خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في خطوة أشعلت التوترات الدبلوماسية بين “مصر” و”إسرائيل”؛ أعلنت “القاهرة” دعمها للدعوى التي رفعتها “جنوب إفريقيا” ضد “إسرائيل” أمام “محكمة العدل الدولية”، والتي تتهم فيها “إسرائيل” بارتكاب جرائم إبادة جماعية في “قطاع غزة”.
وعن أسباب تحرك “القاهرة” لدعم دعوى “جنوب إفريقيا”؛ قالت “الخارجية المصرية” إنه يأتي: “في ظل تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية ضد المدنييّن الفلسطينيين في قطاع غزة، والإمعان في اقتراف ممارسات ممنهجة ضد أبناء الشعب الفلسطيني من استهداف مباشر للمدنيّين وتدمير البُنية التحتية في القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم، مما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسّبوقة أدت إلى خلق ظروف غير قابلة للحياة في قطاع غزة، في انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949؛ بشأن حماية الأشخاص المدنييّن في وقت الحرب”.
تأكيد عدم شرعية ممارسّات الاحتلال..
وكانت “الخارجية المصرية” قد كشفت تفاصيل المرافعة قائلة في بيان لها: “قد تضمنت المرافعة الدفوع والأسانيد القانونية لتأكيد اختصاص المحكمة بمنح الرأي الاستشاري في تلك المسألة، ومن الناحية الموضوعية تأكيد عدم شرعية ممارسّات الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة ضد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف”.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية؛ “أحمد أبو زيد”، أن “مصر” أكدت في مرافعتها أمام المحكمة على الأهمية القصوى للأبعاد القانونية المترتبة على منح الرأي الاستشاري للمحكمة بشأن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن طلب الرأي الاستشاري يأتي في ظل ظرف دقيق، وعلى خلفية تاريخ يمتد لنحو خمسة وسبعين عامًا من الممارسّات الإسرائيلية الرامية للدفع بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وسّلب للأراضي والمنازل، وتنفيذ سياسات العقاب الجماعي، واستخدام ممنهج وعشوائي للعنف ضد المدنييّن، ومواصلة تعريض أبناء الشعب الفلسطيني للمعاناة الإنسانية بنهج غير مسّبوق الحجم والتأثير، وبينما لايزال العالم يقف صامتًا أمام اتخاذ موقف حازم بحتمية إنهاء الاحتلال طويل المدى.
ضبط النفس وتوخي الحذر..
في تعليقه على تلك الخطوة؛ يرى أمين عام المجلس المصري للشؤون الخارجية نائب وزير الخارجية السابق؛ “علي الحفني”، في حديثه لموقع (سكاي نيوز عربية)، أن: “مصر كانت تُراعي ضبط النفس رُغم التشارك مع شعوب العالم في رفض وإدانة ما يحدث في قطاع غزة؛ منذ شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، إلا أنها كانت تتوخى الحذر أن مثل هذه المواقف يمكن أن تؤثر على جهودها في الوسّاطة، ومسّاعي القاهرة للتعجيل بوضع نهاية للحرب في غزة”.
اجتياح “رفح” والأزمة الإنسانية..
وبشأن الدافع وراء إعلان “مصر” التدخل دعمًا لدعوى “جنوب إفريقيا”، قال “الحفني”: “ذلك يأتي بعد إصرار وتصّعيد الجانب الإسرائيلي باجتياح رفح وعدم مبالاته بالأزمة الإنسانية بالقطاع، فضلاً عن إغلاقه كافة المعابر البرية وتنفيذ خطته لتجويع سكان القطاع بأكمله”.
مضيفًا أن: “إسرائيل أيضًا تضع نهاية للمفاوضات وجهود الوسّاطة وترفض المُّضي فيها، وتلجأ كبديل لتطوير حربها في غزة، ومن ثم فهذا يجعلنا في حِل من الاستمرار في ضبط النفس الذي كنا نحرص عليه قبل ذلك، خاصة مع تحذير مصر من التصعيد وخطورته على أمنها القومي وأمن المنطقة بشكلٍ عام”.
ويعتقد الدبلوماسي أن الخطوة المصرية ستُزيد الضغوط الدولية على “إسرائيل”، لأن: “ما لم يتحقق من خلال المفاوضات يمكن تحقيقه من خلال زيادة الضغط على إسرائيل خلال المرحلة المقبلة”، وفق تعبيره.
تراجع جهود “الوسّاطة”..
ومع ذلك؛ أوضح “الحفني” أن جهود الوسّاطة: “تراجعت خطوات للخلف”، خاصة بعد فشل الاجتماعات التي احتضنتها “القاهرة” وانتهت؛ الجمعة، بعدم التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، نتيجة للتعديلات المستمرة التي طلبتها “إسرائيل”.
وانتهى “الجمعة”؛ في “القاهرة”، اجتماع بشأن مقترح للهدنة في “قطاع غزة” من دون إحراز تقدم، رُغم موافقة حركة (حماس) على الورقة المصرية المقدمة التي اعتبرت “إسرائيل” أنها: “لا تُحقق مطالبها”.
وتزامن فشل المفاوضات مع إعلان الجيش الإسرائيلي سيّطرته على معبر (رفح) الحدودي مع “مصر”؛ مما أدى إلى توقف وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المُّحاصر، في تطور وصفته “القاهرة” بأنه: “تصّعيد خطير”.
وكانت “وزارة الخارجية” المصرية قد قالت في بيان؛ إن “مصر” حذرت من أن العملية الإسرائيلية في “رفح”؛ جنوبي “قطاع غزة”: “تُهدد مصّير الجهود المضُّنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مسّتدامة داخل غزة”.
وعاد الدبلوماسي المصري للقول إن: “التعامل المصري يكون بقدر التصّعيد الذي أحدثته إسرائيل في الأيام الأخيرة. لا يمكن الاستمرار في نفس التناول السابق، لكننا في نفس الوقت لن نقطع شعرة معاوية بشأن دور الوسّاطة، لأن قيامنا بهذا الدور محوري لوقف إطلاق النار خاصة مع خبرات القاهرة في التعامل مع تلك الأوضاع”.
وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية المصري؛ “سامح شكري”، الذي قال إن: “مصر مستمرة في جهودها للوسّاطة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة”.
يُسّاند دعوى “جنوب إفريقيا”..
من الناحية القانونية؛ علق الخبير المتخصص في القانون الدولي العام؛ الدكتور “محمد محمود مهران”، قائلاً أن “مصر”؛ بوصفها طرفًا في “اتفاقية منع الإبادة الجماعية”، لها مصلحة مباشرة في الدفاع عن الالتزامات المترتبة على الدول الأطراف بمنع ووقف الأعمال التي ترقى لجرائم الإبادة الجماعية، لا سيما تلك المحظورة وفق المادة الثانية من الاتفاقية، مثل قتل الأفراد أو إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بهم أو إخضاعهم عمدًا لأحوال معيشية يُراد بها تدميرهم المادي كليًا أو جزئيًا.
واعتبر أن: “التدخل المصري سيُضيف وزنًا وزخمًا للدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا، حيث إن مصر هي الوسيّط والشاهد الأول على كل ما يحدث من انتهاكات لكونها المنفذ الوحيد لغزة، وهي من تعمل على متابعة إدخال المساعدات الإنسانية”.
ووفق “مهران”؛ فإن “مصر” ستعرض وجهة نظرها حول تفسّير الأحكام ذات الصلة من “اتفاقية منع الإبادة الجماعية” وانطباقها على الأفعال الإسرائيلية في “غزة”، بما يُعّزز حجج المدعي ويسُّلط الضوء على فداحة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ويدفع المحكمة لاتخاذ قرار حاسّم بشأن إلزام “إسرائيل” باحترام الاتفاقية.
اختلاف بين الدعوتين..
وأوضح أستاذ القانون أن هناك اختلافًا جوهريًا بين الدعوى الحالية التي طلبت فيها الجمعية العامة رأيًا استشاريًا من “محكمة العدل الدولية” وفقًا للمادة (96) من “ميثاق الأمم المتحدة” والنظام الأساس لـ”محكمة العدل الدولية”، وبين الدعوى التي رفعتها “جنوب إفريقيا” ضد “إسرائيل” بتهمة الإبادة الجماعية.
واستّطرد “مهران”: إن الدعوى الأولى تتعلق بالرأي الاستشاري غير المُلزم، بينما الثانية كانت دعوى قضائية موضوعية أصدرت المحكمة بموجبها تدابير مسّتعجلة مُلزمة قانونًا بحق إسرائيل”، ومضيفًا انه على الرُغم من اختلاف الطبيعة، إلا أن كلا المسّارين يهدف في النهاية إلى شيء واحد، وهو توفير الحماية للشعب الفلسطيني ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية بحقه من خلال آليات القانون الدولي.
ونوه أيضًا إلى أن الرأي الاستشاري الذي ستُّصدره “محكمة العدل الدولية” بشأن الاحتلال الإسرائيلي، على الرُغم من كونه غير مُلزم قانونًا، إلا أنه سيوفر أداة ضغط سياسية وقانونية هامة على “إسرائيل”، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” ستُّحاول بالتأكيد تجاهل الرأي الاستشاري، لكن ذلك سيجعل موقفها أكثر ضعفًا وسيُّزيد من عُزلتها دوليًا.
كما أوضح أن الرأي سيوفر مرجعية هامة يسّتند إليها الفلسطينيون والدول المؤيدة لهم لممارسّة المزيد من الضغوط السياسية على “إسرائيل” من أجل إنهاء سياساتها غير القانونية.
قرار بعدم شرعية الاحتلال..
وتوقع الخبير الدولي أن تسُّفر مرافعة “مصر” أمام “محكمة العدل الدولية” عن آثار إيجابية في المدى القريب، موضحًا أنه في المدى القريب، من المحتمل أن تُصدر المحكمة قرارًا يؤكد من خلاله عدم شرعية استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة الانسّحاب من الأراضي الفلسطينية وهو ما سيُّمارس ضغطًا سياسيًا وأخلاقيًا على “إسرائيل”.
كما أشار “مهران” إلى أن القانون الدولي يؤكد رفضه للاحتلال والاستيطان، وتنص المادة (2/ 4) من “ميثاق الأمم المتحدة” صراحةً على حظر تهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضي الدول أو استقلالها السياسي، لافتًا أيضًا إلى قراري “مجلس الأمن” (242) و(338) يؤكدان ضرورة انسّحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي المحتلة عام 1967؛ تنفيذًا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة.
وبيّن أنه يمكن استغلال الرأي كأساس لإدانة الإسرائيليين المتهمين في التحقيقات التي تُجريها “المحكمة الجنائية الدولية” أو لإقامة دعاوى قضائية أخرى ضد المسؤولين الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أمام “المحكمة الجنائية الدولية”.
وشّدد الدكتور “مهران” على أن “مصر” لن تدخر جهدًا في الدفاع عن “القضية الفلسطينية” حتى تصحيح المسّار وفق الشرعية الدولية.. مؤكدًا أن “مصر” وقفت وستظل تقف إلى جانب “فلسطين”، ومشيرًا إلى إن “مصر” بمرافعتها أمام “محكمة العدل الدولية”؛ إنما تؤكد التزامها بهذه القواعد وحرصها على إعمالها لإنهاء المعاناة الفلسطينية، ومؤكدًا على مواصلة استنفاد جميع الوسائل القانونية السّلمية لإنهاء هذا الوضع غير القانوني وتحقيق العدالة للفلسطينيين.
مصلحة قانونية مباشرة..
ووفق أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق الأسبق؛ “نبيل حلمي”، فإن: “إعلان مصر التدخل في هذه القضية؛ جاء استنادًا للمادة (63) من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية، التي تتُّيح لأي دولة طرف في اتفاقية تكون محل نزاع الحق في التدخل لإبداء وجهة نظرها حول تفسّير الاتفاقية”.
وأضاف “حلمي”؛ في حديث لـ (العين الإخبارية)، أن “مصر” طرف في النزاع نظرًا لتضّررها من الأحداث في “غزة”؛ وكذلك حدوث بعض الآثار على حدودها مع الجانب الفلسطيني.
كما أن “مصر”؛ بوصفها طرفًا في “اتفاقية منع الإبادة الجماعية”: “لها مصلحة قانونية مباشرة في ضمان احترام أحكامها وتفسّيرها بما ينسّجم مع الغرض الإنساني منها، لا سيما الالتزامات الواردة في المادة الأولى بمنع الإبادة والمعاقبة عليها، والأفعال المحظورة المنصوص عليها في المادة الثانية والتي تُّشكل الأركان المادية لهذه الجريمة، كقتل أفراد الجماعة المسّتهدفة”.
وبحسّب المحلل المصري؛ فإن: “القضية ما زالت أمام محكمة العدل الدولية في المرحلة الأولى؛ وأصدرت تقريرها الأول وانتقلت إلى الجزء الثاني وهو الموضوعي”، مؤكدًا أن انضمام “مصر” الآن طبيعي ويأتي بعد صبرٍ طويل وجهود دبلوماسية مضُّنية لوقف تصاعد العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وشدّد على أن: “انضمام مصر بعد بدء المحاكمة يُعطي ثقلاً كبيرًا للقضية؛ نظرًا لدورها المحوري في الأزمة، ويُزيد التأييد الدولي في هذا الشأن”.
ضغوط لوقف الحرب..
من جهته؛ قال رئيس “محكمة الاستئناف” الأسبق وخبير القانون الدولي؛ “حسن أحمد عمر”، أن: “مشاركة مصر سوف تُعطي ثقة وتفتح الباب على مصراعيه لانضمام العديد من الدول للقضية؛ سواء عربية أو إسلامية، مما يضغط على المجتمع الدولي وقضاة المحكمة لإصدار قرار فوري بوقف إطلاق النار”، مشيرًا إلى أن: “مصر لديها من القدرات والكفاءة الكبيرة لتقديم أدلة يقينّية في حُجتها القضائية مما قد يسُّهل مهمة جنوب إفريقيا”.
وأوضح أن: “مصر لديها الأدلة والاعتبارات القانونية التي تثُّبت مصلحة حيوية في رفع الدعوى؛ لأن القرار القضائي للمحكمة الذي من الممكن أن يأخذ سنوات من الممكن أن يؤثر بشكلٍ مباشر إيجابًا أو سلبًا على مصير الفلسطينيين”.