19 ديسمبر، 2024 4:10 م

تاريخ اختبار الذكاء.. اهتم علماء النفس بقياس الذكاء بدقة

تاريخ اختبار الذكاء.. اهتم علماء النفس بقياس الذكاء بدقة

خاص: إعداد- سماح عادل

مصطلح الذكاء حير العلماء، قديما اعتبر الرومان الإنسان الذكي هو المؤهل لسلوك طريق العسكرية، أما العرب والصينيون، اعتبروا الذكي هو من يبرع في مجال الشعر. في الوقت الحالي، يعرف العلماء مصطلح الذكاء باعتباره القدرات الذهنية المتعلقة بالقدرة على التحليل والتخطيط وحل المشاكل، ورسم الاستنتاجات وسرعة المحاكمات العقلية، كما يتضمن استطاعة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار وتعلم اللغات وسرعة التعلم. ويشمل مصطلح الذكاء كذلك القدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين، كما في الذكاء العاطفي.

حديثا ظهر الاهتمام بقياس الذكاء، اختلف العلماء والباحثون في تطوير نماذج لكيفية قياس الذكاء، بعضهم اهتم بالذكاء العام “IQ “Intelligence Quotient، وآخرون اعتمد على الذكاءات المتعددة “MIs ” Multiple Intelligences، ومنهم من جمع الذكاء العام والذكاءات المتعددة.

الذكاء الكامن..

يعتبر “فرانسيس جالتون” 1822-1911 أحد رواد علم الإحصاء، كان مقتنعا أن كل شيء يمكن قياسه، في عام 1884 بدأ دراسته المنهجية للذكاء حيث أسس أول مختبر لقياس الذكاء في لندن، بريطانيا. وانتج 17 مقياسا. وتعتبر أعماله البداية الأولي في دراسة القدرات العقلية من خلال القياس التجريببي المعملي لبعض الوظائف السيكولوجية.

“جالتون” من علماء النفس الأوائل في مجال البحث النفسي، تأثر بقريبه “تشارلز داروين” في البحث في الفروقات بين أنواع الأحياء. ويعتبر أول من ابتكر أسلوب الاستبيانات وسلالم التقدير وتداعي الكلمات وكثير من الإجراءات التي يستخدمها علماء النفس حديثا في مجال البحث النفسي. اهتم بشكل كبير بالبحث في مجال الاختلافات في القدرات العقلية بين الناس، ويعد أول من أسمى القدرات العقلية اسم “الذكاء” باعتباره الهدف الأساسي لابتكاره هذه الوسائل لقياس درجته.

وكان يري أنه لابد  أن يقاس الذكاء بشكل مباشر، وأن يتم الاهتمام بقياس القدرات الكامنة (الذكاء الكامن-Intelligence Potential).

“أرثر جينسن ومايك أندرسون” أكدا ما وصل إليه “جالتون” من حقيقة أن  قياس الذكاء لابد وأن يركز على تقييم سلامة النظام العصبي المركزي المتمثل في قياس القدرات الكامنة، وليس من خلال قياس مظاهر الذكاء في تفاصيل الحياة اليومية.

اهتم “جالتون” بتوافر وقت “للمفحوص” لإعطاء رد الفعل، أي عدم استعجاله، وأن هذا جزء من المنهج العملي الذي يسمح ل“الفاحص” بمتابعة قياس ذكاء المفحوص بدقة عالية.

“جالتون” أول عالم نفس يقبل بتوزيع لابلاس غاوس”التوزيع الطبيعي”، ويصدق في إمكانية تطبيقه على السمات النفسية للإنسان، بما في ذلك الذكاء. وأول من أسس مركزا لقياس الاختبار العقلي في العالم، حيث يمكن لأي كان أن يخضع لمجموعة من الاختبارات، والحصول على تقرير مكتوب بنتائج القياس.

العمر العقلي..

“ألفريد بينيه” 1857-1916 عالم نفس فرنسي تربوي، بدأ في دراسة الذكاء حين أسندت إليه وزارة المعارف الفرنسية عزل وتصنيف ضعاف العقول في الصف الأول الابتدائي المهددين بالرسوب في الاختبارات. ويُعتبر أول أطلق مفهوم “العمر العقلي -Mental age” في عام 1908، اعتمادا على هذا المفهوم، صنف “بينيه” مستوى عمري -Age Level” لكل مهمة، أو لكل مجموعة من المهام. وقد ربط كل مهمة، أو مجموعة من المهام بعمر زمني مُحدد. مثلا الذي يقدر علي اجتياز المهمة/ المهام المرتبطة بالعمر الزمني المحدد يكون ذكيا، أما من لم يستطع اجتياز المهمة، فيُعد غير ذكي. ونشر”ألفريد بينيه” مع زميله “ثيودور سيمون” تنقيحات لمقياس الذكاء عامي 1908 و1911.

كان الهدف الأساسي لاختبارات “بينيه- سايمون” التعرف بحياد موضوعي على الطلاب الذين لم يحصلوا على أية فائدة علمية من البقاء في الفصول الدراسية مع زملائهم، وكان يتم تنقية الأطفال الذين يتأخر عمرهم العقلي، ويتم إلحاقهم ببرامج  التربية أو التعليم الخاص.

النسخة الأحدث من اختبار ستانفورد- بينيه (الطبعة الرابعة SB-IV) نسخة مطورة من الاختبارات السابقة، مع ذلك لا تخلو من العيوب واستندت هذه النسخة على أسس نظرية أكثر ثباتا، وبنيت وفق وسائل أكثر دقة مما قبلها.

النسخة الرابعة (SB-IV)، عبارة عن بناء هرمي يحتل الذكاء العام (g) المستوى الأعلى فيه، ثم تأتي ثلاث قدرات عامة في المستوى الثاني وهي: القدرات المتبلورة، والقدرات التحليلية الفطرية (المائعة)، والذاكرة قصيرة الأمد. أما المستوى الثالث، فتحتله متغيرات الاستدلال الثلاثة: اللفظية والكمية والتجريدية/ البصرية.

الذكاء العام “g“..

عدل “لويس تيرمان” الأستاذ بجامعة استانفورد تعديلات إضافية على اختبار “الفريد بينيه”، فقد أدخل اقتراح “ويليام شتيرن” أن مستوى ذكاء الفرد يُقاس كنسبة ذكاء (Intelligence Quotient-IQ). وسمي اختبار لويس تيرمان باسم مقياس ستانفورد- بينه للذكاء، نسبة إلى جامعة استانفورد التي كان يعمل بها “تيرمان”. وهذا المقياس يعتبر أساس اختبارات الذكاء الحديثة، والتي تستخدم  حتى الآن تحت مُسمى نسبة الذكاء (I.Q).

الطبعات الأولى من اختبارات ستانفورد- بينيه (1916، 1937، 1960) هي المقاييس الأكثر استخداما في أمريكا لتقييم القدرات الذهنية للناس، فقد استخدمت النسخ الثلاثة الأولى للتعرف على الطلاب المتأخرين عقليا، الذين يحتاجون لصفوف تربية خاصة.

خصائص لاختبار ستانفورد- بينيه..

اختبار “استانفورد- بينيه”  أول اختبار لقياس الذكاء العام (g)، ويعتبر مقياسا للذكاء حتى الوقت الحاضر. كما أنه أول مقياس يستخدم مصطلحي “العمر العقلي” و “المستوى العمري”، ويربطهما معا كوحدة قياس للذكاء. لكن يؤخذ على اختبار “استانفورد- بينيه” أنه لا يُناسب الراشدين لأنه نشأ ليستخدم مع الأطفال الصغار، كما أن هذا الاختبار يرتبط بزمن محدد لإجرائه، لذا فعامل السرعة يقلل من المستوى الحقيقي للأفراد المفحوصين.

كما يحتاج إلى تقنين في كل بيئة يستخدم فيها حيث يهتم بالنواحي اللفظية مما يعتبر عائقا. كما أن اختبار قياس الذكاء العام (g) يتأثر فيه أداء الشخص المفحوص بعاداته الانفعالية، وثقته في ذاته. واختبار قياس الذكاء العام (g) يتأثر بشخصية الفاحص من حيث نظرته للحياة وظروفه الآنية ومزاجه الشخصي وقت أداء الاختبارات.

الطاقة العقلية والقدرات الخاصة..

قسم “سيبرمان” نظريته إلى قسمين: القدرة العامة (الطاقة العقلية-Intellectual Power)، والقدرات الخاصة (Special Intelligences). وتقوم نظريته على فرضية أن الأفراد الذين يحققون معدلات مرتفعة في القدرة العامة، يحققون في المقابل معدلات مرتفعة في القدرات الخاصة، مثل: المعالجات اللفظية والعمليات الحسابية، والعكس أي أن الذين يحققون معدلات منخفضة في القدرة العامة يحققون معدلات منخفضة في القدرات الخاصة. فكرة “سيبرمان”  الرئيسية أن الناس الموهوبين في القدرة العامة موهوبون في القدرات الخاصة، وأن الناس البلداء في القدرة العامة بلداء في القدرات الخاصة.

قوبلت تلك النظرية بقبول شديد، وشاع استخدامها عمليا عبر اختبارات الذكاء. ويعتبر “سيبرمان” من أشد المتحمسين لمقياس الذكاء العام (g)، حتى وصل به الأمر  إلى تقييد حق التصويت في الانتخابات لمن لا يتجاوز ذكائه حدا معينا، اتباعا لما فعله  اليونانيون قديمًا في منع الإنجاب لغير الأذكياء.

هناك اعتقاد سائد وسط الباحثين أن عام 1930 كان عاما فارقا في القياس النفسي واختبارات الذكاء، وأن النظريات التي تلت ذلك العام انقسمت قسمين أولهما: استند إلى نموذج سيبرمان، وثانيهما انقسم إلى عدة نظريات أخرى.

فالعامل العام هو الذكاء الفطري، وهو وراثي ولا يتأثر بالبيئة وينمو نموا طبيعيا حتى يبلغ أقصى مدى في سن الثامنة عشر، وهذا العامل لايشترك في جميع العمليات العقلية بنسب واحدة، وأما العوامل الخاصة أو النوعية فهي تقتصر على عملية معينة دون غيرها من العمليات؛ والعوامل الخاصة وإن كان لها أساس فطري إلا أنها قابلة للتنمية أو التدهور.

فرق “سيبرمان” بين العامل العام (القدرة العامة)، والقدرات الخاصة (العوامل الخاصة) من حيث النجاح في الدراسات الأكاديمية. فنص على أن النجاح في اللغة، والرياضيات يعتمد على العامل العام، وأن التفوق في الدراسات الفنية مثلاً يعتمد على العوامل الخاصة.

طور “سيبرمان” ثلاثة قوانين تشرح طبيعة الذكاء من وجهة نظره: الفهم واستنتاج العلاقات واستنتاج المتعلقات. فالقانون الأول يتعلق بالفهم (Apprehension)، ويعني أن الإنسان الذكي لديه وعي داخلي لفهم واقعه الخارجي أكثر من غيره، بالإضافة إلى أن لديه قدرة ترميز المعلومات، وحفظها في ذاكرته. أما القانون الثاني فيتعلق باستنتاج العلاقات (Relation)، ويعني أن الإنسان الذكي لديه قدرة على إدراك العلاقة بين الأشياء سواء كانت علاقة تشابه، أو علاقة تضاد. أما القانون الثالث، فيتعلق باستنتاج المتعلقات (Correlates)، حيث يستطيع الإنسان الذكي استحضار العناصر ذات العلاقة بالفكرة محل التفكير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة