لقد اختلف كل شيء في هذه الدنيا وبسرعة غير متوقعه ربما بسبب التطور الذي حصل في العالم وخاصة في مجالات التكنولوجيا الالكترونية فليس ببعيد عن اليوم وربما قبل 40 او 50 سنة من الان كان كل شيء مختلف في وسائل الاعلام وكل شيء له متعة ولذةً خاصة..
كنت انتظر صدور مجلة الوطن العربي التي تصدر في باريس وتصل الى كل الدول العربية وكانت تكتب في صفحاتها التمجيد للدول التي تعتبرها ثوريه من حيث مبادئها وما يعلن عنها..
كتبت في ذلك الوقت اكثر من مقاله بلقب مستعار
(( القروي)) وكانت مقالاتي في ذلك الوقت تحمل في طياتها معاني اخرى بما يعرف بين السطور وكنت ارسلها في تحفظ تام عن طريق وضعها في احد صناديق البريد لتذهب الى هناك ورغم كل أجهزة الرقابة الموجودة الا انها كانت تصل الى تلك المجلة واذكر انني في احد اللحظات قرأت سطورها وكانت فرحة لا توصف بالنسبة لي وخاصة انا ابن قرية ريفية وتنشر لي اول مقالة قصيرة في مجلة تعتبر عالمية ويقرأها اغلب ابناء الوطن العربي والمغتربين العرب..
كانت ايام جميلة عندما كانت الصحافة متنوعة وهي المتنفس الوحيد للقراء جميعاً فهذه مجلة الدستور وتلك مجلة كل العرب اللبنانية ومجلة العربي الكويتية والكثير من المجلات والجرائد التي ما زالت خالدة في الاذهان.. ايام المتعة كلها كانت في تلك القراءة ونحن نقلب الصفحات لنتمتع بكل ما هو جديد من اخبار وصور ملونة..
اما في مجالات المسلسلات والافلام وما يدور في كواليس التلفزيون والسينما فما زلت اتذكر ذلك الفيلم السينمائي الهندي المسمى ((الشعلة)) الذي شاهدته اكثر من عشرة مرات وفي كل مرة تنزل الدموع من عيوني ويشدني الحماس لقتل الظالم وامنياتي ان اشارك في مهرجان الالوان وانا ارى تلك المشاهد التي لم اعرف انها خدع سينمائية الا عندما وصلت الينا التكنولوجيا الحديثة…
افلام ومسلسلات كثيره ما زالت عالقة في اذهاننا نحن جيل الخمسينات والستينات والسبعينات وكأنها جزء من حياتنا لأنها كانت تعكس الواقع الذي نعيش فيه وما زلنا نتذكر تلك المسلسلات التلفزيونية التي كنا ننتظرها على أحر من الجمر وربما كانت الحلقة الواحدة لا تتجاوز مدة بثها ثلاثون دقيقة ويقوم التلفزيون ببثها مرة واحدة في الاسبوع وتجد كل العوائل العراقية في تلك اللحظات وهم ينظرون الى شاشة التلفزيون وبلهفة شديدة لمتابعة تلك المسلسلات..
اتذكر مسلسل ((ساري العبد الله)) ومسلسل ((رأس غليص)) المسلسلات البدوية بمفهومها الاجتماعي والتي كان لهن تأثير ومعاني في الحياة العامة. وجميعنا يتذكر الممثل الاردني القدير الاستاذ زهير النوباني الذي اجاد التمثيل في شخصية (( بطيحان)) والذي اصبح حديث الشارع في حينها..
ايام خوالي كثيرة مرت بسرعة البرق وانا اتذكر ذلك المقهى الشعبي البسيط في ناحية الشورة قرب مركز الشرطة القديم عندما اذهب بزيارة الى اقاربي هناك والجميع يجتمع فيه لمتابعة المسلسل العراقي ((النسر وعيون المدينة )) وما ان تنتهي حلقة المسلسل حتى يدور النقاش ويعبر كل منا عن ما يدور في راسه من تعليقات حول احداث المسلسل..
اما ما قبل عصر التلفزيون وقبل البث التلفزيوني فلقد كان في حياتنا متنفس اعلامي وحيد وهو المذياع والذي يسمى بالراديو الذي كان يبث برنامج بدوي اسبوعي يسمى برنامج ركن البادية وفي نهاية البرنامج يقدم لنا المذيع طلبات المستمعين لاحد مطربي البادية والريف في حينها وهو يمتع مسامعنا بصوته العذب وعزفه على الربابة ولمده أربعة او خمسة دقائق فقط ولكنها لحظات لا تنسى ونحن نسمع ذلك الصوت الذي يغني ويغرد بكلمات من واقعنا الريفي.. ذكريات قد ذهبت ولن تعود ونحن نعيش اليوم في عصر الانترنت الذي غير حياتنا جذريا وغير كل شيء في هذه الطبيعة فلم يعد الليل ليل ولا النهار نهار.. اغلب العوائل تسهر الى الصباح الباكر وتنام نهارها بأكمله وبسبب قلة العمل وكثرة العطل الرسمية وتوقف كل المصانع التي كانت تعمل في رصد الصناعة الوطنية وسببها الاحداث التي جرت في العراق اصبح اغلب شبابا اليوم يبحث له عن راتب رعاية اجتماعية وكانه معاق جسديا والخلل لا يعود فيه وانما في الدولة التي اصبحت ايضا عاجزه ومشلولة الحركة ولا تستطيع ان تقدم لهم شيء…
لقد ذهب ذلك الزمان برجاله وانتهى عصر السينما فلم يعد في الافلام الهندية شيء يبكينا لأننا نعيش حياة اسوا احيانا من الفيلم الهندي نفسه..
ولم يعد هناك غليص واحد يسلب حقوق الناس لأنه قد تعددت الغليصات في زماننا هذا ويا مكثرهم..
اما بطيحان فاليوم يسمونه في الشارع 56 وما اكثر البطيحانات في يومنا هذا.. زمان يا قاسم الملاك وانت تؤدي دور اعذافه في مسلسل جرف الملح وزمان يا داخل حسن ونحن نسمع لك ورده اسگيتها من دمع العيون..
لقد ذهب كل شيء وبقي شيء واحد هو الانسان الذي يستطيع ان يعيش مع كل هذه الاشياء وفي كل الأزمنة والاوقات!!!!!!!!!.