أيام قلية تفصلنا عن الموعد المحدد للانتخابات , ومفوضية الانتخابات حزمت أمرها لإجرائها تزامنا مع انتخابات مجالس المحافظات في العزيزة ( إقليم ) كردستان , وبغياب تصريحات المفوضية عن الوضع في الإقليم , فان الناطق باسمها صرح بان نسبة الذين استلموا البطاقات الالكترونية قد تجاوز نسبة 85% في عموم العراق وان نسبة استلامها في التصويت الخاص قد تجاوز 90% , وهذه التصريحات تعطي الانطباع بان الانتخابات القادمة ستجري بأحسن حال , والتفاؤل بات الصفة الملازمة لتصريحات المفوضية منذ مباشرتها موضوع الانتخابات ولحد الآن , وهذا ما يثلج صدور المحبين للتحول الديمقراطي في العراق ويفرحهم إلى حد كبير .
فبعد الاحتلال الأمريكي الذي اعترف به مجلس الأمن الدولي (الذي يطيب للبعض تسميته بالتحرير) , لم يجني العراقيون سوى التحول الديمقراطي , الذي يستطيع البعض استثماره للسب والشتم من دون التعرض لمواجهة القضاء مادام في سياقه الديمقراطي , أما الامتيازات الأخرى التي نص عليها الدستور فإنها ستبقى جزءا من الأمنيات لان الحصاد لاياتي إلا بعد جهد جهيد , فما يتمناه ( المخلصون ) من العراقيين لا يتم بضغطة زر كما انه لايمكن أن يتحقق إلا بالتضحيات , وحسب ما يصف الآخرون فان الديمقراطية زراعة وليست صناعة لكي تستورد لها التقنيات .
وما تصرح به المفوضية لايحتاج إلى فطنة ذكي للاستدلال على دقته , فقد شكت بنفسها من ضعف إقبال الناخبين على تحديث معلوماتهم المتعلقة بسجل الناخبين , وفي تصريحات لها أو لغيرها فقد تم الإفصاح بان 15% هم من حدثوا معلوماتهم وقد وصلت النسبة إلى 30% في أفضلها , فكيف ارتفعت نسبة الاستلام إلى 85% للعام و90% للخاص , وكما يعلم الجميع فان الجيش يؤدي أدوارا قتالية في المحافظات ومنها الانبار التي سقطت فيها مراكز للشرطة والأمن بفعل الأعمال الإرهابية , فكيف تسنى للمقاتلين من مراجعة المراكز لاستلام بطاقاتهم الانتخابية وهم في حالة استنفار .
وهذه التساؤلات ليس قصدها تخوين المفوضية المستقلة للانتخابات , ولكنها بحاجة إلى تفسيرات لكي يطمأن الناخب والمرشح على حد سواء , ونود التذكير هنا بان صديقتنا بموجب اتفاقية الانسحاب الأمريكي من العراق , قد شكت بان بعض العراقيين الموجودين على أراضيها لم تتاح لهم الفرصة في الاستمتاع بالدعاية الانتخابية وبعضهم سوف لم تتاح لهم الفرصة في المشاركة في الانتخابات لبعد المسافات بين ولاياتها , كما إن بعض العراقيين المقيمين في دول الربيع العربي , ذكروا بأنهم سيواجهون صعوبات في التصويت بسبب الوضع غير المستتب هناك .
ومن حق المتابع والمعجب بتجربتنا الديمقراطية , أن يتساءل عن ماهية الإرادة التي تصر على إجراء الانتخابات في موعدها المقدس دون تاجبل , رغم وجود رقم لانعرفه من النازحين والمهجرين من الغربية وما شابهها بسبب الأعمال العسكرية التي تواجه الإرهاب دون حسم لحد الآن , وما هي هذه العظمة بعد عظمة الله التي تتحدى الفيضانات التي دخلت حزام بغداد وبات الفرات قريبا من العامرية والغزالية , وإذا كانت هكذا إرادة موجودة في العملية السياسية فلماذا لم تجهر عن موقفها الحقيقي من الموازنة المالية سواء في إقرارها قريبا أو تأجيلها علانية لما بعد الانتخابات .
وهناك مسالة أخرى تطرح يوميا من قبل الجمهور , وفحواها هي أين هو مجلس النواب فهو لم يحل نفسه ولم يعلق جلساته ولم ينعقد لان الأعضاء منشغلين بدعاياتهم الانتخابية , فاغلبهم يصر على الفوز بولاية جديدة تتيح لهم الفرصة لتقديم أقصى الخدمات كما فعلوا في الدورتين الأولى والثانية , التي شهدت خلافات واختلافات وفقر تشريعي وعقم في في الاستجوابات أو حسم نتائجها لأنها دخلت في المزايدات السياسة التي تقبل بالربح دون الخسارة , فسحب الثقة هو عار على الكتلة يجب المساومة عليه لكي لايصاب أعضائها بالخدش في الانتخابات القادمة وكأننا نعيش زمن التوريث .
إن اغلب الدساتير العالمية وبضمنها دستورنا الذي مرر في عصر أطفال الأنابيب , تنص على إن نتائج الانتخابات تحسم على أساس آراء المصوتين وليس الممانعين , وهو ما سيعطي الشرعية الكاملة لمجلس النواب القادم رغما عن الظروف والأسباب التي دعت لعدم إقبال الناخبين , والمفرح في تجربينا الديمقراطية الجديدة إن البطاقة الانتخابية ستكون إحدى الوثائق المهمة للمواطن في انجاز معاملاته , وهذا قد يكون تلميحا بوجوب استلامها , ولكن البعض يعتقد بأنها ربما ستكون وسيلة للفرز بين مع أو ضد العملية السياسية الذي ربما يكلفه التعرض للشبهات , لذا فان من مصلحة المواطن أن يستلم البطاقة ولكنه ليس بالضرورة أن يكون حاضرا في التصويت بسبب تغير البيانات.
وبغض النظر عن عدد ونسبة المصوتين , فان نتائج الانتخابات سيتم اعتمادها بعد حسم الاعتراضات , ولكن السؤال هل ستمر المراحل اللاحقة بسلاسة أم إننا سنشهد سجالات وحسرات على غرار ماحصل بعد تمرير الدستور , فرغم سريان دستورنا منذ سنوات إلا إن الآراء فيه تزداد اختلافا يوما بعد يوم , وهو ما يعطي الانطباع بان السنوات الأربعة القادمة ستكون أكثر حساسية من السنوات الماضية , فكل مايترشح عن هذه الانتخابات قابل للطعن بعد ظهور النتائج من قبل العازفين عنها أو المرشحين فيها عندما تكون النتائج خارج الأحلام أو التوقعات , آخذين في الحسبان إن الانتخابات الحالية قد خلت من الإشارة إلى أية تحالفات مسبقة عدا تلك التي تتعلق بعرقلة الولاية الثالثة للمالكي.