في كلمته أمام ضيوف الكريملين ، وفي حفل تنصيبه رئيسا للبلاد لفترة رئاسية جديدة تمتد الى العام 2030 ، وبحضور 2600 شخص من ممثلي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، حكومة روسيا، ومجلس الاتحاد، ومجلس الدوما، والإدارة الرئاسية، وحكام الكيانات الفيدرالية وممثلي الديانات الرئيسية، ورؤساء البعثات الدبلوماسية والكثير من الشخصيات العامة وكذلك العديد من الصحفيين وغيرهم ، حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، على أن يكون خطابه الأول في فترته الرئاسية الجديدة ، محملا برسائل سلام الى العالم الغربي بالدرجة الأساس ، ودول العالم الأخرى .
وبوتين الذي فاز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد منتصف مارس الماضي ، وبموجب معطيات لجنة الانتخابات المركزية الروسية ، قد حصل على تصويت نحو 76 مليون ناخب روسي لصالحه ، وهو ما منحه أكثرَ من 87% من الأصوات، وبلغت نسبة المشاركة أكثرَ من 77% ، لأول مرة في تاريخ البلاد ، ويليه نيكولاي خاريتونوف بنسبة 4.31%، وفلاديسلاف دافانكوف 3.85% وليونيد سلوتسكي 3.20% ، وتبين أن انتصار الرئيس الحالي كان غير مشروط وحطم الأرقام القياسية ، وقبل ذلك، كان الحد الأقصى 76.69%، وهو ما حصل عليه بوتين أيضًا في انتخابات 2018 ، ولنتذكر أنه في عام 2012، حصل فلاديمير بوتين على 65.34%، وفي عام 2004 – 71.31%، وفي عام 2000 – 53.4% .
وبوتين المولود في مدينة لينينغراد في 7 أكتوبر عام 1952 ، وخريج كلية الحقوق بجامعة لينينغراد الحكومية (بطرسبورغ الآن) وكذلك أكاديمية الاستخبارات الخارجية ، والذي خدم في أجهزة أمن الدولة، وعمل في إدارة بطرسبورغ، وانتقل للعمل في موسكو في عام 1996 ،وشغل بوتين مرتين (في النصف الثاني من عام 1999 وفي الفترة 2008-2012) منصب رئيس وزراء روسيا، وجه كلمات الاجلال والاحترام الى أولئك الذين يقفون على جبهات القتال ، والمشاركين في العملية العسكرية الخاصة، ويفدون بأرواحهم بلدهم ، وعاهدهم والشعب الروسي على إن مصالح روسيا ستبقى أولوية قصوى عنده ، وستبقى خدمة روسيا هي هدفه الأعلى ، وضرورة الدفاع عن مصالح روسيا الوطنية على نحو أقوى ، معربا عن ثقته بتجاوز كل التحديات، والدفاع عن حرية شعبه وتقاليده وقيمه ، والتوحد جميعا شعبا وسلطة من أجل هذه الأهداف.
وحث الرئيس الروسي شعبه على انه لا بد أن يكون النظام الروسي متينا وثابتا ويضمن التطور التدريجي الممنهج ووحدة الشعب ، وأكد إن الاستقرار لا يعني الجمود، ويتعين على الجميع التكييف مع تحديات العصر، وتغيرات المجتمع المبنية على قيم الإخلاص والالتزام والولاء ، وأضاف بوتين ” سنفعل كل ما بوسعنا لتربية الأجيال الجديدة التي ستحافظ على تقاليد كل الشعوب الروسية ، فروسيا دولة الحضارة الموحدة والثقافة متعددة القوميات والأعراق ” ، وانه سيعمل كل ما بوسعه للدفاع عن الوطن بكل إخلاص، و ” تقع علينا مسؤولية الحفاظ على تاريخ ألف عام من الحضارة “.
وفي الوقت الذي كان الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الامارات العربية المتحدة ، في تغريدة كتبها بن زايد على موقع التواصل الاجتماعي X، كان أول المهنئين لبوتين ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان وزارة الخارجية، أكدت أعترافها بفلاديمير بوتين رئيسا لروسيا ، ولكن الكرملين قال إنه لا يتفق بشكل قاطع مع التقييم الأمريكي للانتخابات في روسيا ، وأنها لا تعتقد بأنها كانت نزيهة وعادلة ، وقلل المتحدث بأسمه ديميتري بيسكوف من قرار سفراء بعض الدول عدم حضور حفل تنصيب الرئيس فلاديمير بوتين، وقال إن هذا قرارهم ، والتشديد على أن فعالية التنصيب مخصصة في المقام الأول للمواطنين في روسيا.
وكلمة بوتين في حفل التنصيب تضمنت رغبة روسية واضحة ، وانفتاحها للتعامل مع كل الدول التي ترى في روسيا شريكا موثوقا، وهي الأغلبية العالمية، وتؤكد ان روسيا لا ترفض التعامل مع الدول الغربية، إلا أن العداء الذي يمارسونه ضدها هو ما يعرقل ذلك ، وقال “نحن لا نرفض الحوار مع الدول الغربية ، والخيار أمامهم: هل يعتزمون الاستمرار في محاولة كبح تطور روسيا، أو الاستمرار في سياسة العدوان، أو الضغط المستمر على بلدنا لسنوات، أو البحث عن طريق للتعاون والسلام ” ، والتأكيد أيضا إن الحوار حول الأمن الاستراتيجي والاستقرار ممكن، ولكن ليس من منطق القوة، وإنما انطلاقا من قواعد الندية ، مع التشديد على استمرار بلاده في تشكيل عالم متعدد الأقطاب، وقال “علينا أن نكتفي ذاتيا، ونفتح مجالات جديدة أمام دولتنا كما حدث مرارا في التاريخ، الذي نتعلم من دروسه دائما “ .
رسالة السلام التي بعثها الرئيس بوتين الى العالم الغربي في يوم تنصيبه ، سبقتها رسالة أخرى لا تقل أهمية ، هي أمر بوتين لوزارة الدفاع الروسية ، بالاستعداد لإجراء تدريبات على استخدام الأسلحة النووية غير الاستراتيجية، ردا على سياسة الغرب الجماعي المتعجرفة والعدوانية تجاه روسيا ، والتي اعتبرتها موسكو بأنها تدريبات اضطرارية للرد على السياسة المتعجرفة والعدوانية للغرب الجماعي، والتي تخلق تهديدات غير مقبولة لأمن روسيا ومواطنيها ، وأنها لا نشكل تهديدا لأحد ، ويجب على الذين فقدوا رشدهم في واشنطن وأتباعهم في أوروبا كما يقول السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنطونوف ، أن يفهموا أن تصعيد المخاطر من جانبهم سيدفع روسيا لاستخدام كل الوسائل لحماية سيادتها وسلامة أراضيها. لن تنجح الدول الغربية في لعبة التصعيد من جانب واحد”.
أن الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وكما قالت روسيا ، تبتعد خطوة بخطوة عن ضبط النفس في الحرب الهجينة التي تشنها ضد روسيا، وتقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها باستمرار بتوسيع توريد الأسلحة الفتاكة بشكل متزايد إلى أوكرانيا والمصممة لقتل الشعب الروسي ومهاجمة أراضيها ، وشددت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، إن من حق روسيا، إذا تحققت تهديدات لندن بشأن ضربات كييف لأراض روسية بأسلحة بريطانية، ضرب أهداف بريطانية بأوكرانيا وخارجها.
تطورات الأوضاع الدولية و مخاطرها ، دفعت بيلاروسيا أيضا الى أعلان وزارة الدفاع البيلاروسية ، أن قواتها تبدأ بتفتيش مفاجئ لوسائل حمل الأسلحة النووية غير الاستراتيجي ، وإن التفتيش بحسب وزير الدفاع فيكتور خرينين يأتي بتوجيه من رئيس البلاد ألكسندر لوكاشينكو، وأنه سيشمل مجموعة كاملة من الإجراءات المتعلقة بالتخطيط والتحضير وتنفيذ الضربات باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية ، وأنه يتم وضع كتيبة من منظومات صواريخ “إسكندر” العملياتية التكتيكية ، وسرب من طائرات “سو-25” موضع الاستعداد لتنفيذ المهام الموكلة إليهما ، وأنه تم في إطار التفتيش نقل جزء من قوات ومعدات سلاح الجو إلى مطار احتياطي، وسيبدأ التدريب على استخدام الأسلحة النووية غير الاستراتيجية بعد نقل أفراد الخدمة الفنية إليه ، وأنه سيتم نشر كتائب من صواريخ “إسكندر” ومنظومات “بولونيز” العملياتية التكتيكية سرا في مناطق تمركز محددة، حيث سيم التدرب على عمليات “الإعداد والتخطيط واستخدام الذخيرة الخاصة”.
وبشأن العلاقة مع العالم العربي ، فإن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه العالم العربي، تقوم على مبدأ الثقة المتبادلة واحترام خصوصية كل بلد فيه ، وتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المشتركة ، لا سيما وأن لروسيا رصيدا حكوميا وشعبيا في العالم العربي، نظرا لوقوفها الدائم إلى جانب سيادة واستقلال دوله، وقضايا شعوبها العادلة ، والعالم العربي متفاءلفي تطوير العلاقات مع روسيا وبوتين ، فلطالما تميزت سياسة الرئيس الروسي ، بالتوازن في علاقاته مع دول العالم، وفيما يخص علاقاته مع الدول العربية ، فيمكن القول بأن العلاقات في أفضل مستوياتها ومراحلها ، بعد أن تقاطعت رغبة الطرفين في علاقات متوازنة بعد أن كانت في السابق متوجهة كليا نحو الغرب ، وهو أمر أثبت عدم جدواه، ويتوقع الخبراء اليوم بأن العلاقات المستقبلية تبشر بمستقبل واعد فيها قدر كبير من الحكمة.