18 ديسمبر، 2024 9:12 م

بين الادارة الامريكية والشعب .. تفكك وانقسام يختط مساره

بين الادارة الامريكية والشعب .. تفكك وانقسام يختط مساره

من المعروف ان الولايات المتحدة الامريكية , لاتمتلك هوية او منصهرة بقومية واحدة , وهذا يعني انها بطبيعة الحال تتكون من اقوام مهاجرة وذات اديان وطوائف متعددة , وفي ظل ظروف هذه الدولة التي سعت منذ عقود الى حكم السيطرة على العالم عن طريق القوة العسكرية , لابد ان ينجم عن هذه الأقوام المتعددة انتقادات سياسية واقتصادية وثقافية ترتكز في بعضها على التعاليم الدينية ,
وهذه الإنتقادات تكون مدعاة الى عدم الاستقرار السياسي الذي يقود احيانآ الى الإرتباك واحيانآ الى التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة ذات الصلة بالأمن القومي مثلآ او في جوانب من قطاعات اخرى , وهذا الارتباك والتردد يستلزم اتخاذ قرارات معينة للسيطرة عليها , واحدها تكون القوة التي تتسم بوسائل اخرى براغماتية , وترك اخرى رهن التجميد , لذلك تعمد الادارة الامريكية احيانآ الى ربط تنفيذ قراراتها الاستراتيجية الخاصة بالضرائب مثلآ بحكومة اخرى خاضعة وعميلة لها لتحقق اهداف اقتصادية بعيدآ عن فرض ضرائب على شعبها ,
او تخفّض تلك الضرائب الى حد ادنى مقبول لكي تضمن استقرارا سياسيآ وديمقراطيآ يكافيء اسكات الاصوات في المجالس والمنظمات المدنية المحلية التي تعارض اجزاء من سياسة الضرائب وخاصة ذات المدى الطويل , ومن دون ان تتبين الادارة عما هو ارتب حال لتلك القوميات , فإن العواقب السياسية ستكون اشد وطأة وامضى كراهة على الحكومة بحيث تقود الى خلق انقسام طائفي وطبقي يخل بالشروط الديمقراطية التي تحرص عليها في عدم تداعي احجارها وينهار معها شكل الاتحاد المتماسك الذي تدعيه بين القوميات ,
بهذا التدارك لماقبل العواقب السياسية , يتضح ان دأب الإدارة الامريكية كان ومايزال هو ان لاتنوء تحت سياط النقد التي تصنع العقبات , بل وترفعها الى حالة اللاتوازن ومن ثم الى الإنقسام بين الحكومة الامريكية والقوميات الدينية في الولاية الواحدة او اكثر بالمقارنة مع نموذج الأتحاد المعياري الذي تخطط وتسعى اليه ,
كنا قد نشرنا بتاريخ 28 نيسان 2024 في موقع كتابات مقالة بعنوان ” مظاهرات الجامعات الأمريكية : قاعدة إنقسام شعبي وثورة رفض للسياسة المؤيدة للصهيونية ” , وقد اشرنا فيها الى ان الحكومة الأمريكية لم تنظم سياستها مع الشعب من الناحية الأخلاقية , وخاصة بين صفوف الشباب المثقف الذي لم يعد يخضع لهذه السياسة بشكل متواتر , وتنبأنا ان يترسخ الإنقسام بين صفوف المجتمع الأمريكي , وهاهو الآن فعلآ يترسخ ويتعدى المظاهرات التي لوّحت به في اول الأمر عن رفضها لتلك السياسة , الى الإستقالة عن الوظائف احتجاجآ على دعم الإدارة للإبادة الجماعية في غزة ,
ففي هذا المضمار الوظيفي استقالت هالة غريط بعد خدمة 18 عام , وهي المتحدثة باللغة العربية بأسم وزارة الخارجية احتجاجآ على سياسة حكومتها , وكانت إستقالتها من بين ثلاثة اخرى في الوزارة , وكانت قبلها أنيل شيلين المسؤولة للشؤون الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل , ومن بعد استقالت يوم الاربعاء من الشهر الحالي ايلي غرينبرغ وهي موظفة يهودية رفيعة المستوى بإدارة الرئيس بايدن , تعمل كمساعدة خاصة لرئيس الاركان في وزارة الداخلية ,
وفي كانون الثاني الماضي استقال جوش بول وهو موظف في وزارة الخارجية عمل على عمليات نقل الاسلحة احتجاجآ على ارسال اسلحة وذخيرة الى الكيان المحتل , وفي حزيران الماضي ترك تشارلز اوبلاها منصبه كمدير لمكتب الأمن وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية الأمريكية , وفي وزارة التعليم الأمريكية استقال طارق حبش وهو احد مستشاري الوزارة قائلآ انه لايستطيع ان يمثل إدارة لاتقدّر الحياة البشرية على قدم المساواة ,
بهذه الإنشقاقات في الإدارة الأمريكية التي تراها معاداة للسامية , تشكلت القاعدة الأولى للتفتت بين المجتمع الأمريكي المتعدد القوميات والأديان , توضّح تمامآ كم خسرت الإدارة الأمريكية في سياستها الداعمة لدولة الكيان في حربها على غزة , وانضمامها الى التداول مع دول اوربا بمصطلح معاداة السامية الذي يحرّم نقد الصهيونية لتحقيق اهداف جرائمها ضد الشعوب , وهذا لاشك عبّر عن مسار الأخلاق الهشة الذي اتبعته السياسة الأمريكية عند التعامل مع الشعب الأمريكي وبالأخص مع موظفي ادارتها وشريحة الطلاب الجامعيين منذ عقود .
ختامآ , لايمكن للإدارة الأمريكية ان تنأى عن ذلك المصطلح وعن الإنقسامات العميقة التي تنتظرها مالم تلغي او تحسن صورتها امام المنشقين , وتنأى عن سياسة الكذب والتدليس التي تتبعها مع شعبها والعالم , ومالم تستبدلها بسياسة تعظّم قيمها الاخلاقية بشكل متوازن وتضع مصلحة بلادها على قدم المساواة مع قوانين حقوق الإنسان , فضلآ عن اتباع سياسة الحياد وعدم التدخل بغير المعايير الدولية التي تمثلها المنظمة الدولية في المنازعات الأقليمية والدولية ,
وإن لم تفعل فهذا يعني انها تعترف امام شعبها جهرآ , فضلآ عن العالم ان مؤسساتها وتقاليدها كانت ومازالت مصممة بالأساس على سياسة الكذب والتدليس وبلا قيد اخلاقي البته , وها هو الإنقسام اليوم يختط مساره في المجتمع الأمريكي ليقود حتمآ الى سلسلة من إنقسامات وإنشقاقات اكثر عمقآ بين سائر القوميات والأديان وبذلك سيتأسس على المدى البعيد عالم امريكي جديد بعيدا عن قيد السياسات التي اتبعتها الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة .