كتب نزار حاتم : مذ دعت المرجعية الدينية في النجف الناخبين الى إحداث التغيير في وقت مبكر عشية الانتخابات، وتماهي القوى السياسية وقطاعات واسعة من الشعب العراقي مع هذه الدعوة، اتجهت الأنظار بالأسئلة الى ما ستفرزه النتائج من معطيات مغايرة لتلك التي تمخضت عنها التجربتان السابقتان (2006 و2010).
يمكن القول إن لغة الأرقام المتصلة بعدد المقاعد لهذا الطرف أو ذاك تمّت مغادرتها، لترتحل القوى الفائزة باتجاه الحوارات في ما بينها حول رئاسة الحكومة المقبلة.
الأرقام التي تتحرك ضمن سقوف «الثمانين مقعداً وأكثر منها بقليل، أو الأربعين وأكثر منها بقليل»، لم تعد كفيلة في بلورة الصورة المرتقبة لرئاسة الوزراء، لتحل بدلاً منها نتائج الحوارات وما تتمخض عنها من اصطفافات.
المرشح بين الانتخاب أو موافقة الكتلتين
“التحالف الوطني”، الذي يضم القوى الثلاث الرئيسية وتوابعها بقيادة المالكي والحكيم والصدر، سيتم تشييده من جديد لتحتدم تحت سقفه المنافسة بين طرفين، اولهما دولة القانون، وثانيهما كل من كتلة المواطن وكتلة الأحرار.
وقبل أن ينفتح هذا الثلاثي على الكيانات الأخرى، سيتجه الحوار داخل التحالف الوطني نحو محورين متضادين، أحدهما محور المالكي ويدعو إلى إجراء انتخابات داخل التحالف لاختيار المرشح، معتمداً على عدد المقاعد الأكثر التي حصدها، فيما يرفض المحور الثاني، التابع لكل من الحكيم والصدر، هذا الطرح، مشدداً على اعتماد المعادلة التي تقوم على أساس أن أيّا من الكتلتين تتفقان من بين الكتل على تقديم المرشح، يتعين على الثالثة القبول به، بدعوى أن الأسلوب الانتخابي الذي كان أُعتمد في السابق داخل التحالف لم يكن منصفاً، ولا ناجحاً.
الانفتاح على القوى الأخرى
وعلى وقع هذا التجاذب، سينفتح أعضاء التحالف على القوى السياسية، وقد باشروا بالفعل مشاوراتهم السرية معها، لتتجه البوصلة نحو استدعاء الإجماع الوطني للاستعانة في رأيه بالمرشح لرئاسة الحكومة، وإذا حصلت هذه الخطوة فإنها تمثل نقطة انعطاف مهمة على صعيد التغيير.
وبقدر حالة القلق التي تساور كتلة المالكي من طرح أتباع الحكيم والصدر، يساور الأخيرين ارتياح كبير على خلفية القناعة المشتركة بأنهما الأقرب الى الكيانات الأخرى، التي يتزعمها على سبيل المثال كل من رئيس البرلمان أسامة النجيفي والدكتور إياد علاوي ومسعود البرزاني، الذين يشتركون مع غيرهم في رفض الولاية الثالثة للمالكي.
الانسحاب المشروط
هذه الحيثيات قد تضطر المالكي نفسه الى الانسحاب المشروط، بترشح أحد أتباعه المقربين في دائرة حزب الدعوة الذي يتولى أمانته.
حتى هذا الاحتمال سيتعرض الى رفض شديد، لكنه ليس مطلقاً من قبل أتباع الحكيم والصدر، الراغبين بإخراج رئاسة الحكومة من مربع حزب الدعوة. بيد أن الخيارات إذا انحسرت بين أن يكون المالكي نفسه مرشحاً، أو أن يحل بدلاً منه مرشحه الذي يطرحه فإن القبول بالأخير ليس مستحيلا.
نافذة الخارج: توافق إيراني ـــ أميركي؟
وكل هذا الحشد من التوقعات القريبة من الواقع سيفتح النافذة أمام الدول ذات النفوذ في الداخل العراقي، لا سيما إيران وأميركا، فيما يجري الحديث ـ همساً ـ عن احتمال توافق الدولتين على مرشح تسوية من الوجوه البارزة أو من الخط الثاني، ممن ينضوون تحت خيمة التحالف الوطني، وفي ظل رغبة هاتين الدولتين المشتركة في الإسراع بتشكيل الحكومة، وعدم الاستغراق طويلاً في صيرورتها بين القوى السياسية.
الأغلبية السياسية من دون مناخ
وتأسيساً على ذلك، يبدو الحديث عن تشكيل حكومة الأغلبية السياسية أمراً مستبعداً لم يحتمله المناخ الراهن بعد، لما فيه من ملابسات واصطفافات طائفية وعرقية رافقت المشهد السياسي الجديد منذ انطلاقته عام 2003.
وبموازاة الحديث الساخن عن رئاسة الحكومة، يدور السؤال عن رئاسة الجمهورية التي يتعين حسمها بموافقة الثلثين داخل القاعة البرلمانية الجديدة، لأن الرئيس هو المعني ــ دستوريا ــ بتكليف الكتلة الأكبر في ترشح رئاسة الوزراء.
رئاسة الجمهورية لمن؟
في هذا الصدد، لم تستبعد مصادر مطلعة أن يكون رئيس مجلس النواب النجيفي رئيساً للجمهورية، لتصبح رئاسة البرلمان للكرد، فيما ترى مصادر أخرى ان رئيس الإقليم مسعود البرزاني هو الآخر قيد التداول لتسنم موقع الرئيس. وهذه النقطة بالذات ـــ إذا حصلت ــ فإنها تستدعي توافقاً صعباً بين الحزبين الكرديين لأن الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس الغائب بسبب المرض، جلال الطالباني، يرى أن هذا الموقع إذا اتُفق على أن يكون من سهم الكرد، فينبغي ألا يتعدى حزب الطالباني.