حب السلطة داء ما أن ينتشر في مجتمع حتى يعرقل تقدمه، وينشر فيه الفقر والعوز مهما كانت لديه من موارد وأموال، وقد أبتلينا في العراق بهذا الداء فأغلب من حكمونا كانوا مصابين به، حتى أعتاد الناس على ذلك وباتوا ينظرون إلى المسؤول كأنه فوق البشر أو من كوكب آخر فكل ما يقوله صحيح ولا يحق لأحد محاسبته.
وقد يتصور البعض أن الانتخابات هي المصل المضاد للدكتاتورية، ولكن في حقيقة الأمر التاريخ يخبرنا عكس، ذلك حيث إن صناديق الاقتراع هي من أوصلت هتلر وموسليني إلى الحكم.
الضمان الحقيقي للديمقراطية هي درجة وعي الناخب لما يدور حوله، وكشفه لأساليب محبي السلطة ومؤامراتهم للوصول إلى سدة الحكم بأي ثمن، وأرخص الأثمان عندهم هي دماء شعوبهم.
المجتمعات الدكتاتورية تعاني من الفقر وانتشار المظالم والفساد، ورد فعل السلطة على هذه المشاكل هو افتعال الأزمات والحروب، لإلهاء المواطنين عن التفكير في واقعهم المرير ومحاولة تغيره.
العراق اليوم مشرف على دكتاتورية جديدة، طبعا إذا نجح موضوع الولاية الثالثة، والمؤامرات المرفقة معها، في خداع الناخب العراقي، و إستراتيجية السلطة القادمة للوصول إلى هدفها ترتكز على عدة محاور: الأول، هو استبدال الشركاء بالبيت الشيعي بالتحالف مع الأكراد، والسبب أن البيت الشيعي قد أوضح للسلطة انه لن يتحالف معهم مرة ثانية أن لم يقوموا بالإصلاح وإبعاد المفسدين، وبما أنهم لا يستطيعوا ذلك، فالمفسدين هم مصدر تمويلهم الرئيسي، كان البديل إعطاء الأكراد ما يريدون من نفط وأموال، ففي نهاية الأمر الأكراد لا يهتمون بمن يحكم بغداد على أن لا يؤثر حاكمها على امتيازات الإقليم، ونتيجة لهذا الاتفاق أعلن السيد مسعود أن التحالف الكردستاني لا يمانع من ترشيح المالكي للولاية الثالثة.
المحور الثاني السنة، لم تستطع السلطة التحالف مع متحدون أكبر الكتل السنية في الوقت الحالي، لكون أسامة النجيفي رئيسها له طموحاته الخاصة وأثبت في مجالس المحافظات أنه ليس بالشخص الذي يسهل التلاعب به أو خداعه، فكان البديل دعم الجبهة العربية برئاسة المطلك لتكون بديلا عن متحدون، ومن ناحية أخرى تبرئة مشعان الجبوري ودعمه لكسب مزيدا من الأصوات، وفعلا فمشعان يتجول في المحافظات السنية بحماية عسكرية ويلعب الآن دور بابا نؤيل، حيث يوزع الأموال والهدايا على الوجهاء وشيوخ العشائر بغير حساب.
المحور الثالث الإعلام، للإعلام دور كبير في خداع المواطن، وقد رصدت السلطة لهذا الموضوع أموال ضخمة، فتجد العديد من الإعلانات المدفوعة في القنوات وعدد كبير من المواقع الإخبارية، إضافة إلى عشرات الصفحات في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، كلها تخدم هدفين، الأول نشر الإشاعات والأكاذيب لغرض التسقيط السياسي للخصوم، والثاني حث المواطنين على عدم الانتخاب بطرقة خبيثة وغير مباشرة، بإشراك الجميع بفشل الحكومة والفساد المستشري، وذلك لإقناع المواطن المستقل الشريف أن الجميع سواسية فلماذا يتكلف عناء الانتخاب.
الفاسد له جمهوره الخاص فنسبة التصويت المنخفضة ستزيد من فرص بقاء نفس الأشخاص في الحكم.
على الناخب العراقي اليوم مهمة وتكليف شرعي مهم، وهو اختيار شخصية كفوءة ونزيهة لانتخابها، فالشعب هو من يصنع الطغاة وهو وحده من يستطيع تغيرهم.