أصابنا قَرف شديد من سياسين لصوص يحملون جنسيات مزدوجة، سئمنا منهم، من وطنيتهم المزيفة، من كذبهم، من غرورهم، من أسمائهم، ملامحهم، عباراتهم، من تكالبهم على المغانم، على المناصب، على السلطة، فهم ليسوا إلاّ تجار دَم، يتقنون بيع أي شيء، مع أنهم لايملكون أي شيء. وحدهم مَن جاءوا بالمحتل وقالوا عنه محرراً، وأنه جاء بجيشه وسلاحه ليبني دولة المواطنة والديموقراطية، فكانت النتيجة، أن خسرنا المواطنة، ومسحنا الارض بثياب الديموقراطية، وعوضاًعنهما سقطت على رؤوسنا دفعة واحدة فؤوس دولة “المكونات”، فتشرذمنا إلى اقليات وقوميات وقبليات واثنيات واديان ومذاهب وطوائف !! وما عدنا نعرف من نحن ؟ كم تاجروا بنا، بعرينا، بعذاباتنا، بشحوب احلامنا أيامَ كان الحصار يقرض فيها 13 عاما، لحظة بعد لحظة، وعاما بعد عام. كم تاجروا بدم الضحايا، كم تاجروا بجوعنا، بأمراضنا المزمنة. هل كان نضالهم من أجل ارواح كانت تسقط واحدة بعد أخرى، شيوخا ونساء وأطفالا ؟ . هل كان دفاعا عن حرية إنسانية طالما تغنوا بها وتباكوا على غيابها في عراق البعث؟. جلَّ ماكانوا يطمحون إليه كرسي السلطة، ولتذهب من بعده كل البلاد إلى الجحيم، وها نحن في الجحيم، كما شاءوا لنا أن نكون. هي “دولة المكوِّنات”، كم صدعوا بها رؤوسنا طيلة أعوام عشرة، كم احالت حياتنا، نحن الذين نعيش في الداخل، الى موتٍ مستمر، الى شكٍّ وكرهٍ وبغضٍ وحقدٍ يزداد سعيره بيننا، يوما بعد آخر. . بفضلها فقدنا الشعور بدفء الوطن الواحد، وبأننا ننتمي لشعب واحد.. بعد الآن ليس ممكنا أن تكون مطمئناً، ولا أن تكون آمناً وانت تقطع الطريق مابين زقاق وزقاق، مابين جنوب وشمال، فالخوف كل الخوف أن تفضحك اللهجة، أن تشير اليك الجغرافيا أن يتأمر عليك التاريخ أنْ يُعرِّيك الهندام ، فتقتلك الهويّة. . أصبحنا نخشى أنْ تُذكر أسماؤنا صريحة، أن تُذكر ألقابنا..
حياتنا اليوم لايَعرفُ طعمَها، مَن يقيم خارج الوطن، مهما كانت غربته قاسية عليه، ومهما كان عراقيا أصيلاً، من أبٍ وأمٍ عراقيين. إخواننا المغتربون العراقيون، إن غربتنا هنا بين أهلنا، وعلى أرضنا، باتت أقسى من غربتكم، كل شيء بات حولنا غريبا: الشوارع، الجيران، المناهج، قوات الأمن، الجيش، السماء، الهواء، القضاء، المدن، كل شيء، فما مِن شيءٍ يمكن أن يبعث على الطمأنينة سوى الموت. نخاف من سيارة تقف عند الناصية لربما قد تكون مُلغَّمة، نخاف من مُعوّقٍ نصادفه في الطريق فنخشى أن يكون انتحارياً، نخاف من الشارع إذا كان في لحظة ما هادئا بلاضجيج، نخاف الازدحام، نخاف السيطرات، نخاف “سوات”، فهل بإمكانكم أن تستبدلوا حياتكم الهادئة، أنتم وأولادكم، وتتركوا خلف ظهوركم ألإحساس بالأمن والعيش المطمئن الرغيد، لتقتسموا معنا ذُلّنا ؟ فإن كان لديكم الاستعداد، فأهلا وسهلا بكم، مواطنينَ وأعضاء في البرلمان ووزراءَ وحُكَّاما مُعزَّزين مُكرَّمين. إخواننا المغتربون، ليس من حق أي واحدٍ منّا أن يصادر حق انتمائكم للعراق، فهذا وطنكم، ولكم أن تعودوا اليه متى شئتم، وأنْ تقرروا البقاء فيه متى شئتم. بنفس الوقت، لاتصادروا حقنا في أن نختار من ينصفنا، فلاتحرمونا اختيار حياةً حُرمنا مِنها، لاتسرقوا فرصتنا في العيش مثلما تعيشون أنتم وأولادكم .. وإذا كان بينكم مَن يسعى لأن يكون صوتنا في البرلمان، أو أن يكون رئيسنا، فينبغي أن يعيش بيننا، وأولادهُ يدرسون مع أولادنا، وله أن يَعلم مُسبقاً قبل أن يتورط في إتخاذ قراره، أنَّ مَدرِاسَنا مبنية من طين، لا مصاطب فيها، ولاتدفئة، ولاتبريد، بل إن كثيراً من الأطفال حتى بلا كتب. عليه أنْ يقاسمنا كل شيء، أكوام الزبالة بين البيوت، حرارة الصيف بلاكهرباء، قسوة الشتاء بلا نفط للتدفئة، الوقوف في طوابيرلأنجاز معاملة رسمية مُتحملاً إهانات حراس وموظفين متعجرفين . لن نسمح لأنفسنا أنْ نشكك بعواطفكم تجاه وطنكم العراق .. لكننا نقول لكم: إنَّ مسؤولية المنصب السياسي ليست بالصورة الرديئة التي قدمها سياسيو العراق، وكلهم كانوا يحملون جنسيات مزدوجة بضمائر مزدوجة، بما فيهم رجال الدين، ويساريون وقوميون ومتأسلمون، كلهم كانوا يدَّعون النضال من أجل الوطن، وأثبتت الايام كذب ما ادّعوهُ، وأنَّ ولاءهم أولاً وآخراً لوطنٍ كانوا قد لجأوا إليه، وكم كانت فرحتهم كبيرة به وبجنسيته. الاقسى في قضيتنا: أنَّ أصحاب الجنسيات المزدوجة قد اثبتوا في كل مارتكبوه من خطايا بحقنا أن بينَهم وبين العراق ثأراً كبيرا، ولم تكن عودتهم إليه بدافع الحنين، ولا رغبة في البناء، وإنما ثأراً وانتقاماً منه: وطناً وشعباً وتاريخاً وقيماً!. حمَّلوهُ المسؤولية كاملة عن غربتهم، عن تشردهم، وقد آن الآوان لكي يدفع لهم الثمن باهظا، مُتناسين، مُتغافلين، مُتجاهلين، عن سبقِ إصرارٍ وتعمّد، حقيقةً واضحةً لا يختلف عليها اثنان من
المناضلين، في أيّة بقعة من العالم، بأنَّ من يتحمل مسؤولية النضال ضد سلطة غاشمة تحكم بلده، يتوجب عليه أن يتحمّل منذ اللحظة الأولى وحتى وفاته تبعات هذا الاختيار، مُستبعدا من حساباته أن يطالب الآخرين، من البسطاء والمغلوبين على أمرهم بأن يدفعوا له ثمن نضاله، قصوراً وأراضيَ وأرصدة في البنوك، له ولأولاده وأحفاده. لكن سياسيناجعلونا ندفع لهم فوق هذا:أرواحنا وأبنائنا وبيوتنا ومدننا وأحلامنا. ولو كان للعراقيين بقية وعي وإرادة، لتوجب عليهم أن لايكرروا الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وأنْ لا يثقوا بمثل هؤلاء، فيمنحوهم فرصة للكذب عليهم مرة أخرى، ليدمروا ماتبقى لديهم من وطن.