سيرسل بينامين نتيناهو وفده الى المكان الذي سيتحدد وفقا البيان الثلاثي القطري – المصري- الاميركي للتفاوض، لكنه لن يقدم ما يفيد باتمام الصفقة لان دونها عقبات عدة، انما ستكون عملية شراء وقت لا اكثر، ومحاولة اميركية- اسرائيلية لابعاد الضربة الايرانية قدر الامكان، لان الهدف من حرب الاسناد من اليمن والعراق ولبنان هي وقف الابادة الجماعية التي تمارسها تل ابيب في غزة، وهو الشرط الاول المعلن منذ الثامن من اكتوبر/ تشرين الاول العام الماضي، انما الانتقام لعملية اغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شكر، فتلك مسألة مستجدة لها حساباتها.
استنادا الى ذلك فإن المعطيات كافة لا توحي بقرب الوصول الى حل، بل على العكس كانت تصريحات وزير المالية الصيهوني بتسلئيل سموتريتش بشأن رفض اي اتفاق “قبل القضاء على “حماس” في غزة” الكاشف لحقيقة الموقف الحكومي الاسرائيلي.
في هذا الشأن من المهم الاخذ بعين الاعتبار ان هذا النازي الصهيوني اكثر القادة السياسيين اسرائيليين صدقاً، لانه يُظهر المخبوء الى العلن، ففي قوله: “إن قتل مليوني فلسطيني بقطاع غزة جوعاً قد يكون عادلاً وأخلاقياً لإعادة الأسرى الإسرائيليين من القطاع”، هو في الحقيقة لسان حال القادة السياسيين كلهم، لكنهم يحاولون استخدام مساحيق التجميل في تصريحاتهم لمداراة بعض الدوائر الاوروبية، لا اكثر، وعدم تأجيج الرأي العام الغربي.
اياً كان الامر يدرك مطبخ القرار الاسرائيلي ان العودة الى ما قبل السابع من اكتوبر ضرب من الخيال، وان اي خطوة الى الامام تعني تعميق المأزق الاسرائيلي، والمرواحة في المكان ذاته عملية انتحار بطيء، لهذا يحاولون شراء الوقت من اجل ايجاد مخرج من المأزق الاستراتيجي الذي وضعوا انفسهم فيه.
في المقابل إن اللعب في الوقت الضائع اميركياً لن يجدي نفعاً لان الحزب الديمقراطي لن يغامر بخسارة اي نسبة من الاصوات مهما كان ضئيلة لانه خسر الكثير في الاشهر العشرة الماضية، كما ان الحزب الجمهوري لن يغامر بالذهاب بعيداً في وضع كل بيضاته بسلة اللوبي اليهودي، حتى لو كانت هناك نبرة عالية الصوت من دونالد ترامب حيال الخدمات المجانية التي قدمها لاسرائيل، لانه يدرك ان نسبة لابأس بها من 32 مليون ناخب الذين لم يحددوا موقفهم بعد، وغالبيتهم من المعارضين لاي حرب تخوضها الولايات المتحدة في الخارج، كما انهم يعارضون الدعم المطلق لاسرائيل، وشريحة منهم مؤيدة للحقوق الفلسطينية، وهؤلاء ايضا لهم حساب في الحملات الانتخابية، وربما يرجحون الكفة، وبالتالي عدم اخذهم بالاعتبار ليس وارداً.
لا شك ان هذه لحظة حرجة انتخابياً فهي ترخي بظلالها على صانع القرار الاسرائيلي، الذي لايمكنه المضي بالحرب الا بدعم الولايات المتحدة الاميركية من جهة، وعليه ان يراعي الحسابات الانتخابية لكل الحزبين، ومن جهة اخرى يجد نفسه مضطراً بالمضي في مخططه مسنوداً بمجموعة احزاب اسرائيلية صغيرة، لكنها مؤثرة في المزاج العام اليهودي، وهي متقدمة بخطوات على الليكود ونتيناهو، الذي كل همه الفرار من السجن، ورفع حبل المشنقة السياسي عن رقبته، فيما تلك الاحزاب فهي تعمل على التعبئة العقائدية التي تدغدغ مشاعر المؤمنين بالفكرة الصيهونية، ونظرية اقامة الهيكل، وهؤلاء لن يتخلوا من احلامهم، لا سيما انهم وجدوا ارضاً خصبة لهم في الائتلاف الحالي في الحكومة الاسرائيلية، وهذا منحهم قوة اكبر من ذي قبل.
من هنا فإن موعد 15 آب/ اغسطس ليس اكثر من محطة استراحة، الا اذا تسارعت الاحداث، ونفذت ايران و”حزب الله” ضربتهما قبل هذا التاريخ، فإن ذلك سيؤدي الى خلط الاوراق مجدداً، وهو ليس في مصلحة اسرائيل، بينما الولايات المتحدة دفعت بقوة كبيرة الى البحرين المتوسط والاحمر، ودعمتها بطائرات “اف 22″، لانها تدرك ان اي هزيمة لاسرائيل تعني خسارتها الكثير من الهيبة والمصالح في “الشرق الاوسط”، وبالتالي لن تكون الولايات المتحدة قادرة على فرض شروطها على روسيا في الحرب الاوكرانية، خصوصا بعدما دفعت كييف الى الدخول في الاراضي الروسية، وهذا لا شك له حسابات معقدة اكثر من المنطقة العربية.
اما قرع طبول الحرب الواسعة لن تعيد عقارب الساعة الى الوراء، وليس الدفع بقوات اميركية اضافية الى المنطقة الا استعراض، فما كتب قد كتب، وعلى الجميع ان يحفظ مكانه، لان التغييرات خلال الحرب الواسعة، اكبر بكثير من الحسابات الموقتة، بل انها ستغير طبيعة الجغرافيا والديموغرافية في المنطقة ككل، فمن الواضح ان اسرائيل كوظفية انتهت، ولا بد من البحث عن دور لها مستقبلاً، لان لا الولايات المتحدة ولا اوروبا يريدان العودة الى القبول بالخروج من المنطقة على ظهر سفينة هجرة اليهود اليهم مرة اخرى.
كاتب، صحافي لبناني