خاص: قراءة- سماح عادل
هل عرف المصريون القدماء فن اليوجا؟، هل كانت لهم تأملات روحية عميقة؟، وهل عرفوا مفهوم الإله الواحد، الذي يمثل الحقيقة المطلقة؟، هذا ما سيحكي لنا عنه كتاب (اليوجا المصري فلسفة التنوير”المعرفة الروحانية”) للكاتب الأمريكي”د. مواتا آشبى” ترجمة “صفاء محمد”، وهو كتاب هام وكاشف.
لماذا اليوجا؟..
في التمهيد يطرح الكتاب تساؤلا: “لماذا اليوجا؟، ما هي اليوجا؟، كلمة “يوجا” معناها الحرفي هو” إعادة الصلة” أما المعنى التفصيلي فهو إعادة اتصال الإنسان بجذوره الروحانية، بأصل وجوهر الوجود، ذلك الجوهر الذي يسمو فوق الفكر، والذي يكمن في كل شيء في الوجود.
يقدم علم اليوجا للإنسان التعاليم أو الطرق التي تساعده للوصول إلى “الكمال” الذي هو جوهر الروح الإنسانية. وأول معلم للإنسان ومرشد له هو “الطبيعة”. الطبيعة هي أحد الطرق التي تصل الإنسان بالجوهر. إذا ترك الإنسان بدون معلم روحي فالطبيعة تتكفل بتعليمه. وطريق الطبيعة هو طريق التعلم من خلال المعاناة والألم، ومن خلال التجربة والخطأ وهو طريق شاق وطويل، يكتسب فيه الإنسان المعرفة الروحية من خلال إعادة التجسد أكثر من مرة.
أما اليوجا فهي تقدم للإنسان طريقا ومنهجا فرديا يعتبر”طريقا مختصرا” بدلا من طريق التجربة والخطأ الطويل والمحفوف بالآلام. وطريق اليوجا هو طريق التحكم في النفس، الذي يؤدى إلى الوعي بالذات الإلهية الكامنة داخل كل إنسان. والهدف من هذا الطريق أو المنهج هو الوصول إلى ما يعرف ب “وعى حورس”، أو”وعى المسيح” والمسيح تعنى الممسوح بالزيت المقدس أو وعى الإنسان المستنير. ذلك الوعي الذي يتصل فيه الإنسان مباشرة بالذات الإلهية أثناء حياته، وليس بعد موته”.
التخلي عن الأفكار الفردية..
ويواصل الكتاب في شرح معني اليوجا: “ولكي نصل إلى ذلك الوعي علينا أن نتخلى عن أفكارنا الفردية egotistical ونجعلها تذوب وتتلاشى لتتيح لنا الفرصة لاكتشاف ذاتنا الحقيقية الخالدة. التي هي خارج حدود الاسم والجسد. و”الطريق” المختصر الذي تقدمه لنا اليوجا لا يعنى بالضرورة أنه طريق سهل، وإنما هو طريق يدرب الإنسان على مواجهة تحديات الحياة. وعلى الإنسان أن يبذل الجهد من أجل الوصول إلى هدفه الأسمى وهو إعادة الوصل بالذات العليا، وعندها يصبح “حكيم أو قديس، أو حورس، أو مسيح”.
الحكمة..
وعن اليوجا التي تؤدي إلي الحكمة يضيف الكتاب: “هناك العديد من أنواع اليوجا، وهذا الكتاب يركز على يوجا “الحكمة” ويوجا “الفعل” والتي تعرف في كتب فلسفة الفيدانتا الهندية ب “جنانا يوجا” وأيضا يوجا “الكارما” وإن كانت كل الطرق اليوجية تؤدى إلى هدف واحد وغاية واحدة، لذلك فمن المتوقع أن تقوم كل طريقة من طرق اليوجا باستعارة بعض أساليب الطريقة الأخرى. وبشكل عام فإن أي نشاط أو ممارسة أو طقس يساعد الإنسان في الوصول إلى حالة من التناغم بين ذاته الدنيا وبين الذات العليا هو نوع من أنواع اليوجا.
وعلى طالب اليوجا أن يتأمل الرموز والقصص والتعاليم التي تقدمها طرق اليوجا المختلفة، لكي يعرف كيف يطبق تلك الأفكار الفلسفية في حياته الخاصة. على سالك الطريق أن يسعى للوصول إلى إجابات عن الأسئلة الفلسفية الوجودية التي تنبع من روحه، ولكن عليه أن لا يتوقع إجابات عقلانية. فالإجابات تأتى بصورة رمزية، واليوجا هي العلم الذي يساعد الإنسان على فهم لغة الكون الرمزية. وبذلك تتحول العقيدة إلى حدس وتأمل، ومعرفة باطنية.
اليوجا هي العلم الذي من خلاله يستطيع الإنسان أن يعثر على جذوره. والأهم من ذلك أن فلسفة اليوجا وكذلك كل الفلسفات الباطنية القديمة تعنى في المقام الأول بتدريب الإنسان على كيف يعي “في اللحظة الحاضرة وفي المكان”، أي تدريب الوعي على أن يعي في “الحضرة/ الحاضر/ الحضور””.
النشوة الروحية..
وعن ما تحققه اليوجا يكمل الكتاب: “تعلمنا فلسفة اليوجا كيف نفكر بعمق لنعرف من نحن؟ ولماذا جئنا إلى هذا العالم المادي؟ وكيف نصل إلى النشوة الروحية؟
السعادة: إن التفكير السليم يقود إلى التصرف السليم، والتصرف السليم يساعد الإنسان في الوصول إلى السعادة الحقيقية وهو ما زال على قيد الحياة، و ليس بعد الموت. ذلك هو الهدف الأسمى الذي يسعى كل إنسان للوصول إليه، أن يتحكم في نفسه وبالتالي يتحكم في مصيره .
تساعدنا فلسفة اليوجا على التخلص من السعادة الوهمية الزائفة، بأن نطهر عقولنا وأجسامنا، وتطهير العقل يكون بالتحرر من وهم المادة. فالعالم المادي هو عالم دائم التغير، وكل ما يتغير هو نسبى مؤقت وغير حقيقي. والسعادة الحقيقية هي السعادة الدائمة التي لا توجد في العالم النسبي، وإنما توجد في العالم المطلق/ الحقيقي.
إذا نجح الإنسان في الوصول إلى السعادة “الحقيقية/ الدائمة” فلن تستطيع أي قوة في الكون أن تسلبه إياها مهما تغيرت أحواله في العالم المادي من غنى إلى فقر، أو من شهرة إلى نسيان، لن تؤثر تقلبات الزمن على من وصل إلى السعادة الحقيقية.
ولكي تصل إلى تلك الحالة عليك أن تبحث عن نقطة ثابتة، مركز ثبات، يتعلق وعيك بها طوال الوقت، حتى لا تفقد اتزانك مع تقلبات العالم المادي المتغير. ومركز الثبات هذا موجود بداخلنا، وإذا عرفنا كيف نكتشفه، عندها سنعرف كيف نعود إليه مرارا وتكرارا كلما هاجت من حولنا العواصف والأعاصير”.
الجهل..
وعن الجهل يواصل الكتاب: “إن الجهل يجعلنا لا نعرف كيف نفكر وكيف نتصرف وكيف نشعر بما حولنا، ومن ثم نصبح ضحية للقلق والخوف وتحت رحمة المواقف المختلفة التي تصادفنا في الحياة.
السعادة هي حالة من حالات الوعي، هي طريقة للتفكير والتصرف والإحساس، السعادة هي موقف أو طريقة تفكير معينة يمكننا أن نتعلمها، وهي علم يمكننا أن نطبقه في حياتنا اليومية الآن وفي كل لحظة. وإذا عرفنا كيف نطبق هذا العلم، فسندرك أهمية وجودنا في هذا الكون في كل لحظة، وفي كل ساعة، و كل يوم من أيام حياتنا على الأرض وأيضا في العالم الآخر. إذا فهمنا حقيقة العالم الذي نعيش فيه، فسنعرف كيف نضبط أفعالنا، وبالتالي سنعرف كيف نكون في حالة سعادة دائمة.”
إلها واحدا..
وعن الاله الواحد الذي عرفته الحضارة المصرية القديمة: “منذ فجر التاريخ عرفت مصر القديمة “إلها واحدا”. فالإله واحد لأن الحقيقة واحدة وأصل الوجود واحد. لذلك فان دراسة العديد من الأديان والأساطير حول العالم تشير إلى وجود تشابه بين رموز كل هذه الأديان والفلسفات القديمة. لأنها جميعا خرجت من نفس المنبع.
الحقيقة واحدة، والأصل واحد. وعلينا أن نبحث عن هذه الحقيقة، لأن معرفة الحقيقة هو الطريق إلى السعادة الدائمة والرضا التام. تأتى تلك المعرفة من دراسة الماضي. وهنا يجب علينا أن ننتبه إلى الغرض الذي من أجله نبحث في الماضي. هل نحن نبحث لمجرد الحصول على درجة علمية وشهادة نستخدمها للوصول إلى مكانة اجتماعية وتحقيق مكاسب مالية ونسيطر بها على الآخرين الأقل علما. أم أننا نبحث لكي نفهم ونساعد أنفسنا والآخرين في رحلة الحياة. ومن المؤكد أن الحقيقة هي الهدف من هذا البحث، لأن الحقيقة وحدها هي التي ستحررنا من أغلال الوهم.
على الباحث في المعرفة الباطنية أن يكون صادقا و مثابرا فى سعيه للوصول الى الحقيقة. فالحقيقة لا تعرف إلا بالقلب، والحقيقة هي التي تصل بالإنسان إلى الخلاص. إلى التحرر من أسر دورة الميلاد والحياة والموت وإعادة التجسد مرة بعد أخرى”.
اليوجا المصري..
وينتقل الكتاب للتركيز علي اليوجا المصري: “تقدم لنا اللغة والرموز المصرية القديمة أول دليل تاريخي مسجل على ظهور فلسفة اليوجا .وقد أستمر تطور فلسفة اليوجا وتعميقها بعد ذلك في وادي الهندوس بالهند من خلال ظهور الكتب الهندية المقدسة مثل الفيدا والأوبانيشادا والبورانا والتانترا.
وتدل الكتابات المصرية القديمة على أن المصريين القدماء عرفوا وحدانية الإله، وعرفوا أن طبيعته أرقى من حدود الزمان والمكان والشكل وهو ليس بمذكر ولا مؤنث لأنه فوق قوانين القطبية والانقسامية.
أدرك قدماء المصريين وجود “الروح الأعظم” أو “الكيان الأسمى” أو الكيان الأعظم” أو “العقل الأعلى” وهو ليس له اسم لأن كل الأسماء تصفه. و قد أشاروا إليه بمصطلح “نتر – نترو” و معناها رب الأرباب وهذا مجرد وصف له وليس اسم علم لأن “الإله” ليس له اسم. وصف قدماء المصريين رب الأرباب “نتر – نترو” بأنه “الخفى/ المحتجب” وكان بالنسبة لهم هو أصل كل أصل ومنبع كل شيء. ومن هذا المنبع بدأت تنبثق كائنات إلهية عرفت باسم “نترو” وهم القوى الكونية التي عملت على تجلى صفات الإله المختلفة في الكون.
و الإلوهية في طبيعتها تحتوى على كل من المذكر والمؤنث في نفس الوقت، إلى أن بدأ خلق الكون فأصبح الكون المخلوق يمثل الجانب المؤنث، المستقبل، من الإلوهية، في حين أن الإله نفسه هو الجانب المذكر، المانح، من الإلوهية. أما عند العارفين، فالإله ليس بمذكر ولا مؤنث، وإنما هو المنبع الذي انبثق منه كل من البشر والنترو الكائنات الإلهية.
إن مصطلح “نتر” يشمل مفاهيم أبعد من التفكير العقلاني لإنسان العصر الحديث، ولكنه عندما كان يطلق في مصر القديمة، فإنه يعنى الألوهية متمثلة في “نبر – تشر” “رب الأرباب” أو في الثالوث الإلهي “آمون- رع- بتاح” و كان الفنان المصري القديم يعبر عن مفهوم الإلوهية أحيانا في صور قرص الشمس وأحيانا في صورة علم أو راية”.