شارع المتنبي شارع الثقافة والادب والفن، هو القناة الرابطة بين بغداد الماضي والحاضر، وقبلة الادباء والعلماء والمثقفين من كل حدبا وصوب، لم تنحصر شهرة شارع المتنبي في العراق فقط بل تعدته الى دول الجوار واقطار الوطن العربي كافة ، له طقوسية ثقافية خاصة به ولا تليق بغيره . ففي كل يوم جمعة وعلى مدار العام هناك عرس ثقافيا وكرنفالات ادبيا فهو عكاظ العصر الحديث .
شارع المتنبي، ليس شارعا للثقافة والادب والفن، فبمجرد ان تطأ قدميك هذا الشارع تشم عبق التاريخ فينتقل بك بين حقبا متنوعه من تاريخ العراق فهناك يقف المتنبي (915-965 م) شامخا يلقي على ضيوفه ” أنا الذي نظر الاعمى الى أدبي وأسمعت من به صمم ” فيعود بنا الى بقايا الدولة العباسية، وهناك مبنى القشلة الذي تفوح منه ذكريات العهد العثماني ، وهناك مقهى الشابندر الذي كان سابقًا مطبعة الشابندر التي أسست عام 1907 لصاحبها موسى الشابندر، الذي أصبح وزيرا للخارجية في العهد الملكي عام 1941 في وزارة رشيد عالي الكيلاني. شارع المتنبي تأسس كشارع للثقافة في العام 1932، خلال العهد الملكي في أواخر حكم الملك فيصل الأول ( رحمه الله ) .
يعد شارع المتنبي ايقونة بغداد وأهم المراكز الثقافية والفكرية وأخطرها في الوقت نفسه ! نعم اخطرها ؟ فلا يوجد اليوم اخطر من الثقافة والفكر الحر على اعداء الثقافة والفكر والكلمة الحرة ، لذلك فقد استهدفته خفافيش الظلام في عام 2007 ، فراح نتيجة ذلك العشرات من الشهداء والجرحى من اصحاب المحلات والمكتبات والرواد. وتلك الدماء قد اضافت للشارع مجدا الى مجده .
لم يكن شارع المتنبي لكل من هب ودب، فرائحة الورق والحبر لم تكن تجذب الطارئين على الثقافة والادب، لذلك انحسر رواده على النخبة من طلاب العلم والشعراء والادباء والفنانين والصحفيين والاعلاميين والقانونيين وغيرهم، وكل من نشأ على رائحة الورق القديم المصفر وتعطرت يداه بتراب الكتب المركونة على الرفوف وتزينت ملابسه ببقع الحبر, هذا المجد دفع بمن لا مجد لهم للتسلل بين اروقة شارع المتنبي للتخلص من عقدة النقص التي يعانون منها، وذلك ينطبق على بعض السياسيين وغيرهم من (المتثقفين الجدد) من اجل الوجاهة والجاه الكاذب، تلك كانت بداية انتكاسة شارع المتنبي .
أعادة امانة بغداد مشكورة تأهيل شارع المتنبي واظهرته بحلة جديدة تتناسب مع تاريخ ومكانة هذا الشارع العريق، الا ان هذا الاعمار كان قد انقلب وبالاً على شارع المتنبي، مما افقده طقوسيته وبدأ بإفراغه من محتواه تدريجينا، اذ انتقل شارع المتنبي من شارع الثقافة والادب الى شارع التسول من بعض المنظمات التي تتاجر باسم الانسانية ، فضلا عن استقطابه لعدد كبير من الفاشنيستات والبلوكرات المدللات المدعومات من سياسي وجنرالات السراير ( جمع سرير باللهجة المصرية ؟؟ )، امثال السياسية ام اللول ( فرج الله عنها ) وغيرها من المفكرات والمناضلات. كذلك من الممارسات التي سوف تقتل شارع المتنبي اقامة الحفلات هابطة على مستوى الملاهي الليلة من قبل بنات الليل ( الكاولية خريجات المدرسة الفكرية التي تقول يمين يسار فوك تحت شكل لأمي من اروح انكسرت الشيشة ،نبع يا خيار والحكة بثلاثين ) واستقطاب جمهور لا يقل بؤسا منهن . فضلا عن المخلوقات الفضائية ( المعروفين بالعطوانية ) الذي يتميزون بالسلوكيات المنافية للأخلاق وكل القيم .
لذلك يتوجب على الحكومة متمثلة بالسيد رئيس الوزراء والسادة وزيري الثقافة والداخلية متابعة شارع المتنبي ووضع حداً لهذه التصرفات ومنعها من اجل الحفاظ على جمالية ايقونة بغداد شارع المتنبي. ولا يتم ذلك الا من خلال وضع مفارز مشتركة تليق بشارع المتنبي. وهنا اقول تليق بمعنى عدم عسكرت الشارع واختيار من هو مناسب لهذه المهمة حتى يبقى شارعنا قبلة للسياح وواجهة مشرقة للعراق وبغداد التاريخ والحضارة .
ختاما شارع المتنبي يستنجد بكم ويقول ” اغيسونا اغيسونا والله الموفق ” ( باللهجة المصرية ) مقتبس من فلم ضد الحكومة للفنان الرائع الراحل احمد زكي .