اعتاد المقلدون الشيعة ان يقصدوا المرجع للسؤال عن موضوع معين ، ومن الطبيعي ان تكون اجابة المرجع على النحو التالي : ان كان الامر كما تقول فحكمه كذا وكذا … اذن فالموضوع يشخصه المكلف او السائل . وفي موضوع الانتخابات ،ربما يسأل المرجع احدهم قائلا : من ننتخب ؟ فيجيب الفقيه : انتخبوا النزيه المخلص العامل على خدمة الوطن والمواطن مثلا … ويترك للمكلف تشخيص المرشح المناسب الذي يعتقد ان تلك التوصيفات منطبقة عليه ، وحسب قناعاته وعلمه الشخصي ، وتلك التوصيفات لا تنطبق على شخص واحد فقط ، ولا يحق للمرجع ان يعطي مصداقا احاديا للناس ، في حين ان لهم اراءهم الخاصة بشأن غيره . من هنا كان خطاب احد مراجع النجف الاربعة ، الذين يحسب لهم حساب ، صادما للوسط الشيعي ، ومثيرا لتساؤلات كثيرة اقلها حدة هي ؛ كيف تصدر من مجتهد مرجع مثل هكذا فتوى بعيدة عن اساسيات الفتاوى الدينية ؟ كيف ينخرط المرجع في تحريم انتخاب شخص وهو لم يحاكمه ولم يسمع منه ؟ ولم يعط له فرصة للدفاع عن نفسه ، ما هي حيثيات هذا الحكم ؟ ما هو الموضوع المنقح لديه ليحكم على ضوئه بالحرمة ؟ ماهي المباني التي اعتمد عليها ليفتي بفتواه السياسية هذه ؟ واذا كانت هذه صالحة لاتباعه فهل هي مجدية لاتباع مرجع اخر غيره ؟
كان من الممكن ابداء رايه الشخصي بمن ينتخب ، لا ان يوجب اخذ رايه هذا على مقلديه . ربما كانت تلك كبوة فقهية منه ، ولكن هل للمرجع ان يخطأ في اساسيات عمله ؟ هل يجوز لعالم الرياضيات ان يخطأ في اساسيات علم الجبر والرياضيات ؟ ما هو المبرر اذن ؟ هل استطاعت بعض الكتل السياسية المستفيدة من الفتوى هذه ، ان تجر المرجع الى ساحة غير ساحته ، وان تورطه في مستنقع السياسة … اذ لم يقم اي مرجع اخر بالاقتراب من هذه البقعة بشكل مباشر كما حدث للمرجع المفتي . لقد اثارت تلك الفتوى حفيظة القوائم الاخرى ، فهل قام هذا المرجع بدراسة وتمحيص كل القوائم حين اوجب على الناس انتخاب هذه القائمة دون غيرها ؟ وهل يكفي – على سبيل فرض ان من حقه ذلك – ان يكون شخص ما ابنا للمرجعية كاف كي يوجب انتخابه قائمته ؟ ارى ان هذه الفتوى – ان صحت تسميتها بهذا الاسم – ستكون علامة فارقة في دور
المرجعية في العمل السياسي وتأثيراتها الفاعلة ، انه نسف للديمقراطية التي يسعى لها الناس عبر الانتخاب لمن يراه اهلا للمنصب ، وهو موقف سيطول الحديث عنه ، ولن يكون حدثا عابرا يمر كما تمر الاحداث الكثيرة في عراق اليوم ، وعلى الكتاب والمحللين في القضايا الدينية الشيعية ان يكتبوا عن هذا الدور الجديد لبعض من يرى احقيته في مصادرة اراء الناس ، في جو انتخابي محموم يسعى الجميع للحصول على اصوات الناخبين . ويدور في ذهني السؤال الاكبر التالي : الى اي مدى ستبقى للمرجعية مكانة في قلوب الناس ان تكررت مثل هذه الحالة ، في اجواء اخرى قد تكون فيها المعركة اشد ضراوة من اليوم ؟!
كتبت مقالي هذا بعد انتهاء الانتخاب لمجلس النواب لأني اريد ان لا يمر الحدث وكان صلاحية الفتوى وتأثيرها يمتد ليوم الاقتراع فحسب ،ان هذا الخطاب سابقة خطيرة يدركها الجميع واولهم مرجعية السيد السيستاني ، التي تتصف بحكمة يشهد لها العدو قبل الصديق ، وهذا ما يجعلنا نطمئن على واقعنا الديمقراطي الناشئ في العراق . .