19 ديسمبر، 2024 3:45 م

رواية “كعب عال”.. تعاني النساء علي قدر رهافة أرواحهن

رواية “كعب عال”.. تعاني النساء علي قدر رهافة أرواحهن

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “كعب عال” للكاتبة الكردية السورية “وجيهة عبد الرحمن” تحكي عن تجربة التعافي من المرض في ظل بلد المهجر ألمانيا، والشعور بالتوتر والقلق وأشياء أخري.

الشخصيات..

سارة: البطلة، امرأة خمسينية، تعيش تجربة مرض يضعها أمام ذاتها، حيث يستلزم أن تغير مفصل الركبة، نتيجة للإجهاد الشديد في ارتداء أحذية ذات كعب عال.

باقي الشخصيات نساء قابلتهن البطلة في رحلة تعافيها من مرضها، وتعاملت معهم وشعرت بإنسانيتهم، وتقبلهم لها.

الراوي..

الراوي يحكي بضمير الغائب عن “سارة”، لكنه صوت البطلة الذي يحكي، حيث ترصد مشاعرها وانفعالاتها وأحاسيسها تجاه تجربة المرض، وتجاه ذكريات الطفولة وتجاه ذاتها التي شعرت بالاقتراب الشديد منها حين قضت أكثر من شهر بعيدا عن عائلتها في مستشفي ثم مكان للاستشفاء والعلاج الفيزيائي بعد إجراء العملية.

السرد..

الرواية قصيرة، عبارة عن 144 صفحة من القطع المتوسط، ترتكز علي تجربة المرض والتعافي منه، لكنها تعود بالذكريات إلي مرحلة الطفولة، كما وتحكي عن قضايا أخري تهم البطلة، وتنتهي نهاية إيجابية حيث تجد البطلة الشعور بالراحة والسلام حين تعود إلي بيتها وسط عائلتها.

المرض ومواجهة الذات..

تجربة المرض التي تتعرض لها البطلة التي بلغت عمر الخمسين تجعلها تتفحص ذاتها عن قرب شديد، ذلك القرب الذي نحتاجه حين الشعور بأن النهاية قد اقتربت، وأن الموت ربما ينتظرنا ليهجم علينا، فنجدها تبدأ الحكي بطفولتها، حين كانت تتخيل زملاءها في الفصل وتوبخهم في حديقة منزلها، وتخرج الطاقة السلبية التي تمتلئ بها أثناء أيام الدراسة.

ثم تذهب إلي تجربة العملية وترصد ببراعة شعورها وذعرها من إجراء تلك العملية، أولا بسبب الخوف من موت محقق وتتذكر أنها تشبه أمها التي ماتت في عمر قريب من عمرها، كما أن رعبها الأكبر كان من عدم تمكنها من ارتداء الأحذية ذات الكعب العال، التي تمثل بالنسبة للبطلة رمزا للأنوثة وللتباهي بجمال الأنثى.

وترصد مشاعر امرأة تشعر بأن العمر يجري وأن الزمن يحمل معه كبر الجسد ووهنه وضعفه وهذا ما يحزنها، وتحاول استعادة صورتها عن نفسها التي تبنتها وقت الطفولة نتيجة لمعاملة قاسية من الأهل أو الأم تحديدا معاملة ملؤها الإهمال والتجاهل والسخرية من المحيطين. فتتذكر أنها كانت تري نفسها ” بطة قبيحة” لكنها فيما بعد استطاعت أ تحب ذاتها وتتصالح معها، بل وتظهرها في كامل بهاءها وجمالها، فهي استطاعت ليس فقط أن تتصالح مع ذاتها، وإنما أن تحبها وتثريها وتطورها، وتضفي عليه السحر والقوة. لكنها تتجاوز كل تلك الأفكار والهواجس بمجرد شعورها أنها تتعافي وأنها قادرة علي الاستمرار والمواصلة، وأنها تملك عائلة جميلة تشعر معها بالأمان والسلام النفسي.

ألمانيا..

أهم ما ترصده الرواية شعور امرأة كردية سورية مغتربة تجاه البلد الذي هاجرت إليه مجبرة، بعد أن اشتعلت بلادها بالصراعات والاقتتال والحوادث المأساوية، وترصد كيف تري ألمانيا؟. هي تراها بلد عانت من حربين عالمتين طاحنتين أثرت بشكل كبير علي الأجيال التي عاشت في تلك الفترة، مع الخراب الشديد الذي عانته ألمانيا إلا أنها تجاوزت ذلك الخراب بسرعة قياسية ومجهود مدهش، لتقف علي قدميها بل وتصبح من الدول المتقدمة، وذلك بعمل أفراد الشعب وجهدهم الكبير والاهتمام بقيمة الوقت لذا نجد احتراما واضحا للدولة التي انتقلت إليها البطلة.

لكنها مع ذلك تشعر ببعض العيوب، بيروقراطية، ووحدة يعاني منها الناس، وعنصرية قد لا تكون ظاهرة للعيان لكنها موجودة، وتعامل قد يكون قاسيا للاجئين والمهاجرين، لكنها مع ذلك ترصد شخصيات نسائية ألمانية غاية في الروعة والجمال، يتعاطفن معها إنسانيا ويعقدن معها صداقات وعلاقات إنسانية جيدة، بل ويتعلقن بها ويعتبرنها صديقة حميمة. لنشعر أن النساء يمتلكن قلوبا رقيقة وأرواحا جميلة ساحرة حتى في ألمانيا. وحتى مع الشعور القاتل بالوحدة الذي يصيب معظم الناس، ومع العلاقات الاجتماعية التي تتصف بالجفاء.

الحكي عن النساء..

وتركز البطلة علي الحكي عن النساء اللاتي قابلتهن في تجربة تعافيها من المرض، نساء معظمهن من ألمانيا، يبدين حنانا وودا، ونساء مهاجرات من جنسيات أخري بعضهم يتعامل بإنسانية وأخريات يتعاملن بتعالي. كما حكت عن صديقة سورية مهاجرة كانت بمثابة ابنة لها، عانت هي الأخرى لكي تكتشف ذاتها وتحبها وتتقرب منها.

الكتابة عن النساء لها قيمتها الكبيرة، خاصة عندما تصدر من عيون امرأة تعاني ومغتربة وتشعر بوطأة الاغتراب وتحاول التغلب عليه، وظهر هذا جليا في الأسابيع التي قضتها في المكان الذي كانت تتعالج فيه فيزيائيا، رغم جماله وسحره إلا أن البطلة عانت من الأرق والوحدة والقلق والفزع حد تخيل أطياف تدور حولها.

سوريا..

كانت أيضا لسوريا مساحة في الرواية، حيث حكت الكاتبة عن همومها ككردية سورية شاهدت ما حدث لبلدها ولعشيرتها من دمار وتخريب وفوضي وقتل. أظهرت ما حدث بعد ثورة شعبية لها احترامها وقيمتها من فوضي متعمدة، كانت الدول الرأسمالية الكبرى أهم أبطالها لكي يحصلوا علي ثروات ذلك البلد العريق. كما رصدت كيف يعاني الكرد قبل الثورة وبعدها، ليس فقط من النظام ومن فرق التناحر  الزائفة بل وحتى من الجيران، رصدت كيف أدت الفوضي لحدوث صراعات حتى بين أبناء الشعب الواحد. كما رصدت الوحشية التي يتم التعامل بها مع المعتقلين والمسجونين، رصدت مأسي ومحن كثيرة تشعرها بالحزن والعجز لتكشف أنها حملت بلدها داخل روحها حتى بعد الرحيل.

الرواية تجربة إنسانية عميقة ترصد كيف تشعر المرأة بأمور وقضايا كثيرة وكيف تقدر الشخصيات النسائية من حولها واللاتي يعانين هن أيضا من أحوال العالم اللا إنسانية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة