رغم إيماني العميق بالخيارات الليبرالية والعلمانية في البناء السياسي لهوية الدولة والاحزاب،إلاّ انني شخص مستقل سياساً،وليس في قناعتي أن أنتمي إلى اي حزب مهما رفع من شعارات علمانية أو ليبرالية،ذلك لأنني أؤمن بأنَّ مَن يعمل في ميدان الفن والثقافة ينبغي أن يكون حراً،بنفس ألوقت لاأجد ضيراً في أن أتفق أو أتفاعل مع أي حزب،سواء في الفكر أو الممارسة،ربما أجده الأقرب إلى قناعاتي،والأفضل لمجتمعي،في مرحلة من المراحل،خاصة إذا ماتعلق الأمربثوابت أساسية مُقدسة في منظومة قيمي،تنحصر في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية .
من هنا استطيع القول بأن الاحزاب الدينية العاملة في العراق بمسمياتها المتنوعة غير قادرة على إدارة بلد مثل العراق،تتعدد فيه الأديان والطوائف والقوميات،وتجربة العشرة اعوام الماضية بعد العام 2003 اثبتت بما لايقبل الشك عدم قدرتها على أن تنآى بالبلاد إلى زمن واقعي عقلاني يحقق العيش الكريم لعموم المجتمع،كما فشلت في إيصالها إلى لحظة زمنية يكون المناخ العام فيها نظيفاً وخالياً من سموم الاحتقان والصراع الطائفي،لأن جميع هذه الاحزاب أساس عقيدتها السياسية ووجودها،قائم على التخندق وراء ستار الطائفة التي تنتمي لها،وبذلك هي تتحمل كل صور العنف والقتل والتهجير واللصوصية.
وإذا ما شاء العراقيون الخلاص من محنتهم التي يتحملون الجزء الأكبر من مسؤوليتهاــ لسلبيتهم في التعامل معهاــ والعودة إلى طبيعتهم الاجتماعيةالبسيطة والمعتدلة،خاصة وأنهم مقبلون على الانتخابات في مطلع شهرايار2014 ،سوف لن
يكون أمامهم إلاّ خيار طي صفحة الاحزاب الدينية واعطاء الفرصة لأحزاب ليبرالية وعلمانية لايشكل الانتماء الديني أو الطائفي أي قيمة في أسس تشكيلها.
أيضا لابد من التأكيد على أن الاحزاب القومية،هي الأخرى من غير الوارد الرهان عليها طالما خطابها الايدولوجي ــ القومي ـ سيضعها اليوم أو غداً في مواجهة مع القوميات الاخرى،وتاريخنا القريب فيه الكثير من الشواهد المؤلمة التي تؤكد ذلك،خاصة بعد أن لاحظ المواطن عودة شعارات قومية قديمة في هذه الدورة الانتخابية مثل(إذا ذُلَّ العرب ذُّلَّ الأسلام ! ) بدأت ترددها مرة أخرى كتل واحزاب في حملاتها الانتخابية،في محاولة منها لأستثمار حالة هيجان وانفعال شعبي باتت تجتاح قطاعا كبيراً من المجتمع العراقي بعد الحضور الواضح للسياسة الايرانية في رسم خارطة المشهد السياسي العراقي خاصة في عهد حكومة المالكي بدورتيها.
هذه الشعارات المتعصبة والمنغلقة،بلا أدنى شك تقفز فوق حقائق دامغة اثبتتها شعوب ومجتمعات مسلمة ــ غير عربية ــ حققت تقدما اجتماعيا كبيراً جعلها تحظى بأحترام المجتمع الدولي خلال فترة قياسية مثل ماليزيا وتركيا وايران بينما عجز مجموع العرب المسلين عن تحقيق ذلك خلال عقود وعقود،فأمست مكانتهم بين الأمم في وضع لايحسدون عليه .
لذا لم يعد يجدي نفعاً رفع شعارات لاأساس لها من الصحة في واقع يعاني مرارة الهزيمة بمفهومها المطلق ــ الأخلاقي والعلمي والثقافي ــ وذلك لخلوها من البرامج والسياسات الواقعية التي يمكن أن تنهض بمجتمع دخل في مرحلة خطرة من التشظى والتشرذم،بفعل ما خططت له الادارة الاميركية في أن تحوِّله إلى مجتمع منقسم بشكل حاد إلى مكونات واقليات وطوائف تتصارع مع بعضها،وتسود بينها مشاعرالشّك والبغض والكره وقدنجحت في تحقيق ذلك بشكل كبير.
إن شعارات مثل هذه لازالت تبدو براقة لدى البعض ــ إما لمحدودية فهمه أو لأنه يؤدي دوراً مرسوما غير مسموح له أن يخرج عنه ــ قد فقدت أهليتها ومصداقيتها، بعد أن كانت قد رفعتها انظمة سياسية تناوبت على كرسي الحكم خلال العقود الخمسة الماضية في أكثر من بلد وفي اكثر من فرصة،لكن جميعها فشلت في أن
تحقق شيئا مهما وملموساً على المستوى الحضاري يستحق الفخر أو الاحتفاء به،سواء للعرب أو للمسلمين،إضافة الى ذلك،هي لم تترك ورائها إلاّ تاريخا عناوينه هزائم وانكسارات وتخلف .
فهل من جدوى وفق هذه الصورة المعتمة،إشهار السيوف والصراخ تحت راية ” لبيك ياعلم العروبة كلنا نفدي الحِما ” بدلا من رسم سياسات وبرامج تنصف المواطن بعيش لائق كريم تنسجم مع احدث ماتوصلت اليه العلوم والمعارف !؟ وهل من جدوى أن نفخ مرة أخرى في قربة مثقوبة ! ؟