18 ديسمبر، 2024 9:15 م

العالم على كف عفريت !

العالم على كف عفريت !

إي نعم, ولكن ليس ككل العفاريت التي سمعنا حكاياتها على لسان جداتنااو قرأنا عنها فيألف ليلة وليلة ” . جني لا ينزل عند فضول أُنسي ويسمحبخداعه بسؤال ليعيده إلى قمقمه الذي خرج منهعفريت اليوم ليسكعفريت الأمس, أنه عفريت إن تحرر من قمقمه المعاصر لا يمكن لقوة أنتسيطر عليه ولا حتى مطلقة الجبروت العسكري ولا أن تتحكم ببطشهالساحق. أنه القنبلة النووية التي تحرق البشرية بحرارة مليونية وتمحوهابعد تفجيرها سنعود والأرض إلى مرحلةالحساء البدائيالذي نشأتمنه الحياة البشرية ولكن إنتباه !!! ليس بعناصره الأولى في تكوين الخلاياالبدائية الأولى.  

فالكائنات الجديدة التي ستظهر بعد مليارات السنين من التفجير النووي, ستكون بمواصفات مشوهة بالضرورة بعد تفاعلات العناصر الكيميائيةالطبيعية مع العناصر النووية التي أضيفت نتيجة تهورنا النووي لتصبحمكوناً أصيلاً في تركيبة الحساء البدائي الجديد.

ولأن الحرب جوهرها صراع مصالح, يتبادر إلى ذهننا الحل المالثوسيلمشاكل الفقر والجوع بشن الحروب, على قاعدة أن النمو السكاني يتصاعدبمتوالية هندسية بينما زيادة الإنتاج الزراعي تحصل بمتوالية عددية, ممايعني أن تقليل أعداد البشر هو الحل لتجاوز هذه المعضلة بإشعالالحروبولكن يمكننا أن نلاحظ بأن الحرب المعاصرة بكل تجلياتهاالتكنولوجية والنانوية والنووية  ليست كمثل حروب القرون الماضية, وانالنظرية المالثوسية لم تعد صالحة لكل زمانٍ ومكان, لذا فإن الحل الأنجع لدرءالصراعات المسلحة ومصائبها يكون بتبريد الرؤوس الساخنة وصيانة السلموإطلاق التنمية والعدالة الاجتماعية.

التهديدات باستعمال السلاح النووي, الاستراتيجي منه او التكتيكي, حسبمتطلبات القتال للجم الأخطار على بلاده التي يطلقها الرئيس الروسيبوتين بوجه الغرب, بين الفينة والأخرى بسبب التدخل في مجريات الحرب فيأوكرانيا, والرد الأمريكي عليه بإعادة توزيع تمركز الأسلحة النووية بالقربمن الحدود الروسية, يهدد بانهيار الوضع وإمكانية انفلاته في أية لحظة رغمما تتمتع به القوى المتصارعة من ضبط للنفس وإبقائه كسلاح للردع وليسللاستعمال.

ولكننا أصبحنا نشهد دعوات حمقاء ومتهورة من الدول المعادية لروسيا مثلبولونيا ودول البلطيق واليونان للامريكان لاغرائهم بنشر أسلحة نووية علىأراضيها المتاخمة لروسيا, وكأنها تتوسل ضربة نووية مدمرة بدل الابتعادبشعوبها القليلة العدد وأوطانها المحدودة المساحة عن ويلات الحربظناً منها انها ستصبح دول نووية رادعة, في حين انها ستكون هدفاًً لأي ردنووي روسي يمحوها على بكرة أبيها.

وكان بوتين قد ذكّر بلدان البلطيق بالرذاذ النووي وحسب, فما بالك لو لجأللأسوأ.

وفي الوقت الذي يكثر الرؤساء المصحوبين بالحقيبة النووية, وآخرهم, كماذكر الاعلام, الرئيس الفرنسي ماكرون الذي حملها معه إلى مؤتمر السلامفي هلسنكي, فإني لا أتوقع حدوث حرب نووية شاملة لأن لغة المصالحوالنفوذ المتحكمة في قرارات إشعال الحروب وإطفائها, تفترض وتحتاجالكثير من الحكمة التي تفرمل انحدار الصراع إلى دمار البشرية. قد يتطورالصراع في أوكرانيا إلى  اشتباك بأسلحة نووية تكتيكية ذات تأثير محدودتحسم اموراً متعددة وقد تكون المعجلة بإيجاد حل لمنع تفاقم الأوضاع

على كلٍ فان توقعي, الذي قد يعتبره البعض متشائماً او متفائلاً, لا يمكنلأحد أن يناقشه إذا ما تحرر المارد النووي الأكبر الاستراتيجي وبذلك لن يعدلنا وجود, فما من أحد سيناقشني, أما إذا تحرر المارد المينياتور التكتيكي, فإنه كذلك سوف لن يناقشني أحد لأن نبوئتي ستكون صائبةعموماً نحنجميعاً شعوباً ودولاً لا نملك القدرة على منع تحولات الوقائع التي ستحددمصيرنا ومصير البشرية جمعاء سوى بالعمل الرسمي والشعبي على تدهورالأمور وعدم الانغماس في تحالفات حربية لا ناقة لنا فيها ولا جمل, والعملعلى تطوير دوائر منظمة الأمم المتحدة, وإرساء أسس عمل دولية وقوانينأكثر إنسانية وعدالة من مواثيق وبنود القانون الدولي الذي أفرزته الحربالعالمية الثانية وتنظيمه بما يحفظ السلام العالمي حقاً ويضمن عدم خرقهامن قبل اية دولة او تحالف عسكري على أهوائه الخاصة.

تجربتنا المأساوية في العراق مع اليورانيوم المنضب, بعد المغامرات العبثيةللنظام البائد لازالت ماثلة وتقبح وجه التاريخ الأمريكي, وهي على ما أظنأهون حتى من القنابل النووية التكتيكية.

يجب الانتباه انه لا يمكن التهوين أيضاً من مخاطر استعمال السلاح النوويالتكتيكي الموقعي في أوكرانيا من قبل الأطراف المتصارعة, لأن ذلك سيؤديإلى إخراج القمح والذرة والزيوت النباتية من التداول التجاري لكونها ملوثةوغير صالحة للاستعمال, مما سيولد ازمة غذائية عالمية لن تكون شعوبنابمنأى عنها.

مسؤولية تلافي اشتباك نووي بين العملاقين النوويين مهمة الجميع, كلالبشرية لأن مصيرها على كف  عفريت نووي, وما من ناجٍ من تبعاتهابالاهتمام الجدي من الدول والشعوب, والمنظمات والأحزاب والمؤسساتالدولية جهدها لفرض شروط جديدة أكثر عدالة للعلاقات الدولية.

ربما لتفاقم الأزمات الدولية والمشاكل الاجتماعية والسياسية في دول العالميجعل كل منهميغني على ليلاهولا ينظر أبعد من أنفهكما يُقال !