قد يتّفق الجميع أنّ العملية السياسية القائمة في العراق اصبحت بحاجة ماسّة للتغيير , وضرورة لا مناص من التهّرب منها , فتجربة السنوات الماضية قد أفرزت واقعا مشوّها وصورة قاتمة لهذه العملية المتّعثرة , وقد آن الأوان لإحداث هذا التغيير , وهذا التغيير يجب أن ينصبّ على جوهر العملية السياسية , وليس على شكلها الخارجي , ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العامة , اصبحت كل الأحزاب والقوى السياسية تدغدغ مشاعر الناس وتلعب على وتر التغيير الذي يطالب به عامة أبناء الشعب العراقي .
فأي تغيير يحتاجه المواطن العراقي ؟ فهل هو التغيير الذي ترّوج له الدّعية قناة البغدادية الفضائية وبعض القنوات الفضائية العربية الصفراء ؟ أم التغيير في بنية العملية السياسية القائمة على الديمقراطية التوافقية ؟ هذه الديمقراطية التي أرست قواعد حكم المكوّنات في العراق .
فخصوم ائتلاف دولة القانون يعتبرون إنّ التغيير المطلوب , هو في عدم تمكين رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي من تشكيل الحكومة القادمة , ويحاولوا أن يخدعوا الناس بأن مطالبة المرجعية الدينية العليا للتغيير نحو الأفضل هو بعدم إعادة انتخاب نوري المالكي , بينما يرى ائتلاف رئيس الوزراء أنّ التغيير يجب أن يبدأ من خلال رفض مبدأ التوافق في الحكم , وإنهاء حكومات التوافق والمحاصصات الطائفية والقومية , من خلال إقامة حكومة الأغلبية السياسية .
فما يعاني منه البلد من مشكلات سياسية وأمنية وتنموية وخدماتية , مرّدها طبيعة النظام القائم والدستور الذي كتب بعجالة وبنوايا مسّبقة لا تنمّ عن أي شعور بالمسؤولية الوطنية , وليس الاشخاص الذين أفرزتهم هذه العملية السياسية , فالأشخاص هم نتاج هذه العملية , والدعوة لتغييرهم من دون تغيير هذه العملية السياسية برّمتها , لن يغيّر من هذا الواقع المأساوي , ولن يغيّر من السلوك الانتهازي والمصلحي لهذه القوى الداعية لهذا التغيير .
فالخطوة الأولى لهذا التغيير تبدأ من حكومة الأغلبية السياسية القوية والمنسجمة , فمثل هذه الحكومة هي التي يعوّل عليها في إجراء كافة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , والنهوض بالأعباء الجسام التي تسببت بها حكومات التوافق والمحاصصة , فمحاربة الفساد والقضاء على الإرهاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وإيقاف زحف الفاسدين والانتهازيين والوصوليين , لا يتحقق إلا من خلال حكومة الأغلبية السياسية .
أمّا من يريد أن يصوّر للناس أنّ هذه المشكلات التي يعاني منها البلد , سببها نوري المالكي وانفراده في اتخاذ القرار وديكتاتوريته وطائفيته , فهو مخادع وكاذب ولا يريد الخير لبلده وشعبه , فالجميع قد ساهم في بناء هذه العملية السياسية الفاشلة والجميع قد ساهم في كتابة هذا الدستور الكسيح , فلماذا يحمّل المالكي دون غيره مسؤولية هذه العملية السياسية الفاشلة ؟ ألم يكن المالكي من أوائل السياسيين الذين شّخصوا الألغام التي وضعت في الدستور العراقي وقال إننا زرعنا ألغاما كنّا نتصورها حقوقا ؟ ألم يدعوا المالكي ومنذ الدورة الانتخابية الماضبة إلى حكومة الأغلبية السياسية ؟ ألم يقف المالكي بقوة ومبدئية بوجه أطماع مسعود البارزاني وسرقاته لنفط الشعب العراقي ؟ لماذا نتغافل عن كل هذه الحقائق ونخدع الناس بأنه دكتاتور ومتسلط وطائفي ؟ ألم يدعو الآخرين للجلوس إلى طاولة المفاوضات والتحاور حول المشكلات التي يعاني منها البلد ؟ وهل الفشل الذي اصاب عمل الحكومة مرّده المالكي ولا دخل للشركاء فيه ؟ ألم تكن مقاطعة الشركاء وترشيحهم لوزراء فاسدين وفاشلين هو أحد أهم اسباب فشلها ؟ لماذا ندّس برؤوسنا كالنعّام في الرمال ولا ننظر للواقع كما هو ؟ .
فالذي يريد التغيير عليه أن يعمل من أجله , والتغيير الحقيقي مرهون بتغيير العملية السياسية برّمتها , وليس بمجرد تغيير الأسماء أو تبادل الأدوار .