19 ديسمبر، 2024 9:17 م

رواية “النحلة الصغيرة”.. النفط أصبح هوس الرأسماليين الكبير

رواية “النحلة الصغيرة”.. النفط أصبح هوس الرأسماليين الكبير

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “النحلة الصغيرة” للكاتب البريطاني “كريس كليف” رواية رائعة تحكي عن مشاكل بلدان العالم الفقير، والتي تتسبب فيها البلدان الرأسمالية الكبرى، كما تحكي عن سلبيات الدولة البريطانية بجرأة وحرفية عالية في الكتابة.
الشخصيات..
النحلة الصغيرة: فتاة في عمر السادسة عشر، من نيجيريا، رأت أهوال حيث تمت إبادة أهل قريتها لأنهم اكتشفوا حقل نفط تعوم عليه القرية، ومن نجا من تلك الإبادة التي يقوم بها عمال شركة النفط بالتواطؤ مع السلطات النيجيرية يتم ملاحقته وقتله، حتى لو كانوا أطفالا وهذا ما حدث للنحلة الصغيرة وأختها اللتان نجحتا في الهرب من مذبحة أهالي قريتهم.
سارة: صحفية بريطانية، شاءت الظروف أن تبعث بها إلي نيجيريا ليتصادف وجودها أثناء ملاحقة رجال عمال شركة النفط للنحلة الصغيرة وأختها علي أحد شواطئ نيجيريا، ليدخلها زعيم العصابة الذي يتولي تصفية الناس في تحدي طالبا من زوجها التضحية بأصبع صغير لينقذ الفتاتين.
اندرو: زوج سارة، وهو صحفي في جريدة التايمز، رجل شريف ينتقد الحكومة البريطانية وسياستها في الداخل والخارج، لكنه عند وقوعه في تجربة حقيقية بأن يطلب منه رجل العصابة أن يقطع أصبعه لإنقاذ فتاتين نيجيريتين من الموت المحطم يجبن، وهذا الخوف الذي أصابه يصيبه باكتئاب يودي بحياته في النهاية.
عشيق سارة: موظف في وزارة الداخلية البريطانية، يتعامل بنذالة مع النحلة الصغيرة وينتوي طردها وعدم مساعدتها لكنه في النهاية يتعاطف معها.
الراوي..
الرواية تحكي بصوتين، صوت النحلة الصغيرة الذي يبدأ الحكي في الرواية وينتهي به، وصوت سارة، والبطلتين تحكيان كل من خلال وجهة نظرها ومن خلال عينيها ورؤيتها الخاصة عن موقف النحلة الصغيرة ومأزقها الحياتي كما تحكي سارة عن حياتها كصحفية وأم وزوجة. وتنتهي الرواية بروح إيجابية تبثها النحلة الصغيرة رغم معرفتنا أنها ستموت وتنتهي قصتها علي ذلك لكنها مع ذلك ترحب بالموت وبالنهاية بشجاعة وايجابية.
السرد..
تعتمد الرواية علي حكي صحفية بريطانية قوية وفتاة مضطهدة ومقهورة، وتشجع علي فضح ممارسات الظلم التي يمارس ضد بلدان كثيرة في العالم وتنتهي ليس نهاية سعيدة وإنما نهاية واقعية، لكنها مع ذلك تفضح وتكشف وتعري وتسخر وتهزأ من حكام بريطانيا والقائمين علي السلطة.
الرأسمالية في توحشها..
تبدأ الرواية بتمني النحلة الصغيرة أن تكون جنيها بريطانيا لأنه وقتها سيكون لها قيمة أكثر من كونها إنسانة تنتمي لبلدان إفريقيا الفقيرة والمستعمرة والمهضوم حقها، كما تسخر من الملكة البريطانية ومن أدائها المبالغ فيه ومن كونها بعيدة عن الناس، وترصد بشكل تفصيلي كيف أن النفط أصبح هوس الرأسماليين الكبير حتى أنهم يبيدون قري كاملة ويقتلون الأطفال والنساء والرجال في سبيل الحصول عليه، وتسخر الأنظمة داخل البلدان الفقيرة والمستعمرة لقتل الناس بوحشية وقمعهم واضطهادهم، فقط لكي تنهب خيرات تلك البلدان لصالح الرأسمالية العالمية التي تمثل بريطانيا أحد رموزها القديمة، ويكشف الكاتب في جرأة عن سوء أحوال السياسة البريطانية في الداخل والخارج.
بالنسبة للخارج يلوم بلده علي المشاركة في الحرب علي العراق وأفغانستان والحروب الأخرى وعلي تواطؤها علي نهب خيرات بلدان العالم المختلفة، وبالنسبة للداخل يكشف البيروقراطية والفساد داخل أروقة المؤسسات الحكومية وتخاذل الموظفين واهتمامهم بمصالحهم الفردية وفقط.
معاملة اللاجئين ..
وتكشف الرواية المعاملة القاسية التي يتلقاها اللاجئين الذي يهربون إلي الأراضي البريطانية، حيث يتم اعتقالهم فترات زمنية طويلة ومعاملتهم بطرق لا إنسانية حتى أنهم مطالبون بكتابة طلب مسبق للحصول علي حبة باراستيمول أو علي فوطة صحية. كما أنه تتم معاملتهم علي أنهم سجناء من الدرجة الثالثة ويتم إجبارهم علي حياة قاسية ويتركون بالسنوات الطويلة رهن الاحتجاز في أماكن الاحتجاز المخصصة لذلك.
وأيضا ينتشر الفساد بين الموظفين في تلك الأماكن حتى أنهم قد يقبلون بالرشوة الجنسية لقاء ترك الفتيات اللاجئات وإطلاق سراحهن لكن دون أوراق قانونية وموافقات وقبول باللجوء، فتصبح الفتيات لاجئات غير شرعيات لأنه ليس لديهن أوراق قانونية أو قبول فعلي من الدولة البريطانية لأمر لجوئهن.
كما يتم ترحيل اللاجئين غير الشرعيين بطرق لا إنسانية ويتم معاملتهم بقسوة، والادهي من ذلك أن شركات خاصة هي من تتولي أمر احتجاز اللاجئين وأمر ترحيلهم وتكسب لأجل ذلك أموالا طائلة.
امرأة حائرة..
إلي جانب ذلك تناولت الرواية ببراعة شديدة شخصية سارة، صحفية ثلاثينية ليست سعيدة في زواجها وأم لطفل صغير، تناولت همومها كامرأة من العالم الغربي، والتي تكون لديها أحلام وطموحات حول تغيير العالم وحول إصلاح مساوئه ثم تجبرها الحياة وحسابات الأموال علي أن تتخلي عن هذا الحلم، فبعد أن تنشئ صحيفة لكي تكشف من خلالها مواضيع هامة وحساسة، تجبر بعد ذلك علي تناول موضوعات عن الجنس والترفيه لأن الموضوعات الهامة والحساسة والقضايا الإنسانية لا يتم الترويج بها للمجلة. بينما موضوعات الجنس والترفيه هي ما تعطي للمجلة نجاحها.
وعلي مستوي زواجها تشعر بالفتور فتلجأ إلي علاقة أخري خارج إطار الزواج دون أن تسعي لإصلاح علاقتها بزوجها، مما يساهم في مضاعفة اكتئابه وتدهور حالته النفسية ليؤدي الأمر إلي انتحاره، لتكتشف أن زوجها كان شخصية شريفة وأنه كان لديه مبادئ وقيم وتتبع خطواته بعد موته لتكتشف أنه كرس عامين كاملين لتجميع وثائق ومعلومات عن اللاجئين وعن معاملتهم غير الإنسانية في بريطانيا وعن ما يحدث في نيجيريا كتكفير عن جبنه وتردده في إنقاذ الفتاتين.
رعب..
كما تصور الرواية بنفس الحرفية رعب النحلة الصغيرة التي لا تفكر سوي في إنهاء حياتها منذ أن تمت مهاجمة قريتها وإبادة أهلها وعشيرتها، وبعد مقتل أختها بطريقة وحشية. دوما ما تفكر في إنهاء حياتها قبل أن يهاجمها الرجال، لكنها بعد أن تعيش في بيت سارة يتسرب الاطمئنان إليها والإحساس بالأمان، ومع دعم سارة لها وإصرارها علي الوقوف بجانبها تبدأ تشعر بجمال الحياة والإحساس بالأمان والرفاهية في مجتمع غربي، لكن سرعان ما تفقد كل ذلك وتذهب إلي نهايتها المحتومة، مما يؤكد علي أن الوضع مستفحل وأن الأمل في النجاة ضعيف هذا ما أحبت الرواية أن تشعرنا به كقراء.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة