18 ديسمبر، 2024 10:07 م

تصريحات السفير البريطاني .. آفاق العراق ومنطقة الشرق الأوسط

تصريحات السفير البريطاني .. آفاق العراق ومنطقة الشرق الأوسط

عهدنا الدبلوماسية البريطانية بأنها ناعمة وتعمل على آمد طويل، لذلك فأن أي تصريح يصدر عن أحد رموز السياسة البريطانية يجب ان يؤخذ على محمل الجد إلى أبعد مدى. إلا أن تطبيق ما ينتج عن تلك السياسات أو الاستراتيجية البريطانية قد يطول لما ذكرناه من نعومة السياسة التي يمارسها الإنكليز وسعت بالهم التي لاتنسى أي تفصيل، ولكن سمة عملها التأجيل رغم الإشارة لما سيحدث في المستقبل.
الاستراتيجيات الدولية النافذة الآن تعتمد تنظيف المنطقة من عوامل تأجيج الصراع أو التأزيم بشكل عام، وأحد أهم تلك العوامل هي إيران وما يمثلها من أذرع تشكل نوازع للإرهاب في المنطقة والعالم ونقصد بها المليشيات الإرهابية في العراق واليمن وسوريا ولبنان، ناهيك عما يسمى بالحرس الثوري الإرهابي.
لم تعد الإرادة الدولية عموما والمنطقة خاصة، سواء في البلدان التي تشكل ثقلاً فيها ك( السعودية وإسرائيل) تتوافق ووجود فصائل مسلحة وميليشيات تمتلك السلاح والمال وتخلف آثاراً كارثية على السلم الدولي، بتعبير أدق ( لا أحد يقبل بوجود مليشيات مسلحة) كما جاء في حديث السفير البريطاني في العراق، وهي إشارة عابرة في حديث ذا مغزى يعتبر تمثيلاً للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط والتي بَينَ من خلالها أن المليشيات باتت مشكلة عالمية، وما يترتب على وصفها ( مشكلة عالمية) يتطلب من العالم علاجاً لاستئصال الجزء الخبيث من جسم المجتمع الدولي.
المزاج العام والسياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط والتي ترسمها الدوائر البريطانية بهدوء ( وهي المتحكمة في المسيرة السياسية) في المنطقة منذ الأزل تقدم التطبيع مع أسرائيل على ما سواه،وتلك السياسة والاستراتيجية التي تعمل عليها اليوم ترى أن المليشيات باتت أداة توريط للعراق والمنطقة أكثر من أي وقت مضى،وأن ما يجري في منطقتنا لن يستفيد منه أحد سوى إيران التي تدير تلك المليشيات الإرهابية في المنطقة بأموال عراقية منذ 2003 حتى اليوم، وقد ترتب ذلك نتيجة غباء السياسة الأمريكية بإحتلالها العراق أولاً، وبتقويضها لنظامه ثانياً، ثم بإتفاقها مع النظام الإيراني ثالثاً لتدميره والسيطرة على مقدراته، لا بل لقتل أهله.
ما فسح المجال واسعاً لإغراق المنطقة تحت تأثير السلاح والمخدرات والإرهاب الذي طال الأمريكان ( قواعد وجنود ) إن استبعدنا من حساباتنا ملايين المتضريين العراقيين ومن شعوب المنطقة وبلدانها سواء في سوريا أو اليمن أو لبنان، ناهيك عن انتشار الفكر الفارسي المتطرف والنزعات الدينية المشوهة التي تم نشرها في تلك البلدان،أو التغيير الديمغرافي الذي يجري في العراق وسوريا بدعم متواصل من إيران وشخصيات دينية نافذة في العراق، ولم يقتصر الأمر على منطقتنا التي أبتليت بالإرهاب الذي تمارسة السلطات الإيرانية بل تعدى ذلك إلى أفريقيا وأسيا وحتى الأمركيتين.
تصريح السفير البريطاني في العراق قد يؤرخ لانهاء حكم الطائفة بشكله الواسع، على الرغم من أن من يفرض وجوده بقوة السلاح وإرهاب المليشيات لايمكن أن يطلق عليه صفة الحكم، فكل من يملك السلاح ليرهب الناس يستطيع أن يتحكم بهم دون أن يكون ذلك شكلاً من أشكال الحكم، فالحكم من الحكمة وتعني (الرشد) في الأداء، والعدالة في التطبيق.
عصر التطبيع قادم لامحالة ولن يستثني أحد،ومن عاب عليه اليوم سيذهب إليه مسرعاً في القادم من الأيام مرغماً وملبي، وزمن هؤلاء الذين يدعمون ويتعاطون الإرهاب ولى وأنتهى، وكما ذكرنا أن الاستراتيجية السياسية البريطانية تعمل على نار أقل من الهادئة لكنها مضمونة النتائج، والمطبخ السياسي الإنكليزي لايخطأ في تقديراته، وأن قال فعل ،ولا سياسة لغير الإنكليز، وهي مدرسة قديمة علمت العالم وأرست وجمعت وكرست التفرقة بين الأمم ولازالت، هذه حقائق يجب أن نعيها ونعرف أبعادها ومخطئ من يتجاهلها. فما يقوله الإنكليز لابد وأن يؤخذ على محمل الجد، وهاهم قالوا وعبروا رسائلهم عبر سفيرهم في العراق، والذي أكد ضرورة سحق وطرد الأحزاب التي تعمل لصالح الإرهاب الإيراني، بل ربما ذهبت معاني الرسالة أبعد من تلك الرموز الواضحة غير المشفرة التي تعني فيما تعني النظام الإيراني الإرهابي برمته بصفته داعماً للإرهاب ،بل هو الإرهاب ذاته.
النقطة الفاصلة التي تفهم بوضوح من رسالة السفير البريطاني أن المنطقة ذاهبة نحو السلام الشامل والاستقرار بظل التطبيع، ولا سلام من دونه، لتفتح أفاقاً للتجارة العالمية وأبواباً لإغراق المنطقة بالسلع والخدمات عبر شركات عالمية أصاب انتاجها الكساد وليس من سوق للترويج أفضل من سوق العراق وسوريا والمنطقة ككل بعد الخراب الذي تسببت به تلك الدول( أوربا وبريطانيا وأمريكا) وإيران بالتناوب.
ما جاء به السفير البريطاني لم يفهم من قبل بغداد على ما احتواه من وضوح ، ما حدا بحكومة الظل الإيراني في العراق أن تستدعي القائم بالأعمال البريطاني في بغداد كون السفير في أجازة لتعترض على ما قاله،وتسجل رفضها للوصف الذي قدمه ذاكراً فيه بأن العراق ليس بالمكان الآمن،وأنه ينصح رعاياه بعدم السفر لهذا البلد،وأن هناك تهديدات أمنية في الشارع العراقي، وقد طالته شخصياً مثل تلك التهديدات.
لم تفهم رسالة السفير من قبل الحاكمين بقوة السلاح وسطوة المليشيات، لم تفهم أبعادها ومضامينها لسبب بسيط جداً يتمثل بأن ليس في العراق من سياسي، وما موجود ما هو إلا نتاج تلك العصابات الإرهابية التابعة لطهران، ولو كان فعلاً في تلك العملية التي يطلقون عليها (سياسية) جزافاً لما وصل العراق للحال التي هي عليه.
من خلال سطور رسالة السفير وعبرها نرى أن العراق القادم بلا مليشيات، وأن البلد ذاهب نحو التطبيع الذي قال عنه المليشياوي ( الأعرجي) ( أن التطبيع سيبدأ من النجف)، وأن هؤلاء بقضهم وقضيضهم زائلون غير مأسوف عليهم، وهو ما تثبته أيضاً تصرفات السفيرة الأمريكية التي تعمل أو ربما تؤسس لمرحلة ما بعد حكم المليشيات ومخلفاتها بعد طردهم من السلطة وتنظيف الشارع العراقي من تبعاتهم.
فهل سنشهد هذا عن قريب، أم تترك السياسة البريطانية الحبل لحدود هؤلاء الإرهابيين حتى تحين ساعات تنفيذ ما تتمخض عنه القوة الناعمة للاستراتيجية التي تعمل عليها السياسة البريطانية، ذلك ما ستعكسه المرحلة القادمة.