لو تمعنا في الابعاد والدلالات الستراتيجية للحرب على الانبار ، وما اعلن من شعار لهذه الحرب ( معركة تصفية الحساب ) لوجدنا ان هناك جملة تدخلات دولية واقليمية ( أمريكية وإيرانية وروسية ) وتوافق في الرؤى والتوجهات بين طهران وواشنطن وموسكو خططت لهذه الحرب وهي قراءات تشكل بمجملها عوامل تلاق وتعارض وتضاد في الوقت نفسه بما يمكن أن نسميه في القاموس السياسي الحديث ( تحالف الاضداد ) وهي حرب تشكل انتكاسة خطيرة في الفكر السياسي العراقي وتدني في القيم وانحطاط في الاخلاق، لكنها في الوقت نفسه كانت معركة الحق ضد الباطل وأهله ومن ارتضوا ان يكونوا عبيدا للاجنبي ينفذون ما يملون عليهم من أجندة وحالات تآمر، يمكن تأشيرها في الميادين التالية:
1. ان الحرب مع الانبار كانت معركة دولية اقليمية اشتركت فيها الولايات المتحدة وروسيا وايران والاتحاد الاوربي، تحت شعار مكافحة الارهاب، ولكن الحقيقة هي قتل تطلعات مكون عراقي كبير له وزنه في الحياة السياسية العراقية وقد أدار دفة القيادة والحكم منذ قرون وأثبت ان منهجه هو الاصلح لادارة الحياة ورسم معالم الدولة المدنية، وهذا مبدأ لاخلاف عليه، ويعرفه كل أقطاب الحكم داخل العراق وخارجه، من ازمان طويلة ، ولا يمكن تجاهل ان المكون العربي هو من أنشأ الدولة العربية الاسلامية الحديثة بعد عهد الخلفاء الراشدين، ورسم معالم ستراتيجتها معتمدا على رؤى واستشرافات وحنكة وخبرة ودراية ومعرفة وطاقات وقوى، كانت هي المهيمنة ولها القدح المعلى في مواجهة امبراطوريات ودول كانت تناصب الدولة العربية الاسلامية العداء وتسعى للايقاع بها في كل ظرف وزمان، وكان هذا قبل الاسلام بقرون وبعده، لكن الاسلام اضاف للعرب قوة روحية خلابة، اعطى لهم ما يشبه ( الحق الآلهي ) في قيادة العالم، واقامة قيمه السمحة الكريمة الساعية الى اعلاء شأن الانسان والاهتمام بحقوقه، قبل قرون مضت، يوم لم تكن للغرب حضارة كالتي كان العرب يعتمدون اسوبها طريقا للتقدم وكانت اوربا تعيش في ظلام دامس عندما بزغ فجر الاسلام، وما ان اقيمت الدولة العربية الاسلامية حتى انبلج فجر جديد ، استبشر العالم بها خيرا في ان تكون معينه على رفع الظلم واحقاق العدالة وإشاعة معالم السلم والاستقرار الأهلي والمجتمعي لكل شعوب الارض ومواجهة الطغيان والاستعباد والاذلال لبني البشر اينما كان، وبهذه القيم وببطولات ابنائها وعقولهم الراجحة انتصرت الدولة العربية الاسلامية التي ارسى معالمها نبيها الكريم محمد( ص) وأتم معالم نهضتها خلفاؤه من بعده، الى ان اقام العرب اروع معالم الحضارة والتمدن في العصر الاسلامي الذي بلغ أوجه في العصر العباسي الذي يعد من وجهة نظر المفكرين الستراتيجيين واحدا من معالم فجر البشرية الناهض وعصرها الذهبي لما حققه من نهضة وتقدم وانفتاح على العالم واشاعة القيم الانسانية وتفتح الطاقات وتقدم العلوم واشراقات النهضة التي راحت تغزو العالم بعلمها وادبها وبطولاتها، حتى اقامت على تخوم اوربا والصين اعظم حضارات العالم.
2. كانت ايران الفارسية من اكثر الدول التي واجهت الحضارة الاسلامية وعملت على الحط من قدرها وشأنها ، كون بعض بقاع العرب كان مسيطرا عليها من بلاد فارس ، اذ كانت امبراطورية فارس تمتد الى حدود الانبار، على مقربة من مدينة الاباء الفلوجة البطلة صانعة امجاد التاريخ ، لكن الاسلام وفتوحاته ومعاركة هي من اعادت الهيبة للعرب وتم طرد المحتلين الفرس من ارض العرب وتلقينهم الدروس المرة التي ماتزال معركة القادسية الاولى احد معالمها الستراتيجية يوم وضعت حدا لتطاول الفرس على العرب، وحطموا امبر اطوريتها، ووضعوا حدها لاطماعها في ارض العراق والجزيرة العربية، الى ان خضعت بلاد فارس للدولة العربية الاسلامية واعتنقت الاسلام بالسيف رغما عنها ، وليس حبا فيه، في البداية، لكن الكثيرين من شعوب ايران وجدوا في الاسلام فاتحة خير اعادت لهم الكرامة وعلمتهم قيم احترام كرامة الانسان، ورفض التعدي على الشعوب ورفض الظلم بكل اشكاله، فكان الاسلام عامل تنوير للعقول في انها شعرت لأول مرة انها امام انطلاقة جديدة للحرية والكرامة واعلاء شأن الانسان، لكي لايطغي الحاكم على شعبه ويذيقه مر الهوان.
3. لقد اقام العرب في اوربا وفي الاندلس على وجه الخصوص اهم معالم الدولة المدنية والحضارة الشامخة ، اقاموها بعلمهم وتسامحهم وثقافتهم وقوتهم ورباطة جأشهم، حتى نالوا احترام شعوب الارض ومنها اوربا التي كانت تغط في ظلام دامس وكان الظلم واستباحة الكرامات هي السائدة كمناهج للحياة وقد شعر الاوربيون لاول مرة ان الاسلام قد اعاد لهم ماكانوا يصبون اليه من حرية وكرامة واحترام لحقوقه، يوم لم تكن اوربا تعرف حقوق الانسان ولا معالم سيادة الدساتير والانظمة ومعالم الحكم المتمدن، وها هي معالم حضارة العرب هي من نهلت منها حضارة اوربا فيما بعد بعد ان عرفوا كيف يقيمون الدول ويبنوا الحضارات، وكان الاسلام معينهم في المباديء والقيم في ان يستفيدوا من اخفاقات عهود الظلام ليودعونها الى غير رجعة.
4. وما ان تدهورت الدولة العربية في القرن الساددس الميلادي واقيمت دولة الطوائف بعد ان توسعت الامبراطورية العربية الاسلامية وراح من غير العرب من يتسلط من جديد على مقدراتها مرة بإسم الاسلام ومرة تحت ستار الحقد على العرب وحضارتهم، للايقاع بها وتوجيه ضربات قاتلة لبنيتها، حتى تصدع كيان الدولة العربية الاسلامية ، وكانت بلاد فارس هي من عمل على نخر جسد الامة العربية والاسلامية بعد ان تسللوا اليها عبر اشكال مختلفة للحكم تحت غطاء الاسلام بعد انهيار الدولة العباسية وغزو البويهيين والسلاجقة والمغول والتتار نهاية عهد الدولة العربية الاسلامية، ووضعوا اساس تحطيم معالمها، وكانت بلاد فارس من اكثر الدول تدخلا في شؤون العراق والسعي للسيطرة على مقدراته، وقد وجدوا في الاسلام انه اضاع منهم هيبة بلاد فارس وحطم غرورهم ، ولقنهم دروسا مريرة لن ينسوها على مر التاريخ، ولا بد ان يثأروا من الاسلام بعد ان راحوا يرفعون شعاراته ويدعون الدفاع عنه وهم ابعد مايكونوا من الاسلام في شيء، ان لم يكن انهم من اكثر شعوب الارض حقدا على الاسلام الذي وجدوا انه هو من حطم امبراطورية بلاد فارس واوقف زحفها وتقدمها في الجسد العربي لكي لاتبلغ احلامها التوسعية الشريرة، الذين ماتركوا فرصة توغل في الجسد العربي الا ووجهوا لها سكاكين غدرهم لكي يثأروا من تحطيم العرب لغرورهم وعنجهيتهم التي كانت تهميمن على المنطقة برمتها، الى ان اعاد العرب لها الحرية والكرامة ، وفرضوا عليهم الاسلام بالسيف ، وهم مازالوا غير مقتنعين بانهم يمكن ان يكونوا مسلمين في دواخلهم، وان كل مايقدمونه من شعائر بعيدة عن الاسلام، ولا تمت اليه بصلة من قريب او بعيد، ان لم تكن قد شوهت معالمه وزرعت الخراب بين ربوعه، لكي تعم عهود الظلام على العرب لكي لاتقوم لهم قائمة بعد الان.
5. والحرب على الانبار الان هي حرب بالنيابة عن الفرس والاميركيين والاوربيين للثأر من اهل العراق ومن حضاراتهم وعلمهم وثقافتهم، فهي أي الانبار ربما كانت احدى القلاع التي خرجت كوادر عربية اصيلة شجاعة مبدعة، كانت لها القدرة على القيادة الحكيمة وادارة دفة الدولة على أسس ستراتيجية تعتمد العلم والتطور للسعي الى بناء عراق قوي مزدهر، ولم ترض بالاحتلال الامريكي وواجهته بقوة وعناد وصلابة ولم يكن بامكان الولايات المتحدة على قدر عظمتها وقوة جيوشها وغطرستها من ان تفرض وصايتها عليهم، فكان اهل الانبار من اكثر من وقفوا بوجه الغطرسة الاميركية وسعوا لازالة معالم احتلالها لبلدهم وتحكمها مع ايران بمقدراتهم، وكان اهل الانبار يدركون ان الخطر الاكبر ليس اميركا، بل ان الخطر الاكبر يأتي من تحكم ايران بمقدرات العراق، وكانت الانبار هي الشوكة التي وقفت بوجه حكام ايران لكي يحولوا دون فرض ارادتهم على شعب العراق لهذا شنوا عليها هذه الحرب بالتعاون مع امريكا تحت غطاء مواجهة الارهاب، لان اهل الانبار عروبيون اصلاء يرفضون ان يناموا على فراش الضيم او تنحني قاماتهم لغير لله رب العرش العظيم، وهم من اكثر محافظات العراق تعطشا للعروبة والاسلام الحقيقي وليس المزيف والمطلي بشعارات الحقد والضغينة ، فكانت وقفة اهل الانبار وتصديهم البطولي لغزوات بلاد فارس ومن قبل ان يكون مطية لهم حتى ابلى اهل الانيار وسجلوا في تاريخهم ( القادسة الثالثة ) ان صح التعبير، فهم من وقفوا بوجه الظلم والطغيان وتفرد ايران بسلطة القرار في العراق وحكامه للاسف اصبحوا لاحول لهم ولا قوة ان لم يكن يكونوا خدما مطيعين ينفذون رغبات طهران وما تمليه عليهم ارادتها وينفذونها عن طواعية كونها خدمتهم وكونت منهم عملاء صغار،يرددون اقاوليها واباطيلها ليل نهار وليس لهم هم الا خدمة اسيادهم الفرس وتقديم قرابين الطاعة والولاء لحكام فارس لكي يتحكموا على هواهم في خيرات العراق وثرواته، بل ويقيموا نظاما مشوها للاسلام لم يكن يعرفه العراقيون المتعايشون على الدوام من كل الطوائف والاعراق ولم يعرفوا الاحتراب والاقتتال فيما بينهم الا بعد ان كان الحاكمون في ايران هم من يرسمون معالم طريق السلطة في العراق ويقودون دفة دولتهم من على ارض العراق، الى ان لقنهم اهل الانبار الدروس المريرة وستبقى الحرب على الانبار وصمة عار في جبين من شنوا هذه الحرب على اهلها الكرام الميامين الاصلاء رافعي رأس العراق والعرب ومن كانوا ابناؤها الصيد الميامين في الدفاع عن مقدسات الامة وقيمها وهم من ارسوا معالم نهضتها وتقدمها وعلومها واخلاقها في زمن تدحرجت فيه القيم الى منحدرات خطيرة وبقي اهل الانبار مرفوعي الرأس عدا من طأطا رأسه لهم من زنادقتها وشيوخ (كاوليتها ) وسراقها الذين ارتضوا ان يكونوا ابن علقمها في ان يسلموا مقدرات شعبهم الى الاغراب وحثالات الشر والرذيلة، فكان اهل الانبار مقاتلين اشداء ذوي باس كتبوا في سفرهم الخالد اسطورة الشموخ اليعربي الاسامي الاصيل وما يرفع رأس كل عربي ، فبوركت وقفتكم يا أهل الانبار يارمز الشموخ والتحدي، فكتنت المعركة ضدكم ( معركة تصفية الحساب ) فعلا ولكن مع العملاء والخونة ومع من ارتضوا ان يكون عبيدا للاخرين كي يستبيحوا دماء ابنائكم ويولون عليك الاراذل ومن حولوا ارض العراق الى معالم خراب ودمار وقتل وترويع بالجملة للعراقيين جميعا، طوائف وملل، واذاقوا حتى طائفتهم التي ادعوا الدفاع عنها زورا وبطلانا مر الهوان، واذلوا شيوخهم ورجالهم ذوي الخلق والضمير واهانوهم وتركوا السراق والقتلة والفاسدين ومن باعوا ارض العراق للاغراب ليتحكمون في رقابهم، ولكن اهل الانبار هم من حولوا الحرب عليهم الى ( معركة تصفية الحساب ) وانقلب الشر على اعقابه وتكبدوا خسائر فادحة وها هي الفلوجة عصية على الخونة والغادرين والعملاء ليس بامكانهم ان يدخلوها الا على اجسادهم الشريفة وبقيت مدينة الفلوجة والرمادي تحكي قصة البطولة اليعربية الجديدة التي وضعت حدا لكل متغطرس وحاقد وبائس وشرير وحاقد وقد ردتهم على اعقابهم مدحورين خائبين يلعنون حظهم العاثر الذي ورطهم في دخول ارض الانبار، ومن أراد ان يقصم ظهر الانبار فقد قصمت الانبار أظهرهم وجرعتهم كؤوس الحنضل ..الا انتم يا اهل الانبار ، الكبار في الأرض ، لكنكم اصحاب قيم ومباديء وخلق عظيم ترفضون الغطرسة والتعالي والاستكبار والظلم والطغيان من أين أتى ..انتم من كتبتم راية مجدكم وفخاركم واعدتم بناء قيم الاحفاد والاجداد وسجلتم ببطولاتكم مفخرة للعرب في ان بامكانهم ان ينهضوا من جديد، ليعيدوا بناء دولتهم العربية ، وكنتم أهلوها ورجالها الصيد الميامين، وشكرا لكم من كل احرار العالم ايها الاحرار الاماجد، فلكم المجد والشموخ وانتم اهلوه على كل حال.