هذه ليست سخرية من الرئيس الأمريكي بايدن الذي ميز نفسه من كل الرؤساءالأمريكان بقضائه نصف قرن بالخدمة العامه، وبالتأكيد انها ليست سخريةمن سواق شركة اوبر الذين شكلوا نقطة تحول تكنولوجي نقلت العالم لثورةاقتصادية واجتماعية لا يتسع المجال لذكرها، ولكن لأبين للأمريكان والعالم لماذادعوت الرئيس الأمريكي للتخلي عن اعادة ترشيح نفسه للرئاسة والعمل كسائق“اوبر“
بتجربتي المتواضعه ،أنا ناشط أمريكي من اصل عراقي مهووس في مجالالقانون والقضاء والحوكمة الرشيدة ، قبل وبعد التغيير في العراق عام ٢٠٠٣ قد حاولت متبرعا ومتعاقدا مع وكالات عراقية وأمريكية واوربية وامميه بالعملعلى تنظيم انتقالة عادلة ومحكمةً من الحكم الدكتاتوري الشمولي إلى الحكمالديمقراطي الرشيد ، ولما فشلنا وحاولنا اصلاح الحال بالكلمة والنصيحهلتحقيق حلمنا بدولة تحكم بالقانون لا بالمليشات والفساد فاستهدفت شخصياوقضائيا، ولهذا اضطريت للنفي الجبري عن بلدي الام ، والبقاء في العاصمةالامريكية واشنطن للعمل كسائق “اوبر” كنت متوقع ان اشغل نفسي لايام اوحتى اشهر ولحين يسقط من استهدفني او تتغير الظروف لتسمح لي ولغيريمن المنفيين بالعودة وممارسة اختصاصاتنا،ولكن استمريت اعمل اوبر لعشرةسنوات ،
ورغم صعوبات اللغة ومعرفة خرائط الطرق المعقدة في العاصمة واشنطنوبعض التحديات الأخرى المرتبطة بالسواق والركاب المزعجين ، ولكن إكمالي حوالي ٥٠ الف رحلة في عشرة سنوات عمل مع اوبر لنقل ركاب من كل الفئاتوالأجناس الأمريكية وغير الأمريكية لم تكن فرصة للرزق الحلال فحسب بلكانت ومازالت متعة شخصية وكسب خبرات عملية يصعب حصرها، فتواجدياليومي في شوارع الناس مكننني من رصد ومشاهدات على مر الاياموالساعات، عززتها التواصل مع كل النوعيات من الركاب ، من عاملة بعمر الورد تعمل في ماكدونالد إلى قادة ومؤثرين في الحكومة الأمريكية، كما اضافتانتقالي بالأخبار من السي سبان إلى السي ان ان والجزيرة وبقية القنوات وانافي قلب العاصمة واشنطن وفرت لي فرصة التعرف على محركات النفاق والأكاذيب والإخفاق والمخلفات ومعالجتها وإخفاقاتها الحكومية في حياة الناسومبادين شوارعهم الشعبية ، استمع واقارن افعال جماعات إنفاذ القوانينواناقش واحكم ، لن أبالغ إذا قلت ما كشفته من حقائق وحصلت عليه منخبرات مفصلية لا يمكن تحصيلها للمتدرب بكل مدارس تعلم اللغةوالاختصاصات المدنية سواء بالمدارس الأمريكية وغير الأمريكية ،، ألهمتنيلكتابة كتابين ومئات المقالات النقدية والإصلاحية وملفات المقترحات والشكاوىالمنشورة وغير المنشورة،
ولهذا في الاونة الاخيرة، في كل مناسبة يتسنى لي الحديث مع ركابي عنالقيادات الأمريكية ،كنت انقل لركابي إحباطي من اعادة الرئيس الأمريكيبايدن ترشيح نفسه للرئاسة ،وانقل لهم تمنياتي ان يتقاعد ليمنح نفسه الوقتوالفرصة ليكتب تجربته الوظيفية والشخصية ، ومنها ان يعمل ولو سائق اوبرفيضحكون ، فكنت ارد على ضحكاتهم ، بانها فرصته الثمينه مع “اوبرالناس،” يسترخي بهذه الوظيفة الخدمية المتواضعه، فيرصد ويناقش البسطاء،الذين اشار لهم بالأولوية في خطابه الوداعي الاخير ،ليكون بالفعل أعظمرئيس أمريكي اعلن من ميدان الواقع اين اخطا واين اصاب، وقد يكون اولرئيس حكومة في العالم يقدم دروس لقادة وعناصر خدمة الوظيفة العامه فيامريكا وخارجها ، تدفعهم لفرض نظام وظيفي غاية في الاهمية ، يشترط علىكل من يريد ان يعمل بالوظيفة العامه ان يكون قد مارس –ولو لمدة ٤٥ يوم–وظيفة سائق في نقل عام او مرشد ميداني في شوارع الناس العامه ،اومنظف او بستاني او اي وظيفة عامه في الاماكن العامه ، يتلمس من الواقعالصح والخطأ قبل ان يتولى الوظيفة التشريعية او الحكومية او القضائية ، ينقل بالفعل قبل القول الموظفين العموميين من سعات للنفوذ او الرزق بالحلالاوالحرام إلى مايشبه الكهنة للحفاظ على حرمة الوظيفة العامة،ويجعل منالوكالات العامة من مؤسسات للكسل او الفساد والافساد العام إلى معبد اومعابد لخدمة الناس، فهل سيفعلها ؟
كامل الحساني
محامي عراقي سابق
سائق اوبر حالي