فردت عليها اشواق قائلة : ( هي اختي وانا اولى بها منك , وابي وامي بانتظارها , واذا ما تجي اختي معي الان , اشتكي عليكم في مركز الشرطة , واقول انتم خطفتم اختي ) فخافت زوجة الشيخ من الشرطة ومن تداعيات التدخلات العشائرية , وهي تعلم ان زوجها مريض ولا يستطيع النهوض من فراشه بسبب اصابته بمرض السرطان , فقامت زوجة الشيخ بتسليم فاطمة الى اشواق , وفاطمة تبكي وتناشد زوجة الشيخ قائلة : ( خالة هاي والله كذابة اني يتيمة وامي وابوي جوه التراب ومحد الي , خالة هاي والله تموتني راح وتعذبني , خالة دخيلج ) والتفتت زوجة الشيخ الى اشواق وهي تذرف الدموع لأجل حالة فاطمة المأساوية , وقالت لها : ( من يكعد زوجي الشيخ نجي الكم ونشوف البنيه ونطمئن عليها , لان وضعج وياها موصحيح ) فردت عليها اشواق : (( تعالي وشوفي بعينج ) وعندما رجعت اشواق الى الشقة , اتصلت على الفور بأحد معارفها , وطلبت منه ايجاد شقة لها وعلى الفور , ثم اتصلت بأخيها محمد , وطلبت منه المجيء لإعداد وترتيب اثاث البيت وتحضيره للنقل , وتم لأشواق ما ارادت , فقد انتقلت الى منطقة اخرى بعيدة , وسكنت في عمارة جديدة , وفي اليوم التالي وعندما سمع الشيخ القصة من زوجته , اتصل بأهله واخوته واخبرهم بأمر الدخيلة الهاربة , وذهبوا الى الشقة فلم يجدوا فيها احد وعادوا ادراجهم , وبعد يومين من العمل المضني والشاق , تعرضت فاطمة للضرب الشديد من قبل اشواق وقامت اشواق بإحراق يد فاطمة من خلال الحديد المحمي بالنار وصرخت فاطمة من شدة الالم , وهددتها  اشواق ان هربت من الشقة مرة اخرى , فأنها سوف تقتلها وتتخلص منها , ولا أحد يعلم بذلك او يأبه لاختفائك , وفي اليوم التالي خرجت اشواق كالعادة , بينما ذهبت فاطمة الى (برميل ) النفط , وفكرت مليا قبل الاقدام , وتصارعت الافكار وتضاربت العواطف في داخلها وعصفت بها الذكريات السريعة المؤلمة , وكأن احدهم يهمس في اذنها اليسرى ويقول : ( ان الكثير من المشاكل العويصة والابتلاءات المستمرة لا حل لها سوى الموت والموت رحمة بالنسبة للكثير من الناس ,  وربك اعلم بعباده وهو غفور رحيم فأقدمي على الموت ولا تخافي ) بينما يهمس الاخر في اذنها اليمنى قائلا : ( اياك ثم اياك من احراق نفسك في النار , فمن يقتل نفسه يخلد في النار الابدية , واصبري وكل شدة وراءها فرج ) ثم همس الاول في اذنها اليسرى قائلا : ( ان الله ارحم من يعذبك بالنار مرتين , واكرم من ان ينتقم من بنت مسكينة مثلك , وما هي الا لحظات وتلتحقي بالملأ الاعلى حيث ينتظرك ابوك وامك واحباب بعمرك ينتظرونك كي يلعبوا معك , وقد اعدوا لك الكثير من الالعاب التي حرمتي منها في هذه الحياة البائسة ) ثم تدخل الثاني وهمس في اذنها اليمنى قائلا : ( لا تصدقي بكلامه فهو الذي ورط اختك من قبل وها هو يحاول توريطك انت الاخرى , ولا تغتري بزخرف القول , وما بلاء الدنيا الا كسحاب الصيف سرعان ما ينجلي , فاصبري ان وعد الله حق ) فقال لها الاول هامسا في اذنها اليسرى : ( الكثير من البؤساء والمعذبين سمعوا هذا الكلام واكثر منه , ولم يزدهم الا عذابا وشقاءا , واغلب مصائب هذه الحياة لا تحل بالكلام والمواعظ , بل لعل المواعظ مقترنة بالظروف السيئة , لذا لا يحتاج اليها الاغنياء والاقوياء والاصحاء والسعداء ) ثم صرخ الثاني بها قائلا : ( لا تصدقي به فهو يخلط الحق بالباطل والصدق بالكذب ) وعندها صرخت فاطمة قائلة : كفى فكلاكما كاذبان , وسكبت النفط على جسدها من رأسها وشعرها الى اخمص قدمها , ثم اشعلت عود الثقاب , ثم تحولت فاطمة الى جثة متفحمة , وشعر الجيران بالرائحة وسمعوا الصراخ , وكسروا باب الشقة , ودخلوا , وشاهدوا فاطمة على هذه الحال , وعندما رجعت اشواق وجدت الجيران كلهم مجتمعون والشرطة , وفي هذه الاثناء جاء محمد , وعندما علم بالحادث , ذهب الى المطبخ مسرعا , ورجع ومعه سكين حادة , وانقض على اشواق وطعنها عدة طعنات , أودت بحياتها , فذهبت فاطمة واشواق الى مقابر الاموات , بينما ذهب محمد بمعية الشرطة الى مقابر الاحياء … .  

أحدث المقالات