انتبهت قبل ايام الى ان موضوع تعرية المراة لجسدها والذي هو من المواضيع التي استجدت في منتصف القرن الماضي في اوربا والغرب وتعرض لمجابهة من بعض الاوساط المحافظة والمثقفة في محيطه في وقتها واصبح رمزا للطبقات المشردة والجاهلة ثم صار شعارا لبنات الليل وبنات الشوارع ، ثم -وكالعادة- قلدته المجتمعات الشرقية والعربية على نحو الخصوص معتقدة انه يمثل التحضر طالما هو مختلف وقادم من الغرب المتقدم !
هذا الموضوع اشبع نقدا وتشريحا على مدى عقود في مجتمعاتنا المحافظة بين اغلبية رافضة واقلية حاضنة وتلك الاقلية كانت -من الطبقة البرجوازية المتوسطة- التي دون الارستقراطية في العلم والثقافة والتحضر وفوق الكادحة في الاطلاع على الماحول وعلى مستجدات العالم الترفيهية ، وذلك لتملكهم لفائض الانتاج وتطفلهم على جهود العمال ويشكل ابناؤهم مجموعة من الجهلة الميسورين ، لذلك يُرى تأثر التقليد والانسلاخ في المجتمعات اول ما يرى على هذه الطبقة المتنعمة البسيطة الثقافة والتعليم .
ويقابلها اليوم عندنا -كوننا لا نصنع ولا ننتج و لا نزرع- فيمثلها في مجتمعنا اليوم سياسيو الصدفة وابناؤهم وعشيقاتهم واغنياء الفساد وخليلاتهم ، وهذه الطبقة بسبب الغنى الفاحش للبلد وغياب الشعب والرقابة اصبحت طبقة كبيرة جدا تسيطر على المشهد العام في الشارع وفي الجامعات الشكلية الخارجة من التصنيف والمدارس الاهلية الخالية من العلم واماكن اللهو والقمار ومشاريع غسيل الاموال كالمولات والشركات الوهمية بينما تُرك للطبقة الفقيرة الجوامع “المؤدلجة” والمخدرات المروّجة يختارون بينهما من يشاؤون.
وبعد سنوات طويلة من انكشاف امر وضاعة تقليد الخلاعة الغربية ونجاح اصلاء المثقفين كتابة وخطابة وتعليما بلفت انتباه الناس الى ان الخلاعة والثقافة ليسا صنوين او رفيقين بل على العكس وتوجيه انظارهم الى تجارب اليابان وبريطانيا وكندا وبلدان مهمة يحتشم ابناؤها العاملون والارستقراطيون والحاكمون والمشرعون والمبدعون ولا يتخلع فيها الا التافهون السطحيون والطفيليون ونفر من العوام غير ذي القيمة وبنات الليل والمتشردون ،
بعد عقود من تصحيح المفهوم ومع صحوة دينية لا باس بها عاد الناس نهايات القرن الماضي الى طبعهم وتاكدوا من صحة ذلك في نهضة ماليزيا وتركيا اللتين فشلتا تحت حكومات الخلاعة والعلمانية ونجحتا تحت حكومات الالتزام والقوانين المحافظة ووقف الانحلال في المجتمع دون اجبار الناس على تغيير مظاهرهم الا من رغب في ذلك وقد رغب في ذلك الملايين ، فامتلات الجامعات بالمحجبات والمتسترات بعد ان كان ذلك عيبا وممنوعا ، وقاد الاسلاميون النهضة والتقدم ولم يكن الستر عائقا بل مالت الكفة لأهل الاحتشام “قائدي المجتمع والتقدم” حتى صارت المتخلعة بملابسها تشعر بالاغتراب في بعض الانحاء دون ان يتعرض لمظهرها احد فالدستور يكفل الحريات ولكن الشعور العام صار محتشما ويحترم المحتشمين.
في خضم هذا الوعي الراسخ الذي صار اليوم قديما ومسلّما به يفاجئني بعض “المثقفين” او “المثقفات” من غير طبقات البرجوازيين ولا الفاسدين ولا جهلة اغنياء الرشوة والاختلاس بالحديث عن -دعها تتخلع وتفعل ما تريد فنحن لسنا افغانستان- بالمناسبة قديما كان يقال نحن لسنا في الجزيرة والحجاز لكن بعد نجاح اختراق ذلك المجتمع وتحويله الى اختلاط وخلاعة وبارات وملاهي لم يعد للمتهجم الا ان “يعيّرنا” بافغانستان !
اقول ظهرت اصوات مثقفة تنادي بترك الاعتراض على الخلاعة لانها دليل حرية وتقدم وثقافة ولو كانت الاصوات قليلة ولكن يبدو عليها كانها قادمة من منتصف القرن الماضي اذ لم يعد احد ينادي بهذا رغم انتشار الفساد الاخلاقي والانحلال في مجتمعاتنا بشكل خطير وواضح ولكن فكريا وثقافيا لم يرض احد عن هذا والكل ينتقده وان كان دون تاثير او جدوى ، ولكن ان ينادي مثقف او تنادي “مثقفة” بان الملابس المتحررة وتصرفات نسائنا على طريقة نساء عوام الغربيين او ان ينقل ما يجري في الشارع الاوربي الى شارعنا احتجاجا منه بان المعارض لذلك هو متخلف او متشدد او من “افغانستان” فهذا امر جديد ، والملفت ان هذه المرة الاولى التي لا يريدون بها الاستشهاد ببلد اخر ملتزم في مظهره الخارجي في الاماكن العامة “وهو ايران”.