بأي قاع .. قابع، يا ســـــــــــــــــفيرنا.. بأي مغارة!
هكذا يتساءل الناس في هلسنكي.. عراقيون وفنلنديون وعرب وعجم وابناء السبيل والحالمون بالسؤدد والمتأهبون للحرب والداعون للسلم واحداث العالم وطبولها ونذيرها ، وفصول السنة ومواكب التصحيح والتجار والرؤساء
ففي خضم احداث العالم المتسارعة المملوءة بالتوتر والابتزاز والمساومات، لم يمض يوما الا وقد شهدنا فيه عبر وسائل الاعلام حضورا متميزاً لسفراء العالم المعتمدين لدى فنلندا، وتسجيل مواقف قل نظيرها ازاء ما يدور في فلكنا الموشك على السقوط، باستثناء سفيرنا القنديل.. هذا المفتون بالصمت، والمنشغل تماماً في صومعته بمجئ (الوحي غودو) وبمعزل عن العالم. ان تأتيه من حيث لا نرى ولا ندري .. عظيم البشارة. لا بؤس عليه، او رخاء.
قد يظن البعض ان لصمت السفير ازاء ما يدور حولنا ثمة حكمة، وان في “صمته عن غير الصوابِ صوابُ” لكن الواقع يكشف لنا امرا غير الذي يعتقدون: سفيرنا (القنديل) كوكباً منفردا في هواه عن هوى الناس وطموحها. وان لشؤون العالم الآن رجالها وخبرائها غير الذي يبتغيه منزلاً سفيرنا القنديل. فهو يرى في مهامه (سفيرا) انتقاصا لشخصه ولكفاءته، فأقل ما يستحقه هو منصب (وزير) او نائبا للرئيس.. لا شاءت الاقدار، محشو بين الكراسي بعامل المحاصصة، حينها ستجدونه من دون ادنى شك “الايوبي الجديد” او “روبن هود” وهو يفتك الممالك. وحتى ذلك الحين .. قرر القنديل ان يقيم معزله ويقبع الصمت فيه، يغشى الاباعد نفعه ويصد رعيته في امور لا يمكن غفرانها، واهمها تسهيل مشاركتهم في الانتخابات وتوفير على الاقل، السقف الادنى من احتياجاتهم. ولا سيّما بين الناس معاقين ومتعففين وكبار السن وبينهم وبين صناديق الاقتراع، حدود بلدان وبحر ومشقة السفر.
وأمام استمرار عجز السفارة على ممارسة الدور المنوط بها، تجد الاغلبية في تعمد السفير على تجاهل شكوى الرعية امتهان سافر من كرامتهم وهويتهم وتغييب فكري وثقافي وتراثي مرفوض. مما عمق حدة الفجوة وتفاقمها في الاونة الاخيرة بين ابناء الجالية والسفارة بسبب هذا الالغاء الكامل لوجودهم والذي يعكس بدوره رداءة التمثيل الدبلوماسي وفشل حقيقي لآلية الاختيار في تنصيب بعض سياسينا (سفراء) فقط، لذر الرماد في العيون.
لا يختلف اثنان، هذه المرة على مدى تقاعس دور السفارة المتعمّد في حجب احداث العراق الدموية عن وسائل الاعلام الفنلندية والعالمية والمنظمات الدولية المعتمدة في فنلندا. فالبرغم من تسارع الاحداث الدموية في العراق خاصة في المجال الامني، السياسي، الاقتصادي، القانوني والثقافي، وفي احلك ظروفها، لم تخرج علينا السفارة بمؤتمر صحفي واحد اسوة بكافة البعثات الدبلوماسية، للتعبير عن موقف حكومتنا الرسمي ازاء هذه الاحداث. مئات التفجيرات التي تحصد ارواح العراقيين في العراق يومياً، لم تعلن سفارتنا حدادها قط، لم ينكس علمنا يوماً، لم توجه سفارتنا موقف حكومتها الرسمي الى وسائل الاعلام الفنلندية والعالمية المعتمدة في فنلندا عن مجمل الاحداث الامنية وتطوراتها. ورغم المناشدات الكثيرة في تصحيح هذا الخلل، لم تحاول سفارتنا على الاقل تقليد بعض السفارات بروتوكولياً. الاسوء من ذلك، ما تناقلته ابناء الجالية عن محاولات السفير لشراء الذمم والبذخ على البعض بالمناصب في السفارة فقط لمن يستطيع التهجم اعلامياً لمنتقديه والاساءة لسمعتهم ولسمعة عوائلهم. وإن صحت المعلومات، فان سفيرنا بهذا السلوك لا يستحق منصبه لخطورة تداعيات هذه الممارسة لما ينتج عنها من حرب بين الناس وشق للحمتهم وتراصهم الحميم فيما بينهم.
وامتدادا لسور الفشل واستمراره، شهدنا مؤخراً تخلي السفارة عن دورها الرئيسي والمركزي في احياء المناسبات الوطنية والقومية والدينية والثقافية السائدة في العراق. كذلك انتفاء روح المبادرة في تقديم الهوية الثقافية، او التضامن والمساهمة مع ابناء الجالية في تبني خطط ورؤى راشدة في تعزيز العنصرين الثقافي والتراثي في اطار تحقيق الانسجام والوئام بين أفراد المجتمع الواحد ومحيطهم الفنلندي اسوة بسفارات اخرى معتمدة في فنلندا. مما عزل السفارة عن محيطها الرسمي وخاصة في حجب كامل لمشاركة الفنلندين لعدم وجود هذه الفعاليات والمناسبات الرسمية بسبب وهن مهام البعثة الدبلوماسية.
ان عدم التزام السفارة باحياء العنصر الثقافي الذي يعد بدوره عنصر اساسياً في تفعيل المشهد العراقي برمته امام المؤسسات الفنلندية المدنية والرسمية، اثر بشكل ملحوظ على طبيعة علاقات المودة والتخائي بين الجالية والمجتمع الفنلندي الذي بات ينظر للعراقيين بعين الريبة والشك. كذلك ان تراجع السفارة في اداءها من تقديم وتعزيز العنصر الثقافي في المحافل والمناسبات الثقافية السائدة في فنلندا، قد ساهم بشكل ملحوظ في زعزعة الثوابت الاساسية للعلاقات الاخوية المتبادلة بين العراق وفنلندا. وكذلك في سبل تطويرها. حيث تتحجج السفارة بعدم توفر الكفاءات القادرة على تقديم الهوية العراقية الثقافية بما يليق ويتناسب وحجمها التاريخي ودورها في رفذ الحضارات بالمعرفة. وبهذا الصدد نطالب بشدة فتح تحقيق للتأكد من كفاءة الموظفين اللغوية والمعرفية والفكرية وحقيقة شهاداتهم الجامعية ومدى امكاناتهم في تحقيق هذا الهدف السامي.
ورغم وجود عدد هائل من الكفاءات العراقية التي اصبحت في الاونة الاخيرة منارا ثقافيا تعتز به فنلندا قبل العراق وتجاوزت حدود فنلندا الى العالم، تبقى سفارتنا بمعزلها وعزلتها الى ان يهبط علينا الوحي المنتظر قبل هبوطه على سفيرنا القابع في مغارته والغارق حتى هامته بامنيات المنصب الجديد ، يليق بصمته ويعادل طموحه.