19 ديسمبر، 2024 4:14 م

“عنايات الزيات”.. روايتها تناولت هموم الذات والمجتمع بلغة منسابة

“عنايات الزيات”.. روايتها تناولت هموم الذات والمجتمع بلغة منسابة

خاص: إعداد- سماح عادل

“عنايات الزيات”  كاتبة مصرية ..

التعريف بها..

ولدت في 23 مارس 1936  وهي من أبرز الكاتبات المنتحرات في مصر، كتبت رواية وحيدة نالت تقديرالعديد من النقاد والكتاب المصريين،  هي رواية «الحب والصمت» التي صدرت في عام 1967 وقدم لها الكاتب “مصطفى محمود”.

انتحارها كان غامضا في عمر الشباب وقد صدرت روايتها بعد موتها مما ساهم في شهرتها في عالم الرواية في ذلك الوقت، ومن روايتها انتجوا فيلما سينمائيا ومسلسلا إذاعيا. ظهر اسم الكاتبة «عنايات الزيات» بعد غياب طويل حين أعادت «دار المحروسة» طباعة روايتها عام 2019، وفي نوفمبر 2019 كتبت عنها الشاعرة “إيمان مرسال” كتابًا يتتبع أثرها، ويحاول كشف سيرتها الذاتية والسر وراء انتحارها بعنوان «في أثر عنايات الزيات».

السر..

الحوار الذي نشر في مجلة المصور في 16 مايو 1967 بعنوان «نادية لطفي تروي سر انتحار عنايات الزيات»  من أهم مصادر المعلومات المتوفرة عن الكاتبة “عنايات الزيات”، حيث ذكرت “نادية لطفي” أن “عنايات الزيات” كانت زميلة الطفولة المبكرة لها، وأنها جلست بجوارها بالمدرسة واكتشفت أنها تحب الرسم مثلما تحبه “نادية لطفي”. في هذا الحوار، ذكرت “نادية لطفي” أنهما كانتا تذاكران معاً، وتذهبان إلى السينما معاً. وأن “عنايات” دفعت بروايتها «الحب والصمت» إلى الناشرين فتأخروا في الرد عليها، ثم جاءها الرد بأن الرواية لا تصلح للنشر.

 

ولدت “عنايات الزيات” بين شقيقتين: “عايدة وعظيمة”. في حوار مع الكاتبة “إيمان مرسال” تحكي “نادية لطفي” أن “عنايات الزيات” كانت تربطها علاقة قوية بوالدها “عباس الزيات”، فالأب كان قريباً من بناته وخصوصاً من “عنايات”، وكان يرافقهم إلى المسرح والسينما.

تركت “عنايات الزيات” بالمدرسة في عام 1955، وتزوجت في 1956 من “كمال بن شاهين”، وتذكر “نادية لطفي” أن “عنايات” واجهت المتاعب في حياتها الزوجية، وأنها ندمت على ترك دراساتها وزواجها. وواجهت واقعاً قاسياً بعد الطلاق. وانجبت ابن وحيد هو “عباس شاهين” الذي تخرج من كلية الآثار وتزوج ومات صغيراً، وقد تركت “عنايات” خطاباً لابنها تعتذر له عن عدم قدرتها على تحمل الحياة القاسية المظلمة”.

الحب والصمت..

في مقالة بعنوان (عنايات الزيات.. كاتبة مصرية راحلة تبهر النقاد بـ”رواية يتيمة”) كتبت “منى أبو النصر”: “أحداث الرواية تمر بتطورات تترك آثارها في شخصية البطلة، وتتصاعد بلقائها مع أحمد إبراهيم، وتقف الأيديولوجيات حائلا بين قصة حبهما.

لم تنل الكاتبة المصرية عنايات الزيات في حياتها شيئا من الاحتفاء أو حتى الاعتراف، وتركت وراءها ميراثا ثقيلا من الحزن ظل مرهونا باسمها، بعد أن أقدمت على الانتحار في ملابسات غامضة وهي في عمر الشباب، وشاع وقت هذا الحدث أنها أقدمت على ذلك الانتحار بعد أن تم رفض نشر روايتها الوحيدة “الحب والصمت”.

ومنذ صدور روايتها عام 1967 بعد انتحارها بقليل، ظل استدعاء اسم عنايات الزيات في عيون النقاد قائما، ولو على فترات، إلا أنه وبمرور أكثر من 50 عاما على حادث انتحارها، يتجدد البحث في ظاهرة عنايات الزيات وروايتها اليتيمة بصورة أكثر تكثيفا، وذلك مع قيام دار نشر “المحروسة” المصرية بإعادة طبع رواية “الحب والصمت” في طبعة حديثة”.

الموت والحياة..

في مقالة بعنوان (عنايات الزيات: سؤال الموت والحياة) كتب “كه يلان محمد”: “لا يمكن إنكار أنَّ حياة الكتّاب تلقي بظلالها على أعمالهم الإبداعية، فما يعيشهُ هؤلاء من تجارب تجد المَسارب إلى نصوصهم، وقد تكون المعرفة بشخصية الكاتب وخلفيته الفكرية وتكوينه النفسي عاملاً لإدراك عالمه الإبداعي وتحديد المؤشرات التي تؤكّد وجود تقاطعات بين مضمامين النص ومسالك صاحبه الحياتية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمدّ السيناريو الأخير لحياة بعض المبدعين مؤلفاتهم بالزخم والغرابة. لذلك، لا تنفصل هذه النهاية عن حيثيات الأثر الإبداعي لدى المتلقي.

ما أن يبدأ القارئ بمتابعة رواية «الجرس الزجاجي» وسلسة محاولات الشخصية الرئيسة للانتحار، حتى يستدعي ذهنه صورة مؤلفتها سليفيا بلاث التي تنهي حياتها مُختنقِة، وهذا ما ينسحبُ أيضاً على علاقة المتلقي برواية «الحب والصمت» للكاتبة المصرية عنايات الزيات، التي انتحرت قبل أنْ يُطبع عملها الروائي الوحيد عام 1967. لكن بطلة الزيات لا تجرّبُ محاولات الانتحار كما تقوم بذلك إيستر، وهذا ما يثير الانتباه، علماً بأنّ نجلاء التي تسند إليها وظيفة سرد وحدات «الحب والصمت» بالضمير الأول تبدو أيامها أكثر شحوباً وغارقةً في السلبية”.

ويواصل عن الرواية: “وينزُّ القسم الأول من الرواية بالحزن والاكتئاب والشعور بالعبث أمام مداهمة الموت لشخصية هشام. وفي غياب الأخ يحلُّ صمت ثقيل على البيت ويشعر ساكنوه بالاغتراب. وما يزيد من سوداوية المناخ هو استعادة الساردة لمشهد موت هشام ورؤيتها الأخيرة لوجهه قبل أن يتوارى من أمام الأنظار إلى الأبد. والحال هذه فمن الطبيعي أن يطوفَ سؤال الموت في فضاء النص. يتعمّقُ الشعور بالحزن مع ركون البطلة إلى العزلة، ويرافق ذلك النزوع إلى الفردانية والانفصال عن مهيمنات أسرية.

إذ تخالف إرادة الأب عندما تختارُ مزاولة العمل، ولا يثنيها استخفافه بالقرار من المضي في هذا الدرب، ولا يصعبُ على القارئ تَبصّر أبعاد وجودية في مواقف «نجلاء»، ولا ترتبط لديها قيمة العمل بمردوده المادي بقدر ما يكون دافعاً لاكتساب مزيد من الوعي في مناحي الحياة”.

ميلو دراما..

ويضيف: “إذا كانت الرواية تُفتتح بما تعيشه البطلة من الحزن عقب غياب الأخ، إذ تنساق خلف السوداوية والشعور بالعدمية، فإنَّ نجلاء تذوق قساوة القلق مع مرض أحمد، لكن وجودها يدعمُ الصحافي الثوري، فتقنعه بضرورة تلقّي العلاج في سويسرا، غير أنّ انتكاسة الصحة تدفع بأحمد نحو الاستسلام، ولا يقوم برحلة علاج جديدة إلّا تلبية لرغبة حبيبته. واللافت في أجواء الرواية هو الطابع الميلودرامي، خصوصاً في المقاطع الأخيرة إذ تقرأُ نجلاء خبر موت أحمد بعد صراعه مع المرض، لكنّ ّأفكاره في الواقع تنتصر، كأنّ بالكاتبة قد أرادت بذلك الموقف التعبير عن فكرة الانبعاث.

وبخلاف ما عاشته نجلاء بعد موت أخيها من الوحدة والأسى، لا يجرفها تيار الحزن حين يموت أحمد، إنما قرّرت أن تصنع من نفسها شيئاً وتصارع قدرها. فالمشهدُ الأخير في الرواية لا يوحي بأنَّ البطلة تعاني الكآبة والنظرة السوداوية، بل العبارة التي ينتهي بها السرد تنضحُ بالأمل والتفاؤل. صحيح أنَّ فكرة الموت وقساوته متغلغلة في جسد النص، كما أنّ نجلاء تشكو من مرض الروح مثل بطلة «الجرس الزجاجي»، وتلمّحُ إلى خيار الانتحار من دون تجربته.

أيّاً يكن الأمر، فإنَّ «الحب والصمت» رواية تتناولُ هموم الذات والمجتمع بلغة منسابة ومعبّرة بالوضوح عن أفكار متطلعة لحياة جديدة. وما لا يجوز تجاهله هو ترتيب المبنى الروائي، فلقد تمكّنت الكاتبة من صياغة العبارات الوصفية التي لا تقتصرُ وظيفتها على الجانب التزييني، إنما الهدف منها هو تقديم مستويات الحياة وبيان المشاعر والانفعالات. ولا يفوت على المتلقّي طيف الأفكار الوجودية في الرواية، فالنص ينجح في تحقيق التوازن بين تقنيات السرد والحوار والوصف، هذا إضافة إلى أسلوب المونولوج الذي يستأثر به صوت نجلاء. والسؤال الذي ما انفكّ يلوحُ للمتلقّي هو «هل فعلاً كلّفت هذه الرواية عنايات الزيات حياتها، وهي انتحرت ولم تبلغ الخامسة والعشرين من عمرها بعدما رُفِضَت «الحب والصمت» من دار النشر»؟”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة