خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
بعد ساعاتٍ فقط من الهجوم على صاحية “بيروت” الجنوبية، بهدف اغتيال “فؤاد شكري”، أرفع مسؤول عسكري والرجل الثاني بـ (حزب الله) اللبناني، تعرض “إسماعيل هنية”؛ قائد حركة (حماس) والرجل الأول بالحركة، للاغتيال فجر الأربعاء في “طهران”. ويتضح أن “إسرائيل” لا تعرف الخطوط الحمراء سواء الإنسانية؛ وذلك بإبادة عشرات الآلوف من النساء والأطفال، ولا العسكرية والسياسية والدبلوماسية وذلك عبر اغتيال ضيف رسّمي لدولة ما في قلب دولة أخرى. بحسّب ما استهل “صابر گل عنبري”، في تقريره التحليلي المنشور على قناة (الكاتب) الإيرانية على (تليغرام).
تغيير لقواعد المواجهات مع إيران و”محور المقاومة”..
ورُغم أنها نقلت مستوى الهجوم بالعملية المحدودة والهادفة في “بيروت”، قواعد المواجهات الجارية مع (حزب الله)؛ إلى مستوى آخر؛ بحيث تترقب الأنظار أسلوب ونطاق الرد المحتمل على هذه العملية، إلا أن اغتيال “هنية”؛ في “طهران”، هو في الحقيقة تغيّير لقواعد المواجهات مع (محور المقاومة)، ككل و”الجمهورية الإيرانية” على مستوى الخصوص.
إن ما حدث في “طهران” ينطوي على دِلالات ومعاني مهمة على مختلف المستويات، وإذا كان الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية بـ”دمشق”، والتي تُعتبر على سبيل العُرف جزءً من الأراضي الإيرانية، وأسّفر عن اغتيال بعض القادة العسكريين الإيرانية، فقد اغتالت الأسبوع الماضي مسؤول غير إيراني على الأراضي الإيرانية.
مرحلة الحسابات المعقدة..
مع هذا فالهدف من عملية الاغيتال؛ (مع الأخذ في الاعتبار لتنفيذ العملية داخل إيران)، يتخطي المزامنة مع بدء عمل الحكومة الجديدة، ويبدو أن “إسرائيل” تسّعى إلى فرض قواعد عمل جديدة على المنطقة في نطاق تبادل للنيران دون مستوى الحرب. ورُغم تنجب اندلاع حرب إقليمية حتى الآن، لكن بمرور الوقت إذا لم تتوقف التوترات، فقد تزداد.
واغتيال “هنية”؛ ليس نتاج عملية أمنية معقدة. على كل حال كان في زيارة علنية ضيفًا رسميًا على مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، ولم تكن عملية رصد تنقلاته مسألة شاقة. مع هذا يمكن القول بوجود حسابات معقدة في مرحلة ما بعد تنفيذ العملية.
هذا الاغتيال كان ممكن الحدوث من الناحية الفنية سواءً في “قطر” أو “تركيا”، لكن “الكيان” لم يفعل لأسباب متعددة وحسابات مختلفة، ويبدو أن “إسرائيل” ما كانت ترصد وتتقرب زيارة “هنية” إلى “طهران” للقيام بالعملية. ومن المسُّتبعد قيام “إسرائيل” بهذه العملية منفردة دون تنسّيق وضوء أخضر من “الولايات المتحدة الأميركية”.
تنفيذًا لتعليمات أميركية..
وتأتي عملية الاغتيال بعد عشرة أشهر من الحرب على “غزة”، ولا تزال هذه الحرب المصيّرية داخل قطاع صغير جدًا ومُّحاصر مستمرة، ولم تتمكن “إسرائيل”؛ رُغم هذا الكم غير المسّبوق من التخريب والإبادة، من إنهاء الحرب وتحقيق أهدافها.
ونتيجة لذلك المأزق، ركزت “تل أبيب”؛ خلال الشهرين الماضيين، على مسألة التخلص المادي من زعماء (حماس) وقادتها، بالتوازي مع الاستمرار في الحرب، وهذا بالضبط ما دعت إليه “الولايات المتحدة الأميركية” منذ بداية العام الميلادي الجاري، وانتقال “إسرائيل” من مرحلة العمليات الجوية الشديدة إلى العمليات المُّركزة.
وقد أكدت مصادر إسرائيلية؛ في وقتٍ سابق، أن “واشنطن” وعّدت “تل أبيب” بتقديم الدعم للقيام بعمليات مركزة وموجهة. وعمليتي “بيروت” و”طهران” تعكسان أن نطاق التعاون “الأميركي-الإسرائيلي” لا يقتصّر فقط على “قطاع غزة”؛ وإنما يشمل المنطقة بالكامل.
“حماس” وغياب “هنية”..
وغياب “هنية” يُمثل بلا شك ضربة قوية لـ (حماس)، لكن تجربة اغتيال القيادات المؤسسة والرئيسة على مدار ما يقرب من أربعة عقود، تثُّبت أن مثل هذه الحوادث والاغتيالات لم تؤثر على مواقف وسياسات (حماس)، وإنما تزداد بالعادة قوة وانتشارًا في “فلسطين”.
في المقابل؛ يمكن القول، إن عملية اغتيال “هنية” لن تُزيد فقط من شعبية (حماس) في “فلسطين”، ولكن قد تحد من الضغوط الإنسانية والنفسية الثقيلة للوضع المؤسف في “قطاع غزة”، وتقوية الجبهة الداخلية بالمنطقة التي كانت تأمل “إسرائيل” في تفكيكها وإثارتها ضد (حماس).