26 نوفمبر، 2024 10:57 م
Search
Close this search box.

نائبا الرئيس في المواجهة ولأول مرة في السياسة الامريكية

نائبا الرئيس في المواجهة ولأول مرة في السياسة الامريكية

لم يخفَ على احد ان من قاد البيت الابيض خلال عهد جو بايدن (81 عاما) لم يكن بالتاكيد الرئيس فاقد الاهلية الصحية الذي تحول الى مادة لتندر الامريكان وكل شعوب الدول الاخرى الحليفة والعدوة والمقهورة واقصد بالطبع جو بايدن، ولكن باراك اوباما (63 عاما) هو الذي قاد بالإنابة فعاليات البيت الابيض. وعلى الرغم من ان اوباما نجح في تمرير كل سياساته عبر الرئيس الدمية ونائبته ذات التاثير الاقوى داخل البيت الابيض كمالا هارس (59 عام)، الا انه من حيث يعلم او لا يعلم قد اضر كثيرا بموقع الولايات المتحدة الامريكية وتأثيرها الدولي. إذ حول الديمقراطيون الولايات المتحدة الى دولة من العالم الثالث يتنافس على حكمها اصحاب النفوذ وليس المنتخبون ديمقراطيا. اكمل الديمقراطيون بقيادة اوباما ومن خلف الكواليس انسحاب اميركا من افغانستان بعد ان فعلها هو في العراق عام 2011 عندما كان رئيسا.

يقول  بعض المراقبين انه كان على الديمقراطيين ومن اجل الحصول على دورة ثانية ان يؤهلوا نائبة الرئيس لتخوض الانتخابات بدلا عن فاقد الأهلية الصحية جو بايدن. او على الاقل ايجاد بديل مناسب للوقوف في وجه دونالد ترمب (78 عاما) في الانتخابات القادمة بدلا من المخاطرة في دعم جو بايدن. ولكن ثعلب السياسة اوباما كان له رأيا آخر، فقد اراد ان يشغل ترمب ببايدن ولمدة طويلة فينسى ترمب هو ومن معه من الجمهوريين خليفة بايدن المحتملة في اية لحظة وهي كمالا هاريس. ان التركيز على عيوب بايدن كونه هو الذي سيخوض الانتخابات امام ترمب الجولة الاولى من المناظرة الانتخابية ادى الى فسح الطريق الى كمالا هاريس لتقضي على ترمب في المناظرة الانتخابية الثانية. وذلك لأن ترمب وببساطة سيفقد كل مقومات اطروحته في توجيه الرأي العام في الولايات المتحدة باتجاه رفض انتخاب الرئيس فاقد الاهلية الصحية. ولا سيما ان مقومات المناظرة الجديدة بعد انسحاب بايدن الطوعي او القسري هي ليست كمقومات المناظرة السابقة. ان المناظرة الاولى كانت بين شيخين، احدهما لا يملك المقومات الصحية المناسبة لأربع سنوات رئاسية قادمة، وبالتالي فان اقناع الجمهور بعدم اهلية بايدن لم تكن صعبة على مساعدي المرشح الجمهوري ترمب. وبلا شك ان الديمقراطيين تعلموا ايضا من فشل ترشيح اول سيدة لتكون رئيسا للولايات المتحدة، وهي السيدة هيلاري كلينتون (76 عاما). ولذلك اضافوا للسيدة المرشحة الجديدة خصوصية اخرى، فهي سيدة ومن اصل افريقي_ امريكي جنوبي وهندي.

ان تزايد قلق المجتمع الامريكي من تنافس كبار السن على مقعد الرئيس يجعلهم اكثر تقبلا لأي بديل لا سيما اذا كان البديل نائبة الرئيس الحالي وسيناتور كاليفورنيا السابقة والمدعية العامة لولاية كاليفورنيا قبل انتخابها في مجلس الشيوخ. قد تعطيها هذه المواصفات الاهلية القانونية والعملية لتقود الولايات المتحدة وتخرج الرئاسة الامريكية من حالة الشيخوخة التي عاشتها للثمانية اعوام السابقة. كان يمكن لخطة اوباما ان تنجح وبسهولة فتنهي كامالا هارس بالضربة القاضية دونالد ترمب لولا تحرك الجمهوريين السريع بالضغط على ترمب لقبول ترشيح السيناتور الشاب عن اوهايو جي دي فانس (39 عاما) ليكون نائبه المرشح بدلا من الشخص الذي سبق لترمب ان اختاره وهو السيناتور عن فلوريدا ماركو انتونيو روبيو (53 عاما)، لقد فهم الجمهوريون لعبة الديمقراطيين واستبقوا بقرارهم باختيار نائب الرئيس قرار بايدن بالتنحي عن الترشيح للرئاسة بايام قليلة. علما ان سيناريو ابعاد ترمب من سباق الرئاسة لأسباب قانونية لا زال قائما، وهنا تظهر مرة اخرى اهمية المرشحيْن لمنصب نائب الرئيس. وتتمثل نقاط تفوق المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس، والذي يمكن ان يتحول الى مقعد الرئيس عند انسحاب ترمب القسري او الطوعي كما حصل مع بايدن، في عمره الصغير وخدمته في الجيش الامريكي ولا سيما في حرب احتلال العراق، واختصاصه في المحاماة وخطة الجمهوريين لمنع الهجرة وتخفيف الضريبة عن الاعمال، وعلاقة الجمهوريين الجيدة بالخليج العربي، ووقوفهم ضد المثلية الجنسية مما يؤدي الى دعم بعض الاقليات ومنها الاقلية المسلمة، واخيرا سياسة الحسم السريع للمشاكل والصراعات الدولية التي يتصف بها الجمهوريون عموما، ولا سيما لوقف محاولات الصين المستمرة لإستعادة تايوان، وتحديد العلاقة مع ايران ومسألة البرنامج النووي الايراني، وموضوع الحرب في اوكرانيا، وبقاء القوات الاميركية في العراق وغيرها من الموضوعات الملتهبة. وتقابلها نقاط القوة التي ستأتي بها كمالا هاريس وهي، سياسة ضريبية تستهدف التخفيف على اصحاب الاعمال الصغيرة او الموظفين من الطبقة الوسطى والعمال والتشديد على اصحاب الاعمال الكبيرة، وفتح الابواب لموجات الهجرة التي تسمح دائما بتوفير قوة عمل رخيصة، وتشجيع المثلية الجنسية التي ازدهرت في عهد سلفها بايدن وسياسة الاحتواء التي يستخدمها الديمقراطيون في الصراعات والمشاكل الدولية، وعلاقة جيدة بالمجتمع الدولي والامم المتحدة وحلف شمال الاطلسي، ولا ننسى ايضا ان كمالا هاريس ستكون الرئيسة الاولى في الولايات المتحدة الامريكية التي تمثل المجتمعات المهاجرة المختلفة من اميركا الجنوبية وافريقيا وشبه القارة الهندية.

ان الوصول المتوقع لنائبة الرئيس كمالا هارس، او نائب الرئيس المرشح جي دي فانس لكرسي الرئاسة يعد امرا مختلفا عما عُرف عن المسار الديمقراطي محدود الحزبية في الولايات المتحدة الامريكية. وقد يُعد وصول اي منهما بمثابة تدفق دماء جديدة الى جسد العملية السياسية الامريكية على وفق فكرة “الرأسمالية تجدد نفسها” التي ذكرها الاقتصادي المصري الدكتور فؤاد مرسي (1925-1990) قبل اكثر من نصف قرن من الزمن، والتي وردت في كتابه الذي حمل الاسم ذاته. او قد يمهد فوز احد النائبين لمرحلة تتخلها المزيد من الفوضى الادارية من خلال تنافس الدولة العميقة والدوائر السرية والقوى النافذة في الادارة الاميركية للاستئثار بالقرارات الهامة كما حصل خلال احتلال العراق عندما ظهرت الخلافات الكبيرة بين الادارات الامريكية المختلفة مثل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية وسكرتارية الامن القومي مما ادى الى فوضى كبيرة في العراق انتهت بانسحاب القوات الامريكية في نهاية عام 2011.

ان وصول هاريس بجهود اوباما وفريقه الديمقراطي يبقى هو الاخطر على تدهور واقع الولايات المتحدة، والذي يشير بلا شك الى تحول دولة المؤسسات وكما عُرفت على مدى اكثر من قرن الى دولة الدوائر السرية الحاكمة كما هي الكثير من دول العالم الثالث.

دبلوماسي سابق واكاديمي عراقي

أحدث المقالات