لا يوجد أمر في حياتنا أهم من الوقت بل حياتنا عبارة عنه لا أكثر ولا أقل ؛ وجاء عن الامام علي ما يؤكد ذلك ؛ اذ قال : (( إِنَّ أَنْفَاسَكَ أَجْزَاءُ عُمُرِكَ، فَلَا تُفْنِهَا إِلَّا فِي طَاعَةِ رَبِّكَ )) فالأوقات التي تنقضي إنما تنقص بها أعمارنا، وهكذا نقترب من آجالنا كما قال الشاعر:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى جزء من العمر
فالوقت أو الزمن هو عمر الإنسان، ولا يستطيع استعادته، أو إرجاع جزء منه، أو زيادته، ومن ثم فهو رأسُ مال الحياة وأساسُها ؛ بل هو أغلى رأس مال لدى الإنسان ، لأنه لا يتجدد و لا يعوض ولا يقدر بثمن ، فهو رصيد من الساعات والدقائق والثواني نستهلكه في الدراسة وطلب العلم والابداع ، والعمل، والعبادة، والأكل، والنظافة، والنوم، والراحة، والأشغال والاعمال والمشاريع ، والتسوق، والتنقل، والإعلام ، والتثقيف، والعلاقات مع الأهل والأصدقاء، والرياضة، والترفيه، وغيرها … ؛ ولعظم الوقت وأهميته ؛ جاء ذكره في كتاب القران الكريم في مواضع عدة منها : (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* )- وهنا جاء القسم بالعصر (الدهر) – ، و في موضع آخر : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) … ؛ وحفلت الروايات والاحاديث النبوية وغيرها بذكر الوقت وبيان ضرورة استخدامه فيما ينفع الانسان ؛ ومنها : (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ) , ومنها : (اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك) … ؛ والعالم العراقي الحسن البصري كان يذكر أهمية الوقت ، ويرى أن الوقت أثمن من الذهب والفضة ؛ ويحث الاخرين على استغلاله والحرص عليه كما يحرصون على ادخار الدنانير والدراهم ، اذ قال : «أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم» , وقال: «يا بن آدم، إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك»، وقال وهو يحث على اغتنام الوقت : «الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك، فاعمل فيه» .
وقد أهتم العقلاء بالوقت وعملوا على تنظيمه واستغلاله استغلالا نافعا ؛ وحذروا من تضييعه واهماله وعدم الاهتمام به والغفلة عنه , وأوصت كل الديانات والشرائع والمدارس الدينية والفلسفية الانسان بألا يُضيع أوقاته بما لا فائدة تُرجى منه , وألا يفني عمره ووقته في اللهو والكسل واللامبالاة والفراغ وترك العمل … ؛ فكل دقيقة ، وكل لحظة من الزمن ؛ إن ذهبت فلن تعود أبداً ، ولو أنفق الإنسان أموال الدنيا فلن يستطيع أن يسترجع دقيقةً واحدةً من عمره، فالوقت هو الحياة، وهو المحور الرئيسي الذي يُسيطر على مسار حياة الإنسان، فالذي يغتنم وقته في الأعمال والمشاريع والانجازات والاختراعات والابحاث العلمية والدراسات ؛ أفلح وسعد في الدنيا ، ومن أضاع وقته وعمره، و خلد الى الكسل والراحة والاهمال واللامبالاة ؛ فقد خاب وخسر … ؛ ولذلك كان جديراً بالمواطن فضلا عن المسؤول أن يعرف كيف يقضي وقته، وأن يُحافظ عليه , فلا يُفرّط فيه، ولا يتهاون في شيء منه قلّ ذلك أو كثر… ؛ ويُعد عدم التنظيم في حياة الإنسان سبباً رئيساً لهدر الوقت؛ وبالتنظيم الجيد للوقت يزيد إنجاز الفرد لأعماله في وقتٍ أقل ، ويكون ذلك بكتابة الأعمال المهمة ثم بتحديد الأولويات وتوزيعها على ساعات اليوم، وتحديد أوقات العمل، وأوقات الراحة , وهكذا … الخ ؛ وبهذا الصدد يقول الفيلسوف سينيكا : (نحن جميعاً نشكو من قصر الوقت، ومع ذلك فإن لدينا منه أكثر مما نعرف ماذا نفعل به، فنحن دوماً نشكو من أنّ الأيام قليلة، ونتصرف كما لو أنّها بلا نهاية)… ؛ لذلك يحتاج الإنسان إلى التفكير بشكلٍ واعٍ في كيفية استخدام الوقت، واستغلال المهارات والامكانيات والكفاءات التي تغير نمط حياته ضمن دائرة الوقت المتاح، وهذا كله سينعكس عليه نجاحاً وتفوقاً … .
اما المتخلفون والهامشيون والكسالى والاميون والهمج و البائسون فأنهم لا يُقيمون للوقت أهميةً تُذكر، اذ يهدروه وكأنه هباء منثور , فهؤلاء لا يشعرون بإضاعة وقتهم فيما لا يفيد ؛ كما يشعرون بالذنب عندما يهدرون اموالهم في الامور التافهة او الباطلة ؛ نعم ان الوقت قد لا يشعر بقيمته إلّا من فقده وتقدّم في عمره فبدأ يتأسف على ما فاته من العمر وعلى ما كان يمكن أن يفعله لو استغلّ وقته بالطريقة الصحيحة، فعلى الرّغم من أنّ الوقت لا نهائيٌّ بذاته، إلّا أنّه محدودٌ لكلّ شخصٍ منّا، فالدقيقة لا يمكن لها أن تعود أبداً مهما فعلت، وستندم في وقتٍ من الأوقات على هذه الدقيقة إن لم تقم باستغلالها على أكمل وجه ممكن ؛ لذا تلاحظ ان المجتمعات المتخلفة أقل إنتاجية وأقل عطاءً ؛ بل وان بعضها اكثر استهلاكا وفسادا وشرا وقبحا ؛ فالفراغ داعٍ إلى الفساد، ومفتاح للشرور، والنفس البشرية إن لم يُشغلها الإنسان بالأبداع والنشاط العلمي ، والعمل المفيد والانجاز شغلته بتوافه الامور والشهوات فقط ؛ لذا جاء في الحكمة القديمة : (( عقل الكسلان معمل الشيطان )) فلا شك أن العقل الخامل والشخص الكسول هو مرتع ومستنقع خطير تجتمع فيه أفكار الشياطين ووساوسها وتنبت فيه أحابيلها ؛ كالماء الراكد يتعفن ويصبح مصدراً للأمراض والبكتريا والفطريات .
وبهذا الصدد يقول الدكتور عبد الكريم بكار : (( إنّ حجم استغلال الوقت، ومدى الاستفادة منه يُعتبر من أهم العلامات الفارقة والفاصلة بين الأمم المتقدمة الناجحة والأمم المتخلفة، وهو كذلك الخط الفاصل بين الأشخاص الناجحين والعاديين … ؛ ولذلك فإنّ الأمة الإسلامية في أيام ازدهارها وانتصارها ضربت للعالم أجمع أروع الأمثلة في المحافظة على الوقت، وحُسن الاستفادة منه )) فالوقت هو الأمر الوحيد الذي يمتلكه جميع البشر بالقدر نفسه من دون أيّ زيادةٍ أو نقصان لأيّ شخص ؛ فبغضّ النّظر عن عمر الإنسان ومتى يولد أو يموت، إلّا أنّ كلّ إنسانٍ يملك أربعاً وعشرين ساعةً في يومه الواحد ، ولكنّ الفارق الوحيد بين الناس هو كيفية استغلالهم لهذا الوقت ، فلو لاحظنا العظماء عبر التاريخ فسنلاحظ أنّهم عرفوا أهميّة الوقت واستغلوه أفضل استغلال، ولهذا استطاعوا بناء الإمبراطوريات واختراع الآلات وصنع التاريخ على الرّغم من كون العديد منهم مرّوا عبر التاريخ بلمح البصر، فلم يتجاوز عمرهم عند وفاتهم الثلاثين أو الأربعين ، إلّا أنّ أفعالهم بقيت محفورةً إلى عهدنا الحالي … ؛ فالأوقات التي لا يستطيع الإنسان الاستفادة منها هي تلك التي تشكل في حياته تاريخا غير ذي قيمة ولا مدلول.(1)
وعليه يعتبر استغلال الوقت هو الخطوة الأولى والمفتاح نحو النجاح على صعيد الافراد والشعوب والجماعات والامم ؛ ولكن وللأسف الشديد ان القليل من مواطني بلادي العزيزة ؛ هم من عرفوا قيمة الوقت واستغلوه أفضل استغلال ، اما الكثرة الكاثرة منهم فقد اضاعوا اعمارهم القصيرة وهدروا اوقاتهم الثمينة في اللهو والعبث وتوافه الامور , و قد تجرأ السياسيون العملاء عليهم وادخلوهم في دوامات الحروب الخاسرة ومعارك النيابة عن الاخرين , ودوائر الازمات المفرغة , وأوكلوا اليهم الاعمال القشرية والمشاريع الشكلية والانجازات الوهمية , وملئوا دوائر الدولة بالموظفين شبه العاطلين وكدسوا الشباب في معسكرات الموت والعذاب والبؤس , وافرغوا التعليم والتربية من كل الامور الايجابية ؛ بحيث جعلوا من الخريج الجامعي عالة على اهله والمجتمع , وألهوا المواطنين بالمسرحيات والمخططات السياسية السلبية , والبرامج الاعلامية والثقافية المسمومة والمنكوسة , وشجعوا الشباب على تضييع طاقاتهم واهدار اوقاتهم في اللعب والجنس والاكل والشرب والمقاهي والملاهي والكوفيات والمخدرات , والشلل والصداقات والتجمعات التي تستهلك السكائر والاركيلات ولساعات طويلة من دون فائدة ترجى – وهذا لا يعني الغاء بعض وسائل التسلية الصحية بقدر ما نهدف الى السيطرة عليها بالشكل الصحيح لا غير بحيث لا تتعارض مع الدراسة وطلب العلم والمعرفة والعمل والانجاز والابداع – ؛ فها هم شبابنا يهدرون أوقاتهم بلا طائل ، يقضون نهارهم ولياليهم متفرجين على المسلسلات والأفلام ، ويقعدون في المقاهي يتفرجون على المباريات ، فضلا عن قتل الوقت من خلال العبث واللهو بالجوالات والهواتف النقالة ، فشبابنا اليوم يقضون أوقاتهم بل يسهرون طول الليالي وهم يشاهدون الأفلام والمشاهد الخليعة على الإنترنت، أو يدردشون مع أصحابهم وأصدقائهم، أو يبذلون ثروتهم القيمة هذه على المواقع الاجتماعية الأخرى مثل : الفيس بوك والتويتر والواتساب وما إلى ذلك من مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية ؛ بحيث اضحى الطلبة لا يهتمون بأوقاتهم ولا يدرسون ولا يطالعون ولا يبدعون في مجالات تخصصهم , اذ تمضي اوقاتهم دون طائل , في اللهو والفراغ واللعب والعبث والكسل والاستهلاك والشهوات دون أن يقضوا أمرا مهما او ينجزوا عملا مفيدا او ينشئوا مشروعا جديدا … ؛ وليت هذه الفاجعة والظاهرة السلبية اقتصرت على المواطنين فحسب , بل نظر لها وساهم في نشرها وانتشارها وشيوعها بين طبقات وافراد المجتمع ؛ الساسة والقادة واصحاب النفوذ الديني والاجتماعي والاعلامي والاقتصادي ؛ وفي احد الايام وانا اسير في شوارع بغداد ؛ ابان سقوط المحافظات الغربية وسيطرة داعش عليها ؛ اثارت انتباهي لوحات اعلامية مكتوب عليها : ( النصر على داعش مسألة وقت ) وهذه العبارة منسوبة لاحد الساسة المعروفين , في الوقت الذي سقطت فيها المدن والقرى العراقية واحدة تلو الاخرى , وازهقت فيه الاف الضحايا من ابناء الاغلبية والامة العراقية , وبلغت فيه القلوب الحناجر , وتمنى الناس عندها ان تسير الساعات وتمضي الايام سريعة كلمح البصر ويأتي بعدها النصر , يتشدق هذا السياسي وغيره : بأن النصر على داعش مسألة وقت ليست الا , هب العراقيون عن بكرة ابيهم وبكامل العدة والعدد ومع ذلك استغرق القضاء على داعش أكثر من ثلاث سنوات كل يوم فيها يعادل سنة من العذاب والبؤس …!!
وكأن الوقت أمر هين , او ان مقولته البسيطة هذه تعتبر من شذرات الفكر والابداع السياسي الفذ ؛ فمن منا لا يعلم ان الوقت كفيل بإزهاق الارواح والنفوس واتلاف الاموال والدور والفلوس , فكل شيء يتغير ويتحول من حال الى حال بمرور الوقت , الا ان لكل شيء وقت ولكل أمر زمان ؛ لذا قيل : لكل حادث حديث ولكل زمان دولة ورجال … ؛ وعندما تذهب الى احد المسؤولين والساسة والموظفين والقادة الكبار ؛ وتفتح معه موضوع تقديم الخدمات والبنى التحتية والازدهار والتطور والعمران والامن وبسط القانون … الخ ؛ يجيبك على الفور – بهذه (الكليشة ) الجاهزة والاسطوانة المكررة – : (( اصبروا علينه شوية … ؛ قابل عدنه عصا سحرية … ؛ الله ما خلق الكون بيوم وليلة شويه صبر … ؛ انطونه مجال و وقت مثل وقت حكم البعثية وصدام …الخ )) .
يعتبر الوقت عند كل الحكومات الوطنية والحكماء والعقلاء من أثمن الموارد التي منحها الله ؛ لذا حافظوا على الأوقات واستغلوها افضل استغلال واستثمروها للنهضة والتطور والتنمية ، ولبناء مستقبل لامع ، وحضارة يفتخر بها ، اذ لا يمكن أن تُحل المشكلات ولا يمكن أن تنهض المجتمعات و تنشأ الحضارات وتتقدم ؛ والإنسان يهدر الوقت فيما لا يفيده , او ان تتعمد الحكومات بتضييع اوقات المواطنين بالمعاملات الروتينية والاجراءات والسياسة البيروقراطية والمشاريع الوهمية والمشاكل والازمات المستمرة , او ان تفضل الجوانب الاخرى الهامشية على اهمية الوقت والخطط الاستراتيجية ؛ وبعض الحكومات الفاشلة والعملية والفاسدة والظالمة تتعمد اهدار الوقت وتضييع الاعمار بالشعارات الكاذبة والمشاريع المتلكئة ؛ لكي لا تكون لحياة المواطنين وسمعة الوطن أية قيمة .
بعد ان ضاق العراقيون ذرعا بوعود الحكومات الكاذبة ؛ وبعد ان ضج الناس بالشكوى من فقدان الخدمات العامة وتردي البنى التحتية او انعدام البعض منها ؛ استجابت بعض الحكومات وعلى مضض , لمطالب الشعب , وقامت ببعض المشاريع الشكلية والاجراءات القشرية , وبعد اللتيا والتي , زادت الحكومات من تلك الانجازات والمشاريع التي لا تلبي كل مطالب الجماهير او تخفف من معاناتهم في مختلف الاصعدة والمجالات الحياتية ؛ الا انها نفسها صارت مشكلة عويصة , فالناس في العراق بين نارين ؛ فهم كالمستجير بالنار من الرمضاء , فأما ان يسكتوا ويلزموا الصمت ازاء فقدان الخدمات وتردي الاحوال والمرافق العامة ويغضوا الطرف عن الازمات والمشاكل المستمرة وفي مختلف الميادين ؛ او ان يطالبوا بالخدمات والمشاريع التي تتسم بالتلكؤ والتأخير والتسويف والعراقيل فضلا عن مبالغ تكلفتها الخيالية والطائلة ؛ مما ينعكس سلبا على حياتهم اليومية واعمالهم الاعتيادية ؛ فقد يستغرق انجاز جسر 8 سنوات , وقد يعبد الشارع ( يبلط بالأسفلت ) ثم يرجعون اليه بعد شهرين , كي يحفروه من جديد بحجة مد انانيب الماء او مياه الصرف الصحي او الامطار او كابلات نقل الكهرباء , وقد يحفر الشارع لأكثر من مرة للأسباب انفة الذكر , ثم يتركون الشارع والاتربة والغبار يتطاير عندما تمر به السيارات والمارة او قد تسلك احد الطرق الفرعية او تتحول الى الافرع الضيقة لهذه المنطقة السكنية القريبة من الشارع ؛ مما يتسبب بالحوادث المرورية وتضييع الاوقات في الازدحامات فضلا عن التلوث البيئي والمناظر البائسة , وهكذا يقضي العراقيون اوقاتهم في المصاعب والمشاكل والمطبات , وينتظر الناس بفارغ الصبر الانتهاء من انجاز هذا الجسر او ذلك الشارع او تلك المدرسة ؛ ولعمري انه من عجائب الدهر ان يكون الحل في العراق بحد ذاته مشكلة ؛ ولعل البيت الشعري التالي ينطبق على حالتنا تمام الانطباق : من غص داوى بشرب الماء غصته *** فكيف يصنع من قد غص بالماء .
قبل اكثر من قرن من الزمان سمي عصرنا الراهن بعصر السرعة ؛ وها نحن في القرن الواحد والعشرين وفي العقد الثالث منه , ولا زلنا نمشي الهوينا , ونسير كالسلحفاة , بينما ينطلق البعض بسرعة الضوء لإنجاز المهام والمشاريع والاعمال …!!
فعامل الوقت وعنصر تنظيمه والاستفادة منه ؛ يعتبر الحد الفاصل بين المجتمعات الناجحة والاخرى الفاشلة ؛ اذ يعتبر إهدار الوقت وسوء استعماله من الأسباب الرئيسية لفشل الإنسان في الحياة والحكومة في ادارة الدولة ، وبالتالي وجب استغلال كل لحظات الحياة والانتفاع بها، حتى تصير لحياتنا قيمة، فبدون حرصنا على الوقت، لن نحرص على الحياة ذاتها،, لذا يجب علينا استثماره و استغلاله أحسن استغلال لبلوغ الأهداف المرجوة و تحقيق الرغبات … فتنظيم الوقت عنصر مهم من عناصر نجاح المؤسسات والدوائر والوزارات والمنظمات الحكومية والاهلية ، كما أنه عامل من عوامل الرقى الحضاري و التقدم في مختلف المجالات … , والوقت يعتبر سلاحا استراتيجيا للمنافسة ومقياسا للنتيجة والمردودية، فنتيجة العمل تقاس بكمية الوقت والكلفة والجودة… ؛ فنحن في عصر ينتج العالم فيه وفي الشهر الواحد الاف المنتجات والابتكارات والاختراعات والمعلومات … الخ ؛ فكيف تستطيع الحكومة العاجزة عن بناء جسر او مدرسة خلال شهرين من مواكبة التطورات والطفرات في مجالات العلم والصناعة والتقنية والمعلوماتية …؟!
ان الابطاء في انجاز المشاريع والاعمال يعرقل حياة المواطنين , ويزيد من معاناتهم , ويرفع من تكاليف تلك المشاريع والاعمال , ويهدر وقت الامة العراقية ؛ لذلك اهتم الكثير من علماء الإدارة في الدول المتحضرة بدراسة عنصر الوقت وأهميته في نجاح المؤسسات، فحرصوا على تنظيمه وحسن إدارته وتوجيه العاملين لحسن استغلاله.
اما الدول الفاشلة فالوقت لا يعني لحكومتها وشعبها شيئا ؛ فقد تنصرم السنوات والاعوام وتذهب الاجيال من دون تحقيق أدنى فائدة ترجى او انجاز مشروع وطني كبير يذكر ؛ لذا تشاهد في هذه الدول كثرت المشاريع الوهمية والمتلكئة وانصاف الحلول والحلول الترقيعية والمعالجات القشرية والآراء والقرارات الارتجالية ؛ وترى بأم عينك تسكع الموظفين واهمالهم لوظائفهم وتقصيرهم قي تقديم الخدمات للمواطنين فضلا عن استغلالهم لمناصبهم وتلبسهم بالرشوة والفساد ؛ حتى صار التحايل على الوقت آفة أصابت العديد من الموظفين والمستخدمين في مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية – الحكومية والاهلية على حد سواء – ، وهو ما يتسبب في ضياع الوقت وتراكم الملفات وتعطيل مصالح المواطنين وعدم تحقيق الأهداف المرجوة .
وبخلاصة يمكن القول أن مظاهر التخلف والتدهور والتأخر والفشل والانكسار والاندحار مرتبطة بمشاكل تدبير الوقت وهي بدورها ناتجة أساسا عن قلة الوعي بأهمية الوقت وكيفية الاستفادة القصوى منه ؛ وهذه الظاهرة مرتبطة بالتربية والتكوين ؛ وعليه : ونظرا لأهمية تدبير الوقت ودوره في النجاح المدرسي والمهني وفي تسريع وتيرة التنمية وتحقيق الازدهار والنهوض بالوطن والمواطن ، أصبح من واجب الدولة إدرجه كمادة أساسية في مقررات التعليم الجامعي، وإطلاق وصلات توعوية موجهة لعموم المواطنين، عبر القنوات الإذاعية والتلفزية ومختلف وسائل الإعلام… الخ . (2)
………………………..
1- أهمية الوقت في حياتنا / مراد الشوابكة /إبراهيم أبو غزالة / بتصرف .
2- الوقت هو أغلى رأس المال / د. نورالدين البركاني / بتصرف .