خاص: كتبت- نشوى الحفني:
عودة الزعيم الشيعي العراقي؛ “مقتدى الصدر”، إلى الواجهة السياسية من جديد، زلزال سياسي يُربك أوراق المشهد السياسي، فقبل أيام ظهر بشكلٍ نادر يخطب بين أنصاره، في وقتٍ قالت مصادر متعددة إنه يمُّهد الطريق لعودته إلى المشهد السياسي، للمرة التاسعة تقريبًا بعد انسّحابات عدة كان آخرها منذ عامين عندما فشلت محاولته تشّكيل حكومة دون منافسّيه الشيعة.
هذه التطورات على المشهد العراقي تأتي قبل فترة من الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في 2025، ما يعني أن “الصدر” يسّتعد لها، وبالتالي تُثار تساؤلات عدة حول شكل المشهد السياسي العراقي، والتحالفات التي يمكن أن تُعلن، والمخاوف من اضطرابات سياسية جديدة.
المراقبون يقولون إن عودته، المُّزمعة على الأرجح في الانتخابات البرلمانية عام 2025، ربما تُهدد النفوذ المتزايد للمنافسين، ومنهم أحزاب شيعية وفصائل مسُّلحة عراقية مقربة من “إيران”، وتقوض الاستقرار النسّبي الذي شهده “العراق” في الآونة الأخيرة.
ومع ذلك؛ فمن المُّرجح أن يُرحب كثيرون من الغالبية الشيعية في البلاد بعودة “الصدر”، لا سيما أنصاره ومعظمهم من أتباعه المتدينّين والفقراء الذين يعتبرونه نصّير الضعفاء، وفق وكالة (رويترز).
هدف العودة للحياة السياسية..
وقال نائب سابق عن (التيار الصدري)؛ فضل عدم ذكر اسمه، إن هذه المرة لدى (التيار الصدري): “تصميم أقوى” من ذي قبل على الفوز بعدد أكبر من المقاعد لتشّكيل حكومة أغلبية، رُغم أن القرار النهائي للترشح لم يُتخذ رسّميًا.
وفاز (التيار الصدري) في الانتخابات البرلمانية عام 2021، لكن “الصدر” أمر نوابه بالاستقالة، ثم أعلن في العام التالي الانسّحاب بشكلٍ نهائي من العملية السياسية في البلاد؛ بعد أن أحبطت أحزاب شيعية منافسة محاولته تشّكيل حكومة أغلبية مع الأحزاب الكُردية والسُّنية فقط.
ويُندد “الصدر”، وهو شخصية بارزة في “العراق” منذ الغزو الذي قادته “واشنطن” عام 2003، بنفوذ كل من “إيران” و”الولايات المتحدة” في “العراق”.
الموقف الأميركي والإيراني..
وتعتبر “إيران” مشاركة “الصدر” في الحياة السياسية مهمة للحفاظ على النظام السياسي الذي يُهيمن عليه الشيعة في “العراق” على المدى الطويل، على الرُغم من أن “طهران” ترفض تطلعاته إلى الاعتراف به كقوة مهيمنة منفردة.
بينما ترى “الولايات المتحدة”، التي حاربت مسُّلحين موالين لـ”الصدر”؛ بعد أن أعلن “الجهاد” ضدها عام 2004، في هذا الرجل تهديدًا لاستقرار “العراق” الهّش، لكنها تعتبره أيضًا أداة لمواجهة النفوذ الإيراني.
لقاء “الصدر” بـ”السيستاني”..
وعقد “مقتدى الصدر” اجتماعًا نادرًا مع “علي السيستاني”، المرجع الأعلى لشيعة “العراق”؛ الذي اضطلع بدور محوري في إنهاء اشتباكات دامية بين الشيعة عام 2022، قبل انسّحاب “مقتدى” من الساحة السياسية.
وقالت (06) مصادر من (التيار الصدري) إن الصدريين يفسُّرون اللقاء الذي جري في 18 آذار/مارس مع “السيستاني”، الذي ينأى بنفسه عن المشهد السياسي المُّعقد ولا يلتقي عادة بالسياسيين، على أنه تأييد ضّمني.
وقال رجل دين مقرب من “السيستاني”؛ إن “الصدر” تحدث عن عودة محتملة إلى الحياة السياسية والبرلمان وخرج من هذا الاجتماع المهم: “بنتيجة إيجابية”، فيما لم يُعلق مكتب “السيستاني”.
وبعد أيام من الاجتماع؛ دعا “الصدر” نواب (الكتلة الصدرية)، الذين استقالوا عام 2021، لتجميع صفوفهم والتواصل مجددًا مع القاعدة السياسية لـ (التيار).
وقال مصدر مُّقرب منه إن “الصدر” أعاد بعد ذلك تسّمية (التيار) ليحمل اسم: (التيار الوطني الشيعي)، في انتقاد مُبطن للفصائل الشيعية المنافسة التي يعتبرها غير وطنية وتُدين بالولاء لـ”إيران”، وكذلك في محاولة لحشّد قاعدته الشعبية الشيعية.
وفي حين يخشى بعض المحللين حالة من الارتباك جراء عودة “الصدر” إلى المشهد السياسي، يقول آخرون إنه قد يعود أكثر تواضعًا بسبب هزيمة أنصاره خلال مواجهات مسُّلحة مع فصائل شيعية منافسة، وكذلك النجاح النسّبي الذي حققته حكومة “بغداد” الحالية، بما في ذلك موازنة العلاقات مع “طهران” و”واشنطن”.
يُزيد من خطر الاضطرابات..
وقال “حمزة حداد”؛ وهو محلل عراقي وزميل زائر في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، إنه بالطبع، يُزيد دائمًا خطر الاضطرابات عندما يزيد عدد الفصائل في عملية توازن السلطة، خاصة عندما تكون مسُّلحة، لكن على الصدريين أن يعودوا بشكل أقل عدائية، على حد قوله.
وأضاف أن: “الفصائل السياسية تعلم أنه من الأفضل تقاسّم السلطة بدلاً من خسارتها بالكامل”.
خيارات قد يستخدمها “الصدر”..
وقال سياسي بارز من الصدريين إن (التيار) قد يسّعى إلى التحالف مع بعض الفصائل الشيعية الحاكمة، مثل رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، الذي يحظى بشعبية كبيرة، مع استبعاد آخرين بما في ذلك منافسه اللدود؛ “قيس الخزعلي”، زعيم (عصائب أهل الحق)، وهي فصُّيل سياسي وعسكري متحالف مع “إيران”.
وقال مستشارون لـ”السوداني” إن رئيس الوزراء يبقي خياراته مفتوحة.
وذكر السياسي الصدري أن: “هناك فصائل في (الإطار) تربطها بـ (التيار الصدري) علاقات طويلة الأمد؛ ويمكن أن نتحالف معها قبل الانتخابات أو بعدها”.
وفي مدينة “الصدر”، وهي معقل مترامي الأطراف لـ (التيار) يُعاني من الفقر منذ فترة طويلة على الجانب الشرقي من العاصمة “بغداد”، ينتظر كثيرون عودة “الصدر” على أمل أن يترجم ذلك إلى فرص عمل وخدمات.
عودة مختلفة جذريًا..
وفي تعليقه لـ (العين الإخبارية)؛ يقول “محمد علي الحكيم”، المحلل السياسي العراقي، إن عودة (التيار الصدري) ستُغير المعادلات السياسية برُمتها في “العراق”، معتبرًا أن انسّحابه قبل أقل من سنتين من العملية السياسية كان أمرًا وقتيًا، ورجوعه خلال الانتخابات البرلمانية القادمة سيكون حتميًا.
وإذا كان (التيار الصدري) قد انسّحب من قبل (08) مرات وعاد، فإن العودة التاسعة ستختلف جذريًا وستكون بمثابة اقتحام للعملية السياسية من أوسع أبوابها، وفق “الحكيم”.
ويرى المحلل السياسي العراقي؛ أن “الصدر” لمّلم أوراقه ورصّ صفوف تياره، و”طرد الفاسدين” ضمن حزبه، متوقعًا أن يكون بيان عودته: “مزلزلاً للخصوم”؛ بالتحديد (الإطار التنسّيقي).
سيناريو مُّعد مسّبقًا..
ويؤكد “الحكيم” أن انسّحاب وعودة “الصدر” لا يمكن أن يكون دون سيناريو مُّعد له مسّبقًا، لأن الرجل كان الفائز الأول في الانتخابات البرلمانية الماضية بحصوله على: (73) مقعدًا برلمانيًا؛ ويمتلك أكثر من: (480) درجة وظيفية خاصة؛ (أي مناصب عدة في أجهزة الدولة).
وأشار إلى أنه كذلك كان يمتلك عدة وزارات، والأمانة العامة لرئاسة الوزراء ومحافظ البنك المركزي و(04) محافظين، ناهيك عن هذا رئيس الوزراء السابق كان مقربًا لـ (التيار الصدري)، معتبرًا أنه لا يمكن لشخص يمتلك كل هذه المناصب أن يُقدمها لخصومه على طبقٍ من ذهب ويجلس في البيت من دون سيناريو للعودة وبقوة، وفقًا له.
وربما يرى البعض أن عودة “الصدر” قد تُربك المشهد السياسي، وفق تقرير سابق لوكالة أنباء (رويترز)، إلا أنه مع ذلك من المُّرجح أن يُرحب كثيرون من الغالبية الشيعية في البلاد بعودته، لا سيما أنصاره ومعظمهم من أتباعه المتدينيّن والفقراء الذين يعتبرونه: “نصير الضعفاء”.
عودة بمباركة المرجعية العُليا..
وكانت تنبؤات عودة “مقتدى الصدر” تجلت بشكلٍ واضح عقب لقاء مع “علي السيستاني”؛ المرجع الأعلى لشيعة “العراق”، في آذار/مارس، على نحوٍ أثار وقتها كثيرًا من التساؤلات.
ويربط “الحكيم” بين هذا اللقاء وعودة (التيار الصدري)، إذ قال إن هذه المرة ستكون بمباركة المرجعية العُليا في “النجف” بالتحديد، فـ”السيستاني” كان قد استقبل “مقتدى الصدر” في حين أغلق أبوابه بوجه جميع الفرقاء السياسيين.
ويُضيف أن هذا إن دّل على شيء، فيّدل أن التطلعات السياسية للمرجعية أقرب لـ”الصدر” من جميع الفرقاء السياسيين وخصومه، لذلك كان استقباله بمثابة مباركة مرجعية، وإذنًا شرعيًا للانخراط في العملية السياسية.
وعن تغييّر مسُّمى (التيار)؛ يرى “الحكيم” أن هذا التغيّير له كثير من الدلالات، أبرزها الانفتاح على الفضاء الوطني مع التمسّك بالهوية الشيعية الإسلامية، كما أن (التيار) يُريد الانفتاح على الأغلبية الصامتة التي تشترك معه في كثير من الأمور والقضايا، منها رفض المحاصّصة والاستحواذ الحزبي من قبل أحزاب السلطة.
التحالفات السياسية..
ويرى مراقبون أن (التيار الصدري) سيكون له شبكة تحالفاته؛ ربما بعضها يكون مع أحزاب ضمن (الإطار التنسّيقي) الشيعي، لا سيما أن لديه علاقات ممتدة مع كثير منها.
و(الإطار التنسّيقي)؛ هو تجمع لأحزاب سياسية شيعية تشّكل عام 2021، من الكتل الرئيسة الشيعية في البرلمان، وقد ظهر بوضوح عقب الانتخابات التشّريعية في نفس العام؛ عندما طعن على نتائجها التي حصّد الأكثرية فيها (التيار الصدري).
يقول الدكتور “غازي فيصل”؛ مدير المركز (العراقي) للدراسات الاستراتيجية، إن (التيار الصدري) لديه مواقف واضحة من مختلف القضايا السياسية المهمة، التي على رأسها رفض استمرار الميليشيات أو الفصائل المسُّلحة، وحصّر السلاح بيد المؤسسات الرسّمية للدولة.
ويُضيف أن (التيار الصدري) كان لديه مواقف واضحة كذلك فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومواجهة المحاصّصة الطائفية، واعتماد نهج الإصلاح الجذري، والأهم، وفًقا لـ”فيصل”، مواجهة الفوضى الأمنية التي تضرب البلاد.
ويقول مدير المركز (العراقي) للدراسات الاستراتيجية؛ إن (التيار الصدري) سيواجه التنظيمات الراديكالية سواء المسُّلحة أو السياسية التي تتبع (الإطار التنسّيقي)، وسيتجه إلى التحالف مع التنظيمات الشيعية المعتدلة والبعيدة عن الفساد، وهو أمر أشار إليه في خطابه الذي جاء مؤخرًا.
ويرى الخبير السياسي العراقي أن شكل التحالفات التي سيقودها “مقتدى الصدر” سيتضح أكثر كلما اقتربت الانتخابات البرلمانية، مؤكدًا أن هناك أحزابًا كُردية وأخرى سُّنية ستكون مُرحبة بالتحالف معه، وكذلك بعض المستقلين، معتبرًا أن هذا الأمر سيُّشكل خصمًا من رصيد الأحزاب الداخلة ضمن (الإطار التنسّيقي).
كسر عُزلته بمشهد دراماتيكي..
وبحسّب المحلل السياسي؛ “غضنفر القيسي”، شكل خروج “الصدر” من منزل السيد “السيستاني” مرتديًا عباءة والده؛ المرجع الديني “محمد الصدر”، مشهدًا دراماتيكيًا، لما لذلك من قيّمة في الواقع السياسي العراقي، حيث كسر “الصدر” عُزلته بواقعة تعني الكثير للشارع العراقي.
وأضاف “القيسي”؛ لـ (إرم نيوز)، أن: “عودة الصدر للعمل السياسي تعني الكثير لدى الأطراف السُّنية والكُردية بشكلٍ خاص، وسيشّغل في الوقت ذاته الخلاف مع الأحزاب الشيعية التي لا تُريد غالبيتها للصدر أن يعود إلى قبة البرلمان”.
وفي 11 نيسان/إبريل الماضي؛ فاجأ “الصدر” أتباعه والمراقبين للشأن السياسي بتغيّير تسّمية (التيار الصدري)؛ الذي يرتبط بالعائلة الشيعية المعروفة.
وأظهرت قُصاصة ورقية تحمل ختم وتوقيع “الصدر”، كتابة عبارة: (التيار الوطني الشيعي)، وكانت هذه الخطوة الثانية التي تُشير إلى احتمالية عودته للعمل السياسي.
تُشعل الصراع من جديد..
وقال عضو (الرابطة الدولية) للخبراء والمحللين السياسيين؛ “عبدالله اللامي”، إن: “انسّحاب الصدر من العملية السياسية؛ خلق عدم توازن داخل قبة البرلمان، خاصة أن نواب (التيار الصدري) تجاوز عددهم: (70) نائبًا من مجموع: (329)، أي ما يُقارب: (21%) من البرلمان، وكان لهم ثقِل في مواجهة تفرد بعض الأحزاب السياسية الموالية لإيران بالقرارات، خاصة المصّيرية منها”.
وأضاف “اللامي”؛ لـ (إرم نيوز)، إن: “جُل المؤشرات، اليوم، تُشير إلى عودة الصدر، لكن ذلك لن يكون خلال العام الحالي، بل سيُّهييء الأجواء وقواعده الشعبية التي تُعد الأكبر في العراق للانتخابات المقبلة التي تُقام عام 2025”.
وأشار إلى أن: “عودة الصدر ستُشعل الصراع مرة أخرى بينه وبين بعض الأحزاب الموالية لإيران، باعتباره يسّير في خط متقاطع مع السياسية الإيرانية في البلاد”.
بدوره؛ كشف مصدر سياسي رفيع المسّتوى، عن اتصالات مكثفة للسياسيين السُّنة والأكراد جرت، خلال الأشهر القليلة الماضية، مع “مقتدى الصدر”، بهدف إقناعه للعودة للحكومة على أقل تقدير في الوقت الحالي.
وذكر المصدر المقرب من إحدى الكتل السياسية السُّنية؛ أن: “الصدر؛ رفض مبدئيًا العودة، خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، إلا في حال حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهذا ما لم توافق عليه الكتل داخل تحالف (الإطار التنسّيقي) الشيعي، التي تتمسّك برئيس الوزراء؛ محمد شيّاع السوداني، والحكومة الحالية”.